تحويل التكنولوجيا إلى مصدر عيش للاجئين

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

«بدل أن تعطي الفقير سمكة، قدّم له سنّارة صيد»، مقولة صينية قديمة تنطبق اليوم على ملايين اللاجئين في المنطقة العربية، الذين لا يحتاجون إلى المساعدات فحسب، بل يحتاجون إلى عملٍ يؤمّن لهم لقمة العيش. الشركة الناشئة تيك فور فوود، تُطبّق تلك المقولة لتأمين غد أفضل للشباب اللاجئين.

ياسر اضطّر أن يتحمّل المسؤوليات باكراً، هو الذي أجبر على الهرب مع عائلته من سوريا لينتقل من لبنان إلى مصر، ويستقر في العراق، وهو الذي اضطر إلى القبول بكل الأعمال المتوفرة من أجل مساعدة عائلته. إلا أن حياته تغيّرت عندما التحق ببرامج «تيك فور فوود» (أو «التكنولوجيا مقابل الطعام»). وسرعان ما أظهر ياسر ذكاءه واندفاعه، وساعده تصميمه وجهده في الحصول على عدد من الوظائف المستقلة على الإنترنت، قبل أن توظّفه إحدى الشركات الإعلانية المحلية، ليتقاضى ضعف أجره ويحقق حلمه.

بكل فخر، تخبرنا ساندرا إرتيل، المؤسسة والرئيسة التنفيذية لـ «تيك فور فوود»، قصة ياسر، لكنها لا تكتفي بها، وتخبرنا أن «أمل مثال أيضاً عن شباب كانوا يحتاجون فرصة ليكشفوا مواهبهم. فهي شخص مجتهد جداً، يعمل الآن في شركة تكنولوجيا كبيرة للتدريب على خوارزميات الذكاء الصناعي في السليمانية. أما أنس، في لبنان، فتابع البرنامج وصمم تطبيقاً خاصاً به».

هذه بعض من قصص شباب وشابات ساعدهم برنامج «تيك فور فوود»، التي تعرّف عنه ساندرا قائلة: «مهمتنا تتمثل في وصول اللاجئين إلى الوظائف عبر الإنترنت. نساعدهم على النفاذ إلى ما نعتبره مستقبل العمل، بفضل تقديم تدريبات على المهارات الرقمية».

وتخبرنا ساندرا، التي أطلقت مع شريكتها اللبنانية ساندرا رعد، المشروع، أن الفكرة ولِدت بسبب «الحاجة الملحة التي يعيشها أكثر من خمسة ملايين مهجّر ولاجئ في الشرق الأوسط، العالقين في المخيمات من دون أي فرص أو نفاذ إلى التعليم أو الرعاية الصحية أو سوق العمل، وهم فقدوا الأمل بالمستقبل». وتتابع «عندما رأينا ما يحدث في عالم التكنولوجيا والبيانات الضخمة والذكاء الصناعي، لاحظنا وجود العديد من الفرص على النت، وبحثنا عن وسيلة لمنح هؤلاء الشباب فرص عمل خارج مجتمعاتهم المحلية».

وهكذا ولد مشروع «تك فور فوود»، التابع لبرنامج الأغذية العالمي، ليُعالج مشكلة انعدام الأمن الغذائي بطريقة مبتكرة، على حد قول ساندرا. وتضيف «نحن نبحث عن طرق أكثر استدامةً لخلق سبل العيش، بغية مساعدة الناس في العثور على وظائف، ليتمكنوا من شراء طعامهم، لئلا يعتمدوا على المساعدات الدولية فقط».

وبالفعل، انطلق المشروع عام 2016 من لبنان، مع برنامج تجريبي، بالتعاون مع الجامعة الأميركية في بيروت، وتدريبات على المهارات الرقمية لمدة ثمانية أسابيع، مشروع تجريبي ساهم في التوصل إلى آلية عمل حالية تطال طلاب ما بين 18 و30 سنة، لم ينهوا تعليمهم الثانوي. وهنا، تضيف ساندرا «من الجميل أن نرى الشابات يشاركن في التدريبات، لا سيما أن البرنامج صُمم بشكل جيد لنساء من خلفيات أكثر تقليدية للمشاركة، وإيجاد سبل العيش».

ولكن، كيف يُطبق البرنامج على أرض الواقع؟، تطلعنا ساندرا أن الشركة الناشئة افتتحت 5 مراكز تغطّي كل المناطق اللبنانية، كما أنهم أطلقوا برنامجاً تجريبياً في السليمانية في العراق. يتضمن البرنامج تدريبات مختلفة، من التدريب الرقمي الأساسي، إلى تدريبات أكثر تقدماً، حيث يتعلم الطلاب تصميم التطبيقات، والعمل الحر على الإنترنت... وهنا، تشير ساندرا «نقدم خيارات مختلفة بحسب حاجات الطلاب في مختلف المراكز والدول».

ففي النهاية، تريد «تك فور فوود»، مساعدة الطلاب على إيجاد عمل أفضل، وقد نجحت، إذ تخبرنا ساندرا «تفاجأنا أن عدداً من المتخرجين يتقاضون الآن 5 إلى 10 دولار بالساعة، بفضل العمل المستقل على الإنترنت، وهو دخل مقبول، نظراً إلى أنهم لا يحملون شهادة ثانوية، وتابعوا تدريباً تتراوح مدته بين 3 إلى 6 أشهر».

منذ انطلاقها، تقول ساندرا «درّبت "تك فور فوود"، أكثر من ألف طالب، 60 % منهم من النساء، وقد أثرنا في حياة نحو 3000 شخص (من عائلاتهم). وقد عمل هؤلاء أكثر من 20 ألف ساعة مع شركات تكنولوجيا عالمية».

وعن اختيار الطلاب، تطلعنا ساندرا أنهم يعملون مع مجتمعات مختلفة، مثل اللاجئين، والمجتمعات المضيفة المهمشة والمهجرين داخلياً، كما الحال في العراق. كل التدريبات مجانية، حتى إنهم يقدمون لهم بدل النقل في معظم الأحيان، لأن الأهم، بحسب ساندرا، هو الحرص على توفير كل ما يحتاجونه للمشاركة في التدريبات.

وترى ساندرا أن «تك فور فوود» قد أثبتت، بفترة وجيزة، فعاليتها وجدوى تدريباتها، وتطمح إلى توسيع نطاق أعمالها إلى دول أخرى، مثل تركيا والأردن وسوريا، أو حتى خارج الشرق الأوسط، إضافة إلى التعاون مع وكالات دولية ومنظمات غير حكومية وغيرها، لاستخدام المحتوى والتدريبات لتطال أكبر عدد من الأفراد.

ولا يقف أمام «تك فور فوود» أي عائق، لأن الشباب هم الدافع المستمر. فتخبرنا ساندرا «أنا مذهولة بهؤلاء الأفراد الذين كانوا يعتبرون عبئاً على مجتمعاتهم، وقد تحولوا إلى محرك لآخر التطورات في عالم التكنولوجيا، ولكن الأهم، هو أنهم بفضل مساهمة صغيرة منّا، تخطوا أنفسهم ليفيدوا مجتمعاتهم».

Ⅶباحثة اجتماعية

Email