مع الناس: بقلم-عبد الحميد أحمد

ت + ت - الحجم الطبيعي

إذا كان هناك انتصار حقيقي احرزته القيادة العراقية في ازمتها الاخيرة مع الامم المتحدة, فهو تجنيبها الشعب العراقي خطر ضربة عسكرية وما يمكن ان تجره هذه من آثار مدمرة عليه , هو في غنى عن اخف هذه الآثار واقلها ضررا محتملا, فالمأساة التي يعيشها هذا الشعب منذ العام 90 تكفيه وتغنيه عن اي انتصارات اخرى يتوهمها النظام. وبما ان هناك من المراقبين ممن تستهويهم لعبة الحساب وحصر الخسائر والارباح, فيحصون انتصارات العراق في حال كانوا مؤيدين له, ويعدون خسائر الاطراف الاخرى من الامم المتحدة الى امريكا, فان بعض هؤلاء لا يتردد في المساهمة في حملة التضليل والدعاية غير الصادقة, فتصور الاتفاق الاخير بين الامم المتحدة والعراق على انه انتصار عراقي باهر على قوى الشر, او انه اكتساح امريكي لمعاقل النظام العراقي واخضاع مهين له مما يدخل في الدعاية المجانية لأي من الطرفين بوعي او من دون وعي. لذلك لن يهم العاقل كثيرا ان يدق العراقيون من انصار النظام الطبول في الشوارع ابتهاجا بالانتصار (لا بالاتفاق) ولن يهمه ايضا ان تسمي بغداد يوم توقيع الاتفاق بيوم النصر او يوم الراية وتضمه الى اعيادها الوطنية السنوية, كما ان العاقل نفسه لن يهمه في الوقت ذاته ما قد تعلن عنه واشنطن من انها ادبت صدام حسين ولقنته درسا, وان ارادة المجتمع الدولي حققت انتصارا ساحقا على تنصل العراق من القرارات الدولية, فكل هذا يصب في ماكينة الحملات والحملات المضادة, مما ليس له ظل على ارض الواقع, او اثر في الحقيقة. لهذا فالعاقل يرى ان ما تحقق على ارض الواقع هو ان العراق نجا من ضربة عسكرية وتجنب مخاطر جديدة, وان الامم المتحدة حققت مصداقية اكبر بفرض تنفيذ قراراتها بما في ذلك مهمة المفتشين, وان الامل بالسلام ورفع العقوبات عن العراق هو الذي تحقق عمليا, وان المنطقة كلها ابتعد عنها شبح التوتر الذي خيم عليها بفعل هذه الازمة. من هنا فان الذي انتصر في هذه الازمة هو ارادة السلام وصوت العقل والمنطق, على ارادة الحرب وصوت الجهل والحماقة, حيث لا العراق استطاع ان يفرض شروطه برفض تفتيش القصور او تحديد مدى زمني لمهمة التفتيش, ولا امريكا استطاعت ان تدفع اكثر بالازمة جهة الحرب والتصعيد, فتستفيد من الازمات كعادتها سياسيا واقتصاديا, بدءا من تغطية فشلها في محادثات السلام والى مونيكا جيت. هذه النظرة التي دعت صدام حسين الى قطع الطريق امام امريكا والاستجابة لقرارات الامم المتحدة وتنفيذها وناشدته التعاون مع كوفي عنان, وفي الوقت نفسه رفضت منطق استخدام القوة فعارضت ضرب العراق, من التي نجدها اوضح ما تكون في مواقف دولة الامارات الاخيرة والتي عبر عنها كل من رئيس الدولة وسمو الشيخ محمد بن راشد, هي في الحقيقة التي انتصرت, فأثار الاتفاق الذي نزع فتيل الازمة ارتياحا عارما عند محبي الحق والعدل والسلام والامن. غير ان الامل المعقود من بعد هذا الانتصار الحقيقي, لا الموهوم, هو في ان تستمر القيادة العراقية في السعي الدؤوب لرفع العقوبات عن العراق وتخفيف آلام شعبه, وذلك بتنفيذ القرارات جنبا الى جنب مع كسب المزيد من الاصدقاء من العرب وغير العرب عن طريق ممارسة السياسات المتزنة, والتي منها حتما عدم تقديم المبررات لأمريكا وغيرها لتوتير المنطقة وتأزيمها كلما لاحت في الافق بشائر الامن والاستقرار والتقدم, ففي ذلك وحده الانتصار الحقيقي والدائم لكل نظام عربي, لا للنظام العراقي وحده.

Email