صنع أطباء رقميين لمنطقة الشرق الأوسط

ت + ت - الحجم الطبيعي

إمكانات تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مجال الرعاية الصحية في المنطقة لا نهائية.

من المُتوقّع أن تكون الرعاية الصحية من أكثر المجالات تأثراً بثورة الذكاء الاصطناعي. ذلك مع استخدام التعلم الآلي لمواجهة التحديات الجديدة أمام صحة البشر.

على غرار العديد من التقنيات الحديثة التي أصبحت من المسلّمات في عالمنا اليوم، بدأ ظهور الذكاء الاصطناعي في قصص الخيال العلمي والأفلام السينمائية. وبفضل التقدم المُحرز في مجال مكونات الحاسوب وفي طريقتنا لبناء الأجهزة، أصبح الكثير من الخيال العلمي المستقبلي واقعاً ملموساً في الوقت الحاضر.

فالآن بإمكان أجهزة الحاسوب والبرمجيات تشغيل روبوتات الذكاء الاصطناعي التي تستخدم خاصية التعرف على الكلام ولوغاريتمات التعلم والتحليل المتقدمة التي تتيح لها «فهم» المُدخلات البشرية وأداء مهمّات تحليلية معقّدة والتفاعل بشكل ذي قيمة معنا، وذلك من أجل توسيع نطاق الإمكانيات البشرية في مجموعة هائلة من المجالات.

لكنّ تفاعل أجهزة الحاسوب وتحدثها معنا ليس سوى البداية، حيث تبدأ أجهزة الحاسوب التي تعمل بتقنية الذكاء الاصطناعي في إبداء نوع من السلوك «العصبي» الذي يسمح لها بالتعلم واستخدام المنطق واتّخاذ القرارات بالنيابة عنا.

ولكنّ السؤال الذي يجب أن نطرحه على أنفسنا هو: ما مقدار السيطرة الذي ينبغي لنا السماح بها لهذه العقول الاصطناعية؟ فحيث إننا نسمح لأجهزة الحاسوب باتّخاذ قرارات حاسمة في حياتنا بالنيابة عنا، كيف سيتبنّى القطاع الصحي في منطقة الشرق الأوسط اليوم الذكاء الاصطناعي ويعمل على تحسين أسلوب حياتنا؟

في بعض مناطق العالم العربي حيث تكون الرعاية الصحية محدودة أو سيئة، هل نستطيع بناء أطباء عرب يعملون بالذكاء الاصطناعي وربطهم بالمرضى من خلال شبكة الإنترنت وحدها لا غير؟

وفي هذا السياق يُعلق أيرا إس. باستور، المدير التنفيذي في شركة «بيوكوارك إنك Bioquark Inc» قائلًا: «بمنأى عن مجرد تقديم الخدمات الطبية التقليدية مثل التشخيص والعلاج، فإن قوة الذكاء الاصطناعي ستساعدنا على التعمق والتغلغل في الطبقات الهرمية المتعددة للحالة البشرية أكثر من أي وقت مضى».

نحن نستخدم الذكاء الاصطناعي بالفعل في العديد من التطبيقات المختلفة في مجال الصحة والرفاه الإنساني؛ حيث يستطيع فاقدو البصر الآن «الرؤية» باستخدام الكاميرات التي تمسح الصور ثم تتحدث عن نتائج عملية مسح الصور. فيمكن لهذه الكاميرات التعرّف على الأشكال والأجسام الأساسية الموجودة حولنا بناءً على مخزون الصور المعزّز بمنطق الذكاء الاصطناعي.

لا يقوم الحاسوب بتصنيف الصور على أساس الشكل وحسب، وإنما يضعها أيضاً ضمن سياق منطقي ويُكوِّن صورة متكاملة عن شكل العالم المحيط بها.

ويمكن تطبيق هذه الطريقة لوضع المعلومات ضمن سياقها على الذكاء الاصطناعي في مجال الرعاية الصحية في الشرق الأوسط. فإذا وصف المريض جميع الأعراض التي يعاني منها وقدّم كل بياناته الأساسية (العمر، الجنس، الوزن، الأصل العرقي، بيانات الدم، وغيرها)، يستطيع الطبيب الذي يعمل بالذكاء الاصطناعي إجراء العمليات الحاسوبية للوصول إلى التشخيص المناسب وطريقة العلاج.

بالنظر إلى العجز في الأطباء والممرضين في منطقة الشرق الأوسط، يمكن أن تسهم خدمات الرعاية الصحية بمساعدة الحاسوب في التصدي لهذه المشكلة المتفاقمة بسبب ارتفاع النمو السكاني في الدول العربية.

وقد أفاد تقرير حديث صادر عن دائرة الصحة بإحدى دول الخليج العربي أنها بحاجةٍ إلى 4,800 طبيب جديد و13,000 ممرضة جديدة بحلول عام 2022. وقدّر تقريرٌ لمنظمة الصحة العالمية في عام 2015 أنه يتوفر 15 ممرضة وقابلة فقط لكل 10,000 مواطن مصري، وهو رقم لا يصل سوى إلى نصف الرقم المرجعي العالمي الذي يبلغ حوالي 30 ممرضة.

وفي تحليلٍ أوسع نطاقًا لمنظمة الصحة العالمية، اتضح أن الخدمات الصحية تُقدّم بشكل أفضل في الأردن وعُمان، وأن أداء هذه الخدمات في السعودية - ومما يثير الدهشة في ليبيا - أفضل من بقية الدول. ولكن لا يمكن مقارنة الخدمات الصحية في معظم دول الشرق الأوسط بمستوى الخدمات الراقية المُقدّمة في دول قارة أوروبا.

بكل بساطة، نحن بحاجةٍ إلى المزيد من الأطباء والمزيد من الخدمات الصحية وزيادة الوصول إلى المعلومات الطبية. وكلّما بدأنا مبكرًا في استخدام الرعاية الصحية التي تعمل بتقنية الذكاء الاصطناعي هنا في منطقة الشرق الأوسط، سنستطيع تدريب عقول هذه الروبوتات ببيانات تحافظ على خصوصية أصحابها، والمساعدة في إنشاء بنك معرفة عالمي .

- وفي نهاية الأمر بنك معرفة عربي - سيكون أكثر قوةً وإلماماً من معارف طبيب أمضى سبع سنوات في دراسة الطب.

إن إمكانات تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مجال الرعاية الصحية في الشرق الأوسط لانهائية، ووفقاً لأيرا إس. باستور فإنها تتسع لتتراوح: «من علم الجينوم وعلم البروتينات، التي تكوّن قاعدة المواد المعلوماتية البيولوجية الأساسية المشكّلة للحياة، وحتى المسائل البيولوجية المعقدة، مثل تجديد خلايا الجسم وعلاجات الأمراض والشيخوخة.

لقد أصبح سوق خدمات الرعاية الصحية الإلكترونية العربي القائم على الذكاء الاصطناعي وشيكاً، ويمكننا بالفعل تحديد بعض المسائل الشائكة التي يمكن معالجتها والتصدي لها من منظوري الاحتياجات البشرية وسلسلة الإمدادات الصناعية.

سيكون بإمكان الأطباء الرقميين تخفيف الآلام والأوجاع حال استخدامهم في مجال الرعاية الصحية.

* باحث اجتماعي

 

 

Email