حوار عن الحوار بين الحضارتين: بقلم- د. زكي الجابر

ت + ت - الحجم الطبيعي

قيل ان الارنب سأل القطة يوما ما: من اين الطريق الى الغابة؟ فأجابت: ان ذلك يتوقف على حسن النية) فليكن (حسن النية) هو المنطلق ونقطة المرتكز عن حوار اتوهمه بيني وبينك عن الحوار بين الحضارتين اللتين تعيشان عالمنا المعاصر. فمن اجل ان يكون هذا العالم أجمل وأسعد , يهنأ الى دفء الاستقرار والطمأنينة والسلام وتبادل المنافع الاقتصادية والثقافية, تتجدد الدعوة الى الحوار بين هاتين الحضارتين, تمتلك الحضارة الاولى قوة العلم والتكنولوجيا والمعلومات والاعلام والانتاج والسلاح والاقتصاد, اما ثانيتهما فمازالت تتعثر على طريق اقتناء كل ذلك, بل يمكن القول انها مستهلكة لبضاعة الطرف الاول واعلامه وسلاحه, وفي عوز بائس لقوة العلم والتكنولوجيا اما أهم ما لديها فهو تراث غني متنوع بكل ماهو انساني, وتريد ان يكون هذا التراث ركيزتها في بناء عمران بشري اصيل, ولقد تحققت الدعوة, هذه استجابة فكان الطرف القوي يدعو الطرف الاخر الى موائد المحادثة والمناقشة ولكنه لا يستمع الا لما يريد ان يستمع اليه. ويتحدث الطرف القوي, والطرف الاخر لايريد ان يستوعب من ذلك الحديث الا مفردات العون والمساعدة وزيارات الاطلاع والتسهيلات, والقروض والمنح, ولما يصل الطرفان بعد الى تفاهم فثمة هيمنة ملموسة وتبعية قائمة ومازال هناك نحن وهناك هم! ولقد اصبح في حكم الحاجة الى استمرارية الحوار ومن منطلق حسن النية ايضا, ان يتحدد شكل هذا الحوار او طرازه وطرقه او اساليبه. ثمة شكل يستظل العالمية والانسانية والتنظير الذي يتبنى الدعوة الى فهم العالم عن طرق العمل الجهوي المشترك متمثلا فيما يتمثل بجمعيات الصداقة وتبادل الطلبة والاساتذة وحلقات الحوار والمناقشة في الشؤون العامة وثمة شكل يحاول استقراء نقاط الصراع والتعرف على الفوارق الحضارية يصنفها في انماط ويحللها ويقترح الحلول وكيفية ترجمتها الى واقع, انه يدرس السلوك الحضاري من داخله حينا عن طريق المعايشة, او من خارجه وفق معايير تساعد على المقارنة والموازنة. ويبدو ان ما شاهدناه من حوار الان قد ركز على الشكل الاول اكثر من الثاني, في حين ان الملاحظات المتجمعة عن طريق ملاحظة الفوارق ظلت حبيسة ادراج الدرس الانثربولوجي وفي الدراسات الانثربولجية كثيرا ما يلتبس الجهد العلمي المخلص بالطرافة والاثارة, وربما يتداخل الاثنان بدافع سوء النية, وتأخذ (هم) معنى التخلف العقلي والحضاري وتلبس لبوس الازدراء وتلبس (نحن) لبوس الفطنة والالمعية والحق المشروع في البقاء واستغلال ما لدى الاخر من ثروات طبيعية. واليك بعضا من النقاط الملفتة للنظر والمثيرة للتساؤل: ـ تورد بعض الدراسات المعنية بدراسة الفوارق الحضارية ان شعوب الشرق تحمل الماضي على اكتافها, وان هوية الماضي هي الحقيقة التي ينبغي ان يفكر بها, اما المستقبل فليس موطن تفكير! ـ وان هذه الشعوب لا تلتزم بالمواعيد, وثمة اعتذارات متعدد في حالة التأخر مثل المطر او الظروف او النسيان! ـ ومن هذه الشعوب يصعب ان تحدد موعدا يحل بعد زمن طويل, وان الوقت بصورة عامة يفتقد الثمن! ـ والبائع والمشتري يضيعان الوقت في المفاصلة حتى يصلا الى سعر يرضي الطرفين ان الشك يتولد عند وضع سعر ثابت على البضاعة! ـ ويمكن ان تتوقع رنة تليفون من صديق يمازحك او يسأل عنك في ساعة متأخرة من الليل. ـ وينظر القوم بعضهم في عيون البعض الاخر, ويجلسون متقاربين حتى ولو كان المكان فسيحا, ويكثرون من المصافحة, وحركات الايدي ويتحدثون بصوت مرتفع. وقد يتجاوز الحديث كل ذاك الى الطعن في الاخلاق كالقول بضعف الامانة والكذب والاغتصاب كما يمتد السلوك والحركات الجسيمة كعدم الاغتسال والبصاق والتبول في الاماكن العامة. ولعلك مثلي يراودك الشك في الدافع وراء كل ذاك, أهو العلم المحض ام محاولة الحط من الطرف الاخر؟ وهل الوعي بهذه الفوارق المختلفة او الحقيقية يمهد الى قيام حوار يستهدف اقامة عالم افضل على اسس من التعاون واحترام الانسان لاخيه الانسان!. وبعد ذلك لابد من التفكير بطرق الحوار او اساليبه, ان هذه الطرق لا ينبغي لها ان تكون, كما هو كائن, قصرا على قاعات الفنادق الفخمة, وقاعات المؤتمرات المزينة بالاضواء واصوات الميكروفونات واصدائها, ان شبكة الحوار اوسع من المنتديات والملتقيات انها تشمل كما يتصورها الدارسون المعنيون (الفرد والحكومة والمؤسسة والثقافة. ان الفرد في احد طرفي الحوار يستطيع ان توفرت له الاستطاعة التواصل مع الفرد او الحكومة او المؤسسة او الثقافة من الطرف الاخر, ومثل ذلك يستطيع التواصل اي عنصر من عناصر طرف من الشبكة مع اي عنصر من عناصر الطرف الاخر. وهكذا لك ان تتصور الشبكة نسيجا متداخلا سداه ولحمته ستة عشر خطا او خيطا وتوظيف هذه الشبكة بمهارة يمهد الارضية المناسبة للفهم والتفاهم. اما تغيير البنية الحضارية للطرف الاخر فليس بالامر اليسير. وثمة اجتهاد يذهب الى استثمار وظيفة القيم الجديدة وصولا الى تكوين بيئة ملائمة تضعف فيها المقاومة الثقافية او تنتفي وتكوين هذه الثقافة هو ابعد من مسؤولية توظيف الاعلام الجماهيرية وذلك بحكم ارتباط عملية التكوين هذه بمجموعة الانشطة الانسانية المتداخلة من لفظية وغير لفظية هذه الانشطة كما يرى الانثربولوجي ادوار هال, من الشمولية بحيث تشمل عمليات التفاعل والترابط بين البشر واستغلال البيئة, والتعلم والتعليم وايقاع التعايش عبر الزمن واللعب والدفاع والفعاليات الاقتصادية وانماط المهمات الحياتية التي يمارسها كل من الجنسين الذكر والانثى ومن هذا المنظور, والرأي لادوارد هال, ايضا يمكن ان نرى شدة المقاومة التي تبديها الحضارة اية حضارة لمحاولة تغيير تأتي من خارجها ان القواعد الاساسية (الجوانية) لا تتغير الا بمقتضى آلياتها الخاصة, ويظل العنصر (الجواني) من الحضارة الفاعل الاساسي في (قولبة) انماط التفكير وصياغة الافتراضات واخضاعها والدفاع عنها, والى ذلك يبدو مستحيلا انفصال مبادرات الحوار من اجل التغيير عن المبادرات الاقتصادية والسياسية وقد نكون على درجة كبيرة من السذاجة ان لم نقل البلاهة اذا ما بادرنا الى فصل الفعل الثقافي عن تفاعلاته مع الافعال السياسية والاقتصادية. واعتقد انك تشاركني الرأي ان موضوعة الحوار, الحوار الثقافي لا يمكن الخوض فيها او عنها دون تناول موضوعة (الهوية) طالما ان الحوار بين الحضارات يقوم بين طرفي نحن وهم ومانحن الا هويتنا وما هم الا هويتهم. وفي عصر تتصف فيه المجتمعات المصنعة بحالة من اللا توازن كنتيجة من نتائج الدفع التكنولوجي المتتالي لطاقة الانتاج فانه من المتوقع ومن اجل البقاء قيام الطرف المصنع بغزو الطرف الاخر تجارة واعلاما وتعليما والمحصلة النهائية لكل ذاك تضع حسن النية موضع تساؤل, ان لم نقل موضع شك, واذا ما نجح الحوار بيني وبينك فان الحوار بين الحضارات لن يكون ذا نجاعة مادام جوهره وهو حسن النية لا ينتصب دليلا للتوجه عند منعطفات الطرق, وقد يكون الدليل الساطع على حسن النية تلك هو انجاز فعاليات مشتركة من اجل قهر الفقر والحرمان ورفع مستوى الطبقات التحتية وذلك هو اجتهادي ولك اجتهادك ولي عبرة بمن قال بأن كلامه صواب يحتمل الخطأ, وكلام غيره خطأ يحتمل الصواب! خبير اعلامي عربي*

Email