أمريكا وحقوق الإنسان العربي:بقلم: د. سعيد الدين صالح

ت + ت - الحجم الطبيعي

أمريكا دولة محافظة على حقوق الإنسان, وتطالب دائما بهذه الحقوق لدرجة الهوس, حتى ان اللياقة وأصول البروتوكول تمنع الرئيس الأمريكي كلينتون من مطالبة زعيم الصين أثناء زيارته الأخيرة لأمريكا بضرورة المحافظة على حقوق الإنسان كشرط للتعاون بين أمريكا والصين, وهذا شيء جميل, وكثيراً ما وجدنا أمريكا تحث روسيا على المحافظة على حقوق الإنسان وهذا أيضا شيء محمود. فنجدها أحياناً تخلط الأوراق حين تطالب بعض الدول العربية بين حين وآخر بالمحافظة على حقوق الإنسان بحجة أنها تطبق القانون الجنائي الإسلامي على مرتكبي الجرائم والخارجين على حدود الله, والمغالطة هنا واضحة حين تطالب بحقوق الإنسان وهي في الوقت ذاته تنتهك حقوق وحرمات الانسان المسلم, ذلك ان وثيقة حقوق الإنسان قد نصت على حق كل إنسان في اختيار عقيدته, وبالتالي فالمسلم حين يطبق تعاليم دينه بما فيها من نظم تشريعية وجنائية لايكون قد خرج على حقوق الانسان, بل انه يكون قد استخدم الحق الطبيعي الذي كلفه اعلان حقوق الانسان والذي نص على: (ان لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين) والشيء الأغرب من ذلك ان تستخدم أمريكا حقوق الإنسان كسيف مسلط على رقاب الدول الخارجة عن طاعتها الرافضة للخضوع لسياستها. كما نقول عن السودان انها دولة لاتحافظ على حقوق الانسان بحجة ان السودان ترفض تشطير نفسها الى دولتين شمالية وجنوبية من أجل سواد عيون (جون جارنج) والمسيحيين في الجنوب وكما تقول عن ليبيا وإيران المقولة نفسها. ولكنها في الوقت نفسه تغض الطرف عن حقوق الإنسان الفلسطيني المنتهكة على يد الربيبة المدللة اسرائيل والتي داست على وثيقة الأمم المتحدة بقدمها علنا فلم تحافظ على بند واحد من بنودها وهي تتعامل مع الفلسطينيين الذين فقدوا حق الحياة, وحق الحرية, وحق سلامتهم الشخصية والحق في عدم تعريضهم للتعذيب أو العقوبات أو المعاملات القاسية أو الوحشية, أليست هذه هي نصوص إعلان هيئة الأمم في العاشر من ديسمبر 1948 فيما سمي بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان. فإذا كانت أمريكا دولة بهذه الشفافية وهذا الإحساس المرهف فلماذا لم نسمع منها ولو مرة واحدة إدانة لإسرائيل لانتهاكها حقوق الإنسان الفلسطيني, بل على العكس وجدناها تقف ضد أي قرار تتخذه الأمم المتحدة بإدانة إسرائيل. ولكن المفارقة العجيبة أن تقوم أمريكا نفسها بانتهاك حقوق الإنسان العراقي, فتفرض عليه حصارا قاتلاً, ولكنها تضلل العوام حين تقول ان الحصار موجه ضد الحكومة العراقية وهي أول من يعلم أن النظام العراقي الحاكم لم يصبه من هذا الحصار أي ضرر, فلم يعاني حاكم العراق وحكومته من نقص في الأدوية ولا من نقص في المواد الغذائية, ولا من ارتفاع في أسعار المواد الأساسية ولا أي شيء مما يعاني منه الإنسان العراقي وبالتالي فالحصار الذي تصر عليه أمريكا هو انتهاك لحقوق الإنسان العراقي الذي تموت أطفاله بالآلاف من قلة الدواء والغذاء, ويعاني شعبه المسكين من شظف العيش وعدم الحصول على الحد الأدنى من هذه الحقوق, فلا مأكل ولا مشرب ولا دواء ولا غطاء. ومع كل ذلك فأمريكا ما زالت تتحدث عن حقوق الإنسان. استاذ العقيدة والفكر المعاصر جامعة الأمارات *

Email