دراسات المرأة بين الواقع والمأمول: بقلم د. فاطمة الصايغ

ت + ت - الحجم الطبيعي

ما زالت الدراسات النسائية الجادة في العالم الثالث تعاني من قصور يرجعه البعض الى ان مجتمعاتنا لا تزال مشغولة بقضايا اخرى كأمور السياسة والتنمية الاقتصادية وهي المجالات التي برع فيها الرجال, بينما لقيت القضايا الانثوية اهتماما اقل وبينما تجاوز الغرب هذا القصور وظهرت العديد من الدراسات المهتمة بشؤون المرأة باعتبارها القاسم المشترك في قضايا المجتمع ككل والاهتمام بقضاياها انما يعكس اهتمام المجتمع بنصفه الآخر, ظلت الدراسات المهتمة بشؤون المرأة في مجتمعاتنا تعاني من قصور, بل ومن عدم تطورها لمواكبة تطور المرأة في المجتمع, فمثال على ذلك ما زالت دراسات المرأة في مجتمعنا مهتمة بمناقشة امية المرأة ومناقشة اهلية المرأة للعمل خارج المنزل ومدى ملاءمة ذلك لقيم المجتمع على الرغم من ان المرأة في مجتمعنا قد تجاوزت ذلك وتقلدت مناصب عليا واصبحت مشاكلها وقضاياها انعكاسا للمستوى العلمي والعملي الذي وصلت له. لذلك فالدعوة للاهتمام بقضايا المرأة والاهتمام بدراستها وطرحها على بساط البحث وايجاد الحلول لها انما هي دعوة للاهتمام بقضايا مجتمعية تهم جميع افراد المجتمع, وقد انقسم العالم على نفسه تجاه قضايا المرأة, فقسم يدعو الى عدم فصل قضايا المرأة عن قضايا الرجل باعتبارها قضايا مجتمعية تهم الجميع, وقسم آخر يدعو الى مناقشة قضايا المرأة منفردة باعتبارها قضايا ذات خصوصية معينة. فأسلوب الحياة ونوعية المساهمة في المجتمع مختلفان كل الاختلاف عن بعضهما الآخر, وبالتالي اكتسبت قضايا المرأة خصوصية تستحق التمييز, واذا تجاوزنا هذا الخلاف ونظرنا الى قضايا المرأة بشكل مستقل فنجد ان هناك العديد من القضايا الانثوية المهملة سواء في مجتمعاتنا الشرقية او في المجتمعات الغربية التي تستحق دراستها بشكل منفرد بل ويخصص لها دراسات جادة, فعلى الرغم من اسبقية المرأة الغربية في الحصول على الكثير من المكاسب الا ان ما فقدته ايضا كثيرا, فعلى الرغم من خروج المرأة الغربية للعمل الا انها لا تزال تعامل معاملة دونية سواء في الاجر او في اسبقية الترقي الى المناصب القيادية مقارنة بالرجل وهو الشيء ذاته الذي تعاني منه المرأة الشرقية, بل ان الامر يزداد سواء بالنسبة للمرأة في الغرب حيث تعامل المرأة بدونية ظاهرة للعيان مقارنة بالرجل, بينما تتمتع المرأة الشرقية خاصة في المجتمعات الاسلامية, باحترام كبير خاصة في المجالات القضائية والقانونية والاسرية, وهذا ما دعا بعض الغربيات الى المطالبة ببعض الحقوق الضائعة في خضم معركة المساواة والمطالبة بالحقوق الكلية. ان قضايا المرأة المعاصرة سواء في الشرق او في الغرب تتشابه في الكثير من المواضع, ففي كلتا الحالتين هناك الكثير من القضايا المهملة, ففي خضم انشغالها بحسم المشاكل السياسية والاقتصادية والدينية والازمات الاقتصادية الطاحنة التي مرت بها فان المجتمعات العالمية قد اهملت قضايا المرأة التي اخذت اهتماما ثانويا واعطت للقضايا الاخرى اهتماما متزايدا الامر الذي اعطي الرجل زمام المبادرة لحل المشاكل الرئيسية, وبالتالي اظهر تفوقا فيما يخص القضايا الرجالية اكثر من القضايا الانثوية, وتراجعت قضايا المرأة الى المرتبة الثانية, بل اصبح البت في قضايا المرأة في الكثير من الاحيان في يد الرجل وبالتالي اصبحت الحلول لبعض مشاكل المرأة حلولا من وجهة نظر ذكورية دون اخذ رأي الطرف المعني بالامر, لهذا ظهرت الدعوة الى افراد دراسات نسائية تأخذ في الاعتبار قضايا المرأة بوصفها قضايا ذات خصوصية معينة, وتطور الامر في الغرب الى افراد الكثير من الجامعات الغربية اقسام خاصة بدراسات المرأة مهمتها تخريج دفعات من الاكاديميين المتخصصين في شؤون المرأة للاستفادة منهم في عملية التنمية المجتمعية. اما في الشرق فقضية الاهتمام بدراسات المرأة قضية حديثة نوعا ما حيث ظلت القضايا الاخرى كالتنمية والسياسة تشغل امور صانع القرار بينما ظلت قضايا المرأة تشغل حيزا ثانويا باعتبار ان المرأة كائن ذي مشاركة اقتصادية وسياسية محدودة, ودورها لا يتعدى اطار المنزل حيث يقتصر على العملية الانجابية والتنشئة اليومية, اما عملية مشاركة المرأة الاقتصادية فقد كانت محدودة ولا تستحق افراد دراسات خاصة بها, لذلك ظلت قضايا المرأة مهملة والدراسات المتوفرة عنها دراسات هامشية, بل وان المصادر العربية القديمة اهملت الاشارة مما قل شأنها الى وضع المرأة او نمط حياتها او اسلوب معيشتها او شاركتهما الاقتصادية والاجتماعية, فيما عدا التاريخ الشفاهي القريب والذي نقل لنا بصورة سطحية نمط الحياة داخل الاسرة وداخل اطار الاسرة الممتدة والحي, لا نملك الا القليل من المعلومات الموثقة عن الحياة الاجتماعية للمرأة في الخليج, وكان نتاج هذه العملية ظهور اعتقاد ان دور المرأة كان هامشيا ومشاركتها محدودة ووضعها مترد وحقوقها مسلوبة وان كل ذلك بالتالي لا يستحق الدراسة, ولكن التطورات التاريخية والاجتماعية الحديثة قبلت هذا الاعتقاد رأسا على عقب, فمشاركة المرأة في وقتنا الحالي ودورها الهام وخروجها للعمل حال حصولها على الفرصة المناسبة لا يمكن ان يأتي من فراغ دون وجود خلفية تاريخية صلبة تقف عليها المرأة الخليجية, وجاء اعتراف الرجل بحقها في المطالبة بحقوقها بل وتشجيعها على المطالبة بحقوقها السياسية تكليلا لجهودها واعترافا بدورها المجتمعي المتميز, ومن اهنا واعتمادا على الاسس التاريخية المتواترة لنا نصل الى اعتقاد راسخ بأهمية الدور الذي لعبته المرأة الخليجية في المجتمع قديما وحديثا, لذلك فالدعوة الى الاهتمام بدراسات المرأة هي دعوة للاهتمام بقضية اساسية من قضايا المجتمع لما لها من انعكاسات مهمة على جميع جوانب التنمية الاجتماعية. وفي الامارات جاءت دعوة صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة, بالدعوة الى اشراك المرأة في الترشيح للمجلس الوطني دعوة صادقة وصريحة الى ان تأخذ المرأة دورها الحقيقي في المجتمع وان تلعب دورا متناميا في اعداد الجيل الجديد للقرن الحادي والعشرين, انها دعوة القائد للاهتمام بنصف المجتمع الآخر. جامعة الامارات العربية المتحدة قسم التاريخ *

Email