مع الناس، بقلم: عبدالحميد أحمد

بما أن الوقت عيد على الدنيا سعيد, مع الاعتذار للأغنية المشهورة, فان مكوجي الفريج رفع الأسعار بنسبة خمسين في المائة, فصار سعر كي الغترة مثلا ثلاثة دراهم , مقابل درهمين قبل العيد, ومع ذلك فمن كثرة الطلب على كي الغتر ظل هذا يعمل حتى ساعات الصباح الاولى من أول أيام العيد السعيد دون كلل تلبية للطلبات. والطلبات كثيرة, لأن كل الرجال والاطفال من الذكور يريدون ثياب العيد من كنادير وغتر ووزرة مكوية مهندمة, لذلك لم يكترث هؤلاء لارتفاع الاسعار المفاجىء, فهو اولا ارتفاع مؤقت كما اطمأنوا بمناسبة العيد, وثانيا لان الخدمة اكسبرس وثالثا, الدنيا عيد, فمن يهمه درهم زيادة؟ واذا كانت أسعار السلع ترتفع لزيادة الطلب عليها, كما هو القانون الاقتصادي المعروف, فلابد أن أسعار المالح مثلا ضربت السقف, أو بالاصح خرمته (بلغة منظمة الأوبك تجاوزت السقف) فأغلب الناس كان غداؤهم أمس مالح وتوابعه من بصل أبيض واخضر وفجل وفلفل حار وغير ذلك مما يلزم لوجبة حارة حريفة, يزيد الاقبال عليها كلما زاد (زفرها) في أعقاب رمضان. لذلك فالمكوجي كمثال وبائع المالح من الذين يعود عليهم عيد الفطر بالخير والنعمة والربح الوفير, خاصة الاخير الذي يقضي أغلب ايام العام في طرف من سوق السمك واللحم يغالب النعاس لقلة الزبائن والطلبات, ثم فجأة تجتاح السوق موجة شراء محمومة يختفي على اثرها المالح بأنواعه, حيث تنافس مبيعاته مبيعات الذهب. وربما يحسب القارىء أنني أحسد اليوم صغار الباعة والمهنيين, وأنسى كبار التجار ممن لا تفوتهم مناسبة إلا ويكون لهم فيها حصة الاسد من الارباح والمبيعات, الذين نعرفهم جيدا وسنمر على ذكرهم, لولا أننا لا نحسد أحدا على نعمة هي من حقه, طالما انه يخدم الناس ويقدم لهم ما يسعدهم, سواء كان هذا مالحا او ذهبا على السواء, فالناس فيما يعشقون مذاهب. غير اننا نتسلى لاننا في عيد, فنسلي معنا من يقرأنا, لان ضرب البوز في العيد لا يجوز, ولهذا من الاسباب والمنغصات ما يكفي القارىء لضرب البوز وغير البوز عاما متصلا, فاذا وصلنا مثلا الى سوق الذهب نعرف ان باعة الذهب لا يهمهم العيد في شيء, فهم مثل المنشار طالع يأكل ونازل يأكل في كل المناسبات, صيفا وشتاء, خاصة في مواسم الزواج, حيث لا رحمة ولا شفقة بالعرسان, ما يجعلهم بعيدين عن تهمة ثراء العيد. على خلاف هؤلاء تجار آخرون, من تاجر العطور والعود الى تاجر الاحذية والملبوسات, مرورا بتاجر الفاكهة والمكسرات والحلويات, الذين لو لم يستفد الواحد منهم من العيد كما ينبغي, فيحقق ارباح شهور في أيام معدودة, فانه لا تاجر ولا علاقة له بالمهنة, والأفضل له ان يعمل حلاقا أو خياطا. الحلاق طبعا موسمه الأعز والاغر الأيام التي تسبق العيد, حيث يسعى اليه الناس بمختلف أعمارهم ليسلموه رؤوسهم كي يهذبها ويشذبها ويرتبها استعدادا للعيد, لذلك فهذا من كثرة الزبائن عليه يسهر الليالي الطويلة على قدميه, فهو من قال فيه الشاعر من طلب العلا سهر الليالي, فهل من علا اكثر من الرؤوس نفسها؟ مثل الحلاق في هنائه وسعده الخياط, وهذا لا يحتاج الى من يتعرف على رواج مهنته, فآثاره واضحة على كل ذي كندورة بيضاء في العيد, فنتركه مثلا الى محطات غسيل السيارات, من التي يزدحم عليها الناس طوابير ليلة العيد لغسل سياراتهم, فهذه لابد ان تستقبل العيد وهي لامعة وفرحة كصاحبها, وغير ذلك كثير ممن يسعدهم العيد بترويج ما يبيعون ويخدمون, فاذا اقبل هذا, حل دور غيرهم في هذا الرواج, من فنادق ومطاعم ومراكز تجارية وتسلية وحدائق, يشكل لها جميعا كما للسابقين ممن ذكرنا وغيرهم مصدر سعادة لا توصف, فصار العيد الوحيد السعيد من بين الاعياد كلها.