الاهتمام الغربي بالمرأة في المشرق - د. فاطمة الصايغ

جذب وضع المرأة في المشرق انتباه المستشرقين والرحالة والمنصرين منذ أن تبلور اهتمامهم بالمشرق من مصدر للسلع الثمينة والمواد الأولية إلى الاستعمار العسكري والسياسي. وفي العصور الحديثة اهتم المستشرقون والرحالة الغربيون بوضع المرأة في المشرق وكتبوا الكثير عن وضعها الاجتماعي والاقتصادي والأسري, ونشرت هذه الدراسات في الغرب. وبينما تجنت بعض الدراسات على المرأة الشرقية ووصفتها بأنها تعيش في وضع أسوأ من إلا انها تعامل باحترام كبير خصوصاً عندما تكبر في السن. لم يكن اهتمام الغربيين بالمرأة في المشرق اهتماما موجه لها بوصفها كائن منفرد أو بوصفها شريحة مهمة من شرائح المجتمع أو بدافع الفضول لمعرفة ما وراء الخدر ولكن الدافع إلى دراسة أوضاع المرأة أقوى من ذلك بكثير. ففي خضم اعدادها لغزو المشرق اقتصاديا وسياسيا, أرسلت الدول الغربية حشداً من الباحثين والباحثات الذي كان هدفهم الأول دراسة أحوال المجتمعات الشرقية ومعرفة وضع المرأة فيها. وكان هدف الدول الغربية هو التغلغل في هذه المجتمعات ومعرفة نقاط ضعفها وقوتها معتمدين على المعرفة التي جمعها باحثوها ومستشرقوها. كان نتاج هذه التواصل والاهتمام الغربي ظهور العديد من الكتابات عن المرأة الشرقية والتي امتلأت بالكثير من سوء الفهم للعادات الشرقية والتجني على المرأة الشرقية, والمزاعم والافتراءات والكثير من عدم الفهم للقيم الاجتماعية. وترجع خطورة هذه الدراسات إلى انها لم تزل تعتبر في الغرب مرجعاً مهماً للغربيين الراغبين في دراسة أوضاع المشرق. ولا تزال هذه الدراسات تعتبر مادة أدبية وسياسية يعتمد عليها صناع القرار في الغرب لمعرفة أحوال المرأة الشرقية وذلك حين الحاجة إلى رسم سياسة استعمارية هدفها استعباد المشرق. وعلى الرغم من خطورة هذه الدراسات إلا أن دراستها من ناحية علمية تعطينا أيضاً صورة عن تطور المجتمعات الشرقية وكيف كانت نظرة الغرب لها. فما زالت المرأة الشرقية في نظر الغرب هي المرأة المسلوبة الإرادة, المحرومة من أبسط حقوقها والتي تحتاج إلى وصاية الرجل عليها حتى في أبسط حقوقها. ومن مراجعة هذه الدراسات نجد أنها, وطوال القرنين الماضيين, انصبت على دراسة أوضاع المرأة في المجتمعات الشرقية وخاصة الهند والصين والمجتمعات العربية لما لهذه المناطق الثلاثة من أهمية اقتصادية واستراتيجية بالنسبة للغرب. وعلى الرغم من امتلاء هذه الدراسات بالافتراءات والمزاعم الباطلة إلا أنها تظل مرجعاً مهماً للغربيين اليوم, بل وحتى العديد من الباحثين الشرقيين وذلك لأن المصادر الشرقية بصفة عامة والعربية بصفة خاصة نادراً ما تتطرق إلى ذكر أحوال المرأة أو وضعها الاجتماعي. والذي يضطر الباحث في أوضاع المرأة الشرقية إلى الاعتماد على هذه المراجع وتكرار الخطأ نفسه. ولقد جند الغربيون جيشاً من الباحثين والباحثات ودعموهم بالدعم المادي والأدبي بل والسياسي أيضاً للكتابة عن أوضاع المرأة في المشرق وذلك لخدمة أغراضهم الاستعمارية. ومثال على كتاباتهم والتي امتلأت بالأخطاء وعدم الفهم لقيم المجتمع ما جاء في إحدى هذه الدراسات عن الهند وتقول (عندما يسافر الرجل الهندي ويغيب عن البيت لمدة طويلة لا يكتب أي رسالة باسم زوجته ولكن باسم أكبر أولاده أو أحد الأقارب ان لم يكن له ولد. ولا يسأل الشرقي عن صحة زوجته أو عن اسمها حيث يعتبر ذلك عيباً في تقاليد المشرق, أما إذا كان لابد من ذكر اسمها فيجب على الإنسان أن يعبر عن ذلك بطرق مختلفة) . وكثير من الرجال في المشرق عندما يشيرون إلى زوجاتهم يشيرون لهن باسم الابن الأكبر أو يقول (الأهل) ويقصد عائلته المقربة, وكذلك تفعل الزوجة الشرقية. فمن غير اللائق ان تشير الزوجة إلى زوجها باسمه خالٍ من الألقاب. وعادة ما تشير له باسم ابنه الأكبر. أما إذا لم يكن له ولد بعد تشير له بـ (هو) . وتعامل المرأة معاملة حسنة ووقورة عندما تكبر خاصة إذا ما كانت أماً لأولاد ذكور, وتعتبر سيطرتها على أولادها غير خاضعة لأي قيود, بل ان في الصين تعتبر سيطرة الأم على أولادها الذكور غير محددة حتى وان بلغوا مبلغ الرجال. وأكثر شيء يخشاه الرجل هو (لعنة الأم) . وتختلف العادات والتقاليد وأيضاً القيود الاجتماعية على المرأة طبقاً لاختلاف طبقتها. فكلما كانت المرأة من طبقة اجتماعية عالية وثرية كلما كانت القيود عليها أشد وأقوى, وكلما كانت المرأة من طبقة اجتماعية فقيرة أو بسيطة كلما كانت فرصتها في التحلل من هذه القيود أكبر. وأكثر ما يشد انتباه الغربيين في المشرق هو موضوع الحجاب وعزلة المرأة عن الرجل. ففي معظم بلاد المشرق, ما عدا اليابان, تخضع المرأة لفكرة العزلة بين الجنسين. وقد اهتم بها الغربيون وحللوا هذه الظاهرة وأرجعوها إلى قيود اجتماعية وليست دينية فقط. فقد كانت هذه العادة سائدة عند نساء الصين. أما في الدولة العثمانية في تركيا فقد كان سائدة بين أفراد الطبقة العليا. ويعتقد الغربيون بأن عزلة المرأة تحرمها من الاستمتاع بالحياة الاجتماعية كما يستمتع بها الرجال على الرغم من ان التقاليد الاجتماعية في بلاد المشرق تسمح للانثى بالاستمتاع بحياتها حتى سن البلوغ عندما تنتقل من مرحلة إلى أخرى وهي مرحلة الحجاب والعزلة. وكما سبق ذكره فان المرأة من الطبقات الدنيا تستطيع التحلل من شدة القيود الاجتماعية المفروضة على مثيلاتها من نساء الطبقات العليا. وبينما تكون نساء الطبقات الدنيا مطالبات بالعمل لتوفير لقمة العيش سواء في المنزل أو في الحقل تقضي نساء الطبقات العليا جل أوقاتهن في المنزل في أعمال لا تستهلك منهن مجهودا ذهنيا أو بدنيا كبيرا. فغالبا ما تقضي نساء الطبقة العيا أوقاتهن في القراءة أو الرسم على الحرير أو أشغال التطريز والابرة وغيرها من الأشغال اليدوية. جامعة الامارات/قسم التاريخ *