المسلم المعاصر بين التفاؤل.. والتحدي: بقلم -أ.د يحيى هاشم حسن فرغل

ت + ت - الحجم الطبيعي

يجب أن نعلم أن التشاؤم أو اليأس اذا استقر في ضمير الأمة فإن ارادتها تصاب بالشلل. كما يجب ان نعلم أن انتصار الحركات التاريخية الكبرى لم يكن ليحدث لولا امتلاؤها بالتفاؤل. هكذا كان انتصار الرأسمالية على الاشتراكية, وهكذا كان انتصار الصهيونية على العرب والمسلمين في العصر الحديث. والمسلمون اليوم يكادون يقعون في هاوية اليأس, ان لم يكونوا قد وقعوا فيها بالفعل. حتى في مستوى القائمين بأمر الدعوة الاسلامية.. إنهم يقومون بها كواجب وظيفي أو كتطهير نفسي, دون أن تكون نفوسهم عامرة بالاعتقاد بالنصر, وبأن المستقبل لهم. وهم فوق ذلك تكتنفهم عوامل تشاؤمية, ونظرة الى العالم الاسلامي على أنه يسير في طريق التدهور والاحلال لا محالة. وفي مجال الدعاة نجد نوعا من اليأس هو من أشد انواع اليأس خطرا وتدميرا, ذلكم هو الذي يتمثل في أولئك الذين نجدهم على كثير من مفترق الطرق يرفعون شعارات لا يمكن أن تطبق عمليا الا على خطوات تدريجية وبصبر طويل.. لكنهم يرفضون هذا المنهج العملي التدريجي لا لشيء الا ليأسهم من قضيتهم, فتراهم يرفعون شعاراتهم المتصلبة وهم في نفس الوقت على يأس من التنفيذ. انهم يرفعون هذه الشعارات لا لتطبيقها, ولكن ليحققوا لأنفسهم شيئا واحدا على الأقل في محيط اليأس الضارب حولهم.. ذلك هو رضاهم عن أنفسهم, غافلين عن أنهم في حقيقة الأمر ينطلقون من يأس غير مشروع, ويضيعون على اخوانهم املا مشروعا. كيف يسيطر اليأس والله سبحانه وتعالى يقول: (ولا تيأسوا من روح الله انه لا ييأس من روح الله الا القوم الكافرون). وهو سبحانه وتعالى يقول: (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله, إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم). وهو سبحانه وتعالى يقول: (يا أيها الذين آمنوا ان تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم, والله ذو الفضل العظيم. وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك او يقتلوك أو يخرجوك, ويمكرون, ويمكر الله, والله خير الماكرين). كيف يسيطر علينا اليأس والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (لو أخطأتم حتى تبلغ خطاياكم السماء ثم تبتم لتاب الله عليكم). وهو صلى الله عليه وسلم يقول (لولا أنكم تذنبون لخلق الله خلقا يذنبون فيغفر لهم). ليس معنى التفاؤل هنا التشجيع على ارتكاب الآثام, بل إن الأمر على العكس, فإن الذي يشجع على الولوج في الآثام هو اليأس. أما التوبة, وتجنب الكبائر.. والاكثار من الحسنات لترجح على السيئات.. فإنها اقوى الدوافع للتعجيل بفعل الخير. فالتوبة الآن هي ما ينقذ به المرء نفسه. وتأجيل التوبة أمر لا يدخل في حساب المسلم, لأنه من شأنه ان يعلم ان التوبة لا تفيد لمن حضرته النهاية, وهي أي النهاية تحضر في اي وقت. يقول الله سبحانه وتعالى (وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى اذا حضر أحدهم الموت قال اني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار). فالتوبة والمغفرة والأمل.. باب المسارعة الى الخير والاصلاح.. أما اليأس فهو المحرض الحقيقي على الاستمرار في الفساد.. وكيف يسيطر اليأس على المسلمين على المستوى العام والله تعالى يقول: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الارض كما استخلف الذين من قبلهم, وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا. يعبدونني لا يشركون بي شيئا) كيف والله تعالى يقول (ولينصرن الله من ينصره ان الله لقوي عزيز) كيف والله تعالى يقول (إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا, ويوم يقوم الأشهاد, يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم, ولهم اللعنة ولهم سوء الدار). كيف والله تعالى يقول (ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين, انهم لهم المنصورون, وان جندنا لهم الغالبون, فتول عنهم حتى حين, وأبصرهم فسوف يبصرون, أفبعذابنا يستعجلون, فاذا نزل بساحتهم فساء صباح المنذرين, وتول عنهم حتى حين, وأبصر فسوف يبصرون, سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين, والحمد لله رب العالمين). ان التفاؤل والاعتقاد بالنصر في المستقبل عنصر جوهري لنجاح أية دعوة, لا يقل أهمية عن سلامة الدعوة, وصدقها موضوعيا.. وان الدعوة الاسلامية لتفيض بعناصر التفاؤل فيضا ملحوظا. وانه اذا كانت في السنة أحاديث الفتن, ففيها أيضا احاديث الهدى, ونزول المسيح, وعودة الاسلام كما بدأ, على ان نأخذ ذلك بالطبع أخذا اسلاميا, أي بالعمل الصالح وصنع الظروف المهيئة لاستقبال النصر. وليس لنا ان نقع أسارى اليأس في التعامل مع الغزو الاستعماري الاسرائيلي... اذ الحقيقة على العكس من ذلك.. ان اسرائيل في الحق مسخرة للتمهيد للبعث الاسلامي وعودة الاسلام... تماما كما كان كيد إخوة يوسف مسخرا للتمهيد لظهور سيدنا يوسف عليه السلام, وللتمكين له في الارض... تماما كما كان الشيطان مسخرا للتمهيد لإرسال الرسل, وظهور الأنبياء, وانبثاق نور الاسلام, وهدي محمد عليه الصلاة والسلام.. على هذا النحو نؤكد ان اسرائيل مسخرة للبعث الاسلامي الشامل... وهنا نحس بأننا على قمة التفاؤل... وقد أشار حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الى القدس, كموقع اخير للجماعة الاخيرة التي تقوم بعملية الظهور على أعداء الله, ففي رواية للطبراني بالمعجم الكبير بسنده عن مرة البهزي أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لاتزال طائفة من أمتي على الحق, ظاهرين على من ناوأهم, وهم كالإناء بين الأكلة, حتى يأتي امر الله... قلنا يارسول الله: وأين هم؟ قال بأكناف بيت المقدس)

Email