ثمانمائة مليار دولار أموال عربية في الأسواق العالمية، اتفاقية الاستثمار متعدد الأطراف خطر جديد قادم من الشمال

ت + ت - الحجم الطبيعي

تحاول الدول المتقدمة التوصل لتوقيع اتفاقية دولية للاستثمار متعدد الأطراف, الاتفاقية تؤسس قواعد دولية خاصة بالاعفاءات الضريبية والحوافز بمختلف أنواعها, وتهدف لتوفير حرية أكبر لحركة رؤوس الأموال وتحويل الأرباح. الاتفاقية الجديدة بدأت بتجمع ضم19دولة متقدمة اتفقوا على وضع قواعد متفق عليها وتلتزم بها جميع دول العالم , فهل يعني هذا ان هناك المزيد من الضغوط ستمارس ضد الدول النامية بصفة عامة والدول العربية خاصة؟ إذا كانت الاجابة بنعم.. فهل هناك وسائل يمكن أن تواجه بها الدول الفقيرة هذا التحدي الجديد القادم من الشمال؟ خاصة ان الاستثمارات العربية في الأسواق العالمية تبلغ 800 مليار دولار. يقول د. ابراهيم فوزي رئيس الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة: ان هذه الاتفاقية تمثل خطرا على الدول النامية, ومكمن الخطر في هذه الاتفاقية هو امكانية تطبيقها على أي مجال حيث توجد صناعات وطنية في كل دولة هي في الأساس جزء من ثقافتها وخصوصيتها, وبالتالي فلن تسمح لمستثمر أجنبي أن يمارس نشاطا من شأنه افساد تلك الخصوصية مع ضرورة الحفاظ على سيادة الدولة تجاه من يستثمر على أراضيها. ويضيف : من بين الشروط الواردة في مشروع الاتفاقية الزام الدول بمنح حوافز ضريبية موحدة, وهذا اجراء من شأنه أن يلحق الضرر بالدول النامية, التي لم تستكمل بنيتها الأساسية والتشريعية والتي تستقدم الخبرات حتى تكون مؤهلة بجذب الاستثمارات العالمية, موضحا أهمية الدراسة المتأنية والفهم الواعي لقواعد هذه الاتفاقية والبنود الأساسية التي تدور حولها حتى نقلل الآثار السلبية لها. أيضا ان الأوان للدول العربية والنامية أن تمارس دورها المؤثر والفعال في المجريات الاقتصادية العالمية, وأن يكون لها كلمة في مثل هذه الاتفاقيات طالما انها ستسري على الجميع وقد قامت هيئة ضمان الاستثمار العربية, ومنظمة الأونكتاد بعقد مؤتمر بالقاهرة لبحث اتخاذ مواقف موحدة تجاه مثل هذه القضايا المجحفة بالدول النامية التي من بينها الزام جميع دول العالم بوضع قواعد موحدة في مجال الاستثمار, وهو ما يعني ان تلتزم جميع دول العالم سواء المتقدم أو النامية بمنح الاعفاءات والمزايا والحوافز بنفس الدرجة, وهذا يضر بالدول النامية أبلغ الضرر, فمن غير المعقول أن يترك المستثمر دولة مثل بريطانيا أو ألمانيا بما تملكانه من امكانيات خاصة في البيئة الأساسية والمرافق ويتجه إلى دولة نامية تعاني من نقص الخدمات والمرافق دون أن تمنح هذه الدولة مزايا واعفاءات كبيرة لجذب هذا المستثمر تفوق التي تمنحها الدول المتقدمة. وأشار د. فوزي إلى ان مصر قادرة على مواجهة التحديات العالمية التي تفرضها اتفاقية الاستثمار الدولية بشرط ان تراعي أوضاع وظروف الدول النامية, خاصة وان العالم يشهد الآن تسابقا محموما نحو جذب الاستثمارات الأجنبية وتقديم الحوافز والتيسيرات والتي تصل إلى حد الدعم والمساعدات المباشرة بجذب الشركات الدولية. المتابعة ومؤخرا, صدرت دراسة حديثة عن المؤسسة العربية لضمان الاستثمار حملت عنوان (الاستثمار الأجنبي المباشر وتدابير التجارة المتعلقة بالاستثمار) , الدراسة حذرت من مغبة عدم تواجد الدول الفقيرة في أية اتفاقيات ونصحت حكومات الدول النامية, بضرورة المساهمة بشكل فعال في صياغة بنود أية اتفاقية يتم التوصل إليها, على أن تراعي بنودها سياسة الدول النامية التي تستند إلى نظرة شمولية بعيدة المدى, تراعي التداعيات المختلفة بحيث تكون السياسة التجارية متماشية مع سياستها التنموية الشاملة لتصحبح خلل قوى السوق دون أن تترتب على ذلك تكاليف حمائية عالية. وحول أهمية تواجد الدول العربية في صياغة القرارات أو الاتفاقيات الدولية يقول د. برهان الدجاني الأمين العام لاتحاد الغرف التجارية العربية: ان غياب الدول العربية يعني تعرضها لخسائر بالغة الخطورة تتمثل في المفاجأة بنصوص قد تكون محددة لعملية جذب الاستثمار في الدول العربية, أو ان تضطر لقبول الأمر الواقع, وتتخلى عن الاستفادة من استثمارات ضخمة كان يمكن أن تحصل عليها في حالة الاصرار على المساهمة في وضع هذه الاتفاقية بالشكل الذي يراعي امكانياتنا الاقتصادية وظروفنا البيئية والقوانين والتشريعات والحوافز التي تحكم عملية الاستثمار الأجنبي في الدول العربية. وأضاف : ان وجود اتفاقيات دولية بجذب وضخ الاستثمارات الأجنبية مهم وفي صالح الدول العربية بضمان أن تكون متوازنة وعادلة. د. الدجاني يقول ان الدول العربية اشتركت في عدة اتفاقيات اقليمية وعربية لتشجيع وجذب الاستثمارات فيما بينها, وهو الأمر الذي يؤكد اهتمامها بالتوصل إلى تدابير دولية تنظم عملية الاستثمار الأجنبي المباشر. وأشار إلى ان مصر وتونس قد بذلتا جهدا كبيرا - مؤخرا - في تطوير القوانين والتشريعات الجاذبة للاستثمارات الأجنبية ومنح الحوافز والاعفاءات الضريبية لجميع المستثمرين من كل الأجناس. ويضيف : ان هناك دولا عربية أخرى كالمغرب وغيرها تحاول الآن تطوير تشريعات لجذب الاستثمار مؤكدا على ضرورة قيام جميع الدول العربية بلا استثناء بالاسراع في تطوير التشريعات وازالة جميع المعوقات التي تقف في طريق الاستثمار الأجنبي فالدول العربية الآن بحاجة ماسة إلى تدفق المزيد من الاستثمارات.. وهذه الاتفاقية الدولية لتنظيم الاستثمار إذا ما تمت صياغتها بشكل متوازن وعادل سوف تراعي مصالح الدول الغنية وفي نفس الوقت ستشجعها على الاستثمارات في البلاد النامية بشكل عام والبالد العربية بشكل خاص. التنازلات لا تكفي ويقول د. محسن الخضيري (الخبير الاقتصادي) ان العنصر الرئيسي في جذب التدفقات الاستثمارية هو توافر الاستقرار السياسي والاجتماعي, وامكانيات التفعيل الاستثماري لعوامل انتاج أي دولة يرغب المستثمر اقامة المشروعات بها, فالمستثمر لم يعد الآن يهتم كثيرا بالتنازلات التي تمنح له من جانب الدول المختلفة. ويشير إلى ان حجم التدفقات الاستثمارية من العالم على أوروبا ضخم رغم عدم وجود حوافز ضريبية لان هذه الدول لا تحتاج إلى منح هذه الاعفاءات, ونحن أيضا في مصر نمتلك امكانيات هائلة في مجال الاستثمار ولكنها غير مستغلة, مثل عوامل الانتاج والأرض والموارد الطبيعية والعوامل البشرية, نمتلك أيضا مجموعة من الخبرات والكوادر البشرية المؤهلة للعمل.. وهناك جهاز مصرفي متماسك يملك القدرة على التمويل, بالاضافة إلى هذه المقومات تمتلك مصر عشرات الآلاف من أفضل المديرين الموهوبين ذوي القدرة على إدارة المشروعات في ظروف بالغة التعقيد. ويضيف د. محسن: نحن في مصر ما زلنا في حاجة إلى انشاء ما يزيد على 500 بنك استثماري متخصص في مجالات الاقتصاد والتي يمكن أن تزيد حجم صادراتنا إلى مليارات الدولارات سنويا في فترة لا تتجاوز سبع سنوات, حيث يمكن انشاء بنوك متخصصة في الاستثمار والمتاجرة والتنمية العمرانية والعقارية مع تفعيل دور البنوك التجارية بما يمكن هذه البنوك من ايجاد الفرص الاستثمارية والمشروعات التي من شأنها مضاعفة حجم الناتج المحلي الاجمالي بمعدلات متسارعة واعطاء ناتج أكبر للتصدير. تكتل عربي ويطالب د. صلاح الجندي أستاذ الاقتصاد بجامعة المنصورة الدول العربية بعدم الاكتفاء بدور المتفرج وأن يكون لها دور فاعل في الاتفاقات الدولية. ويؤكد على ان الدول العربية لديها امكانيات لا بأس بها على المستوى العربي حيث توجد الاتفاقيات الثنائية لانشاء المناطق الحرة للتجارة والاستثمار وهي آلية من شأنها تعظيم الدور العربي من خلال التكتلات الثنائية وضم دول جديدة إلى هذه الاتفاقيات لتشكيل تكتلات اقتصادية عربية تستطيع التعامل مع المتغيرات العالمية. موضحا ان رؤوس الأموال العربية المتميزة والتي يجب الاستفادة منها تقدر بنحو 80% مليار دلار تشكل نحو 140% من الناتج المحلي الاجمالي العرابي وفقا لاحدث احصائيات, حيث يقدر الناتج العربي الاجمالي بنحو 59 مليار دولار العام الماضي, وهي رؤوس ضخمة إذا تم استعادة 50% منها أو حتى 25% للعمل على أرض الدول العربية ستنعكس آثارها على نمو الانتاج العربي. ويضيف د. صلاح: الخلافات السياسية بين الدول العربية أحد أهم معوقات التبادل الاستثماري بالاضافة إلى عدم الاستفادة من امكانيات كل دولة على حدة, واقامة مشروعات تتمتع بمزايا نسبية وتنافسية, وتعتمد على أساليب متقدمة في انتاجها. ويستلزم هذا الاسراع بالدخول في تكتل عربي قوي, نستطيع من خلاله التعامل مع الكيانات الأخرى, إن الاتفاقيات العالمية في مجال التجارة والاستثمار تستهدف دائما تحقيق مصالح الدول الكبرى مثل اتفاقية الجات, ولهذا يجب أن يكون لنا في اعدادها وصياغة قواعدها ولن يتحقق هذا إلا إذا كنا كيانات قوية حيث لا يمكن لأية دولة منفردة أن تؤثر في هذه القرارات مما يتطلب اقامة تكتل اقتصادي عربي يستطيع التعامل مع هذه الكيانات العملاقة, والتي تزداد ضخامة كل يوم, بدليل ان الولايات المتحدة أكبر قوة اقتصادية في العالم تعمل على التكتل مع كندا والمكسيك, وكذلك فإن مفاوضاتنا مع الاتحاد الأوروبي تكشف عن حرص الاتحاد على الاتفاق مع كل دولة عربية منفردة بينما يتعاملون معنا ككل وككيان واحد وبالتالي يحققون شروطا تفاوضية أفضل تحقق مصالحهم. امتيازات أجنبية ويؤكد د. مدحت حسنين أستاذ التمويل والاستثمار بالجامعة الأمريكية على أهمية تضافر الجهود العربية في مواجهة تحديات التكتلات العملاقة, وينادي بانشاء كيانات تجمع الدول العربية والاسلامية والافريقية والآسيوية حتى تكون لها رؤية واحدة وتدافع عن مصالحها المشتركة عن طريق التنسيق المستمر. وينبه د. مدحت إلى خطورة هذه الاتفاقية في حالة صياغتها بشكل يؤثر على تدفق الأموال على الدول, مؤكدا ان الدول النامية بشكل خاص في حاجة ماسة إلى استثمارات ضخمة, خصوصا وان مدخرات الهيئات والبنوك والشركات وغيرها لا تفي بأي حال من الأحوال باحتياجات الدول النامية من الاستثمار وهو الأمر الذي يحتم جذب رؤوس أموال أجنبية إليها بشرط استثمارها بشكل مباشر في اقامة المصانع وتوفير فرص عمل, والقيام بعمليات التصدير والعمل على اعادة التوازن لميزان المدفوعات المختل في هذه الدول. ويطالب بتطبيق مبدأ المعاملة بالمثل في حالة انتقال رؤوس الأموال من الدول النامية إلى الدول المتقدمة سواء كانت متمثلة في شراء أسهم في بورصات الدول المتقدمة أو ايداعات في البنوك, وان تنص اتفاقية الاستثمار متعدد الأطراف على الأفضلية والمعاملة بالمثل بين الدول النامية والدول المتقدمة. ويطالب أيضا بألا يكون لرؤوس الأموال الأجنبية أي أفضلية على رؤوس الأموال الوطنية لان ذلك يمكن أن ينتقص من سيادة الدول النامية ويحول هذه الاستثمارات الى امتيازات أجنبية, ورغم هذا يؤكد انه لا خوف على الدول النامية من جراء أي اتفاقية دولية متعددة الأطراف لسبب بسيط وهو ان الاستثمارات الاجنبية تتدفق على الأسواق التي تستطيع أن تحقق عائدا استثماريا مرتفعا, مشيرا إلى ان أسواق الدول المتقدمة رغم تقدم البنية الاساسية فيها وتوافر جميع الامكانيات المشجعة للمستثمر تعتبر أسواقا متشبعة, وهو الأمر الذي يقلل من عوائد الاستثمار بها على عكس الدول النامية التي تمتلك فرصا استثمارية عديدة قادرة على تحقيق عوائد ضخمة بالمقارنة بالعوائد في الدول المتقدمة.

Email