اشهرهم أحمد مظهر وليلى فوزي واحمد رامي وعمر أفندي، ألبان مصر يتذكرون تاريخ هجراتهم

ت + ت - الحجم الطبيعي

اثارت ازمة كوسوفو في نفوس الألبان المصريين أحزانا وشجوناً, وحنيناً الى ألبانيا أرض الاجداد, وفتحت الشهية لديهم للحديث عن تاريخ مضى يجمع في صفحاته ذكريات هجراتهم الثلاث الى مصر , وعلى الرغم من عدم وجود احصاء دقيق لألبان مصر, الا ان ثلاثينات هذا القرن شهدت آخر احصاء لهم وقدر بـ 50 الفا, ويقول كريم حاجيو (78) صاحب مصنع معكرونة بوسط القاهرة, وأحد أشهر الألبانيين في مصر,ان عددهم تزايد حتى وصل في الخمسينات الى ما يقرب من 250 الف نسمة, ثم شهد تناقصا بعد ذلك ليصل الآن في اغلب التقديرات الى 100 الف الباني مصري, لا يعرف منهم اللغة الألبانية الا العشرات. بدأت اول همزة وصل بين مصر وألبانيا في القرن السادس عشر بعد خضوع مصر للحكم العثماني, وبعد نجاح الدولة العثمانية في بسط نفوذها على منطقة البلقان, اتخذ العثمانيون من الألبان الذين ساعدوهم في معاركهم قادة في مناصب مختلفة ووصل بعضهم الى منصب الصدر الاعظم (رئيس الوزراء) لدولة الخلافة, واوفدت الخلافة العثمانية هؤلاء الألبان الى الدول العربية مثل مصر وسوريا والعراق ولبنان والاردن, وجاء الألبان الى مصر ضمن الحامية العثمانية وسكنوا في القاهرة والاسكندرية, ثم توزع بعضهم في المحافظات, ليعملوا نظاراً ومشرفين على اراضي المماليك والاقطاعيين, وعبرهم نشطت حركة التبادل التجاري بين مصر وألبانيا. بعد خروج الحملة الفرنسية من مصر عام 1801 جاء محمد علي الى مصر على رأس حامية عثمانية قوامها 5 آلاف جندي, وفي عام 1805 تولى محمد علي باشا حكم مصر, واتخذ من الألبان حرسا خاصا, وسار على نفس النهج ابناؤه من بعده, ومنح محمد علي للألبان اقطاعيات كبيرة, وانشأ لحرسه الخاص من الألبانيين جزيرة زملك (حي الزمالك) وسماها بهذا الاسم لانها تشبه ضاحية جميلة في ألبانيا تحمل الاسم نفسه ولا يزال للألبان آثارهم في حي الزمالك حتى الآن, ابرزها شارع محمد مظهر الألباني الذي عاش في حي الزمالك فترة ثم عاد الى ألبانيا وترك املاكه. توالت هجرة الألبان الى مصر خاصة في عهد الخديوي سعيد والخديوي اسماعيل, وترافقت مع هجرات اخرى من اليونانيين والايطاليين الذين جاءوا الى مصر بدافع تحسين ظروفهم الاقتصادية. .واستمر الامر على هذا النسق حتى عام 1912 حين حصلت البانيا على استقلالها من العثمانيين, وبدأت دول الجوار البلقانية الحرب على ألبانيا انتقاماً منها لأنها هي التي ساعدت العثمانيين في بسط نفوذهم على المنطقة وعانى الألبان آنذاك من تطهير عرقي بشع ومذابح جماعية وهجرة واسعة الى تركيا ومصر وبعض الدول الاسلامية. وتعتبر هذه الهجرة هي الموجة الثانية للنزوح الالباني الى الخارج.. واستقبلت مصر عدداً كبيراً منهم واستقروا في القاهرة وطنطا وأسيوط والاسكندرية والاسماعيلية, وعمل الكثير منهم نظار عزب الاقطاعيين في مصر, لدرجة انه ساد في هذا الوقت ايمان لدى اقطاعيي مصر, بأن ناظر العزبة لا بد ان يكون ألبانياً وساهم في تسييد هذا المنطق ما عرف عن الألبانيين من أمانة وصرامة وحزم. في عام ,1939 ومع اندلاع الحرب العالمية الثانية.. كانت الموجة الثالثة والاخيرة من هجرة الألبان الى مصر, فبعد غزو ايطاليا لألبانيا, اضطر احمد زوغو ملك البانيا الى الهجرة الى مصر ومعه اسرته وحاشيته, وظل زوغو في مصر حتى قيام ثورة يوليو فرحل الى فرنسا, ومعه حوالي 200 من افراد حاشيته, لكن شقيقه ظل في مدينة الاسكندرية وله ابناء واحفاد تزوجوا من مصريات, واندمجوا في الشعب المصري. مع ارتفاع نسبة الألبان في مصر خاصة في الاربعينات انقسموا إلى جاليتين كبيرتين.. الاولى في القاهرة, برئاسة (بابا سري) والثانية في الاسكندرية برئاسة (طوماتيزي) وقامت كل جالية بتأسيس ناد خاص بها.. ويقول عمر بكداش (رجل اعمال مصري من اصل الباني) كان للجالية الالبانية في الاربعينات صحيفتان ومجلة باللغة الألبانية.. وكان الألبان يلتقون في الأعياد والمناسبات اما في نوادي الجالية او مقر التكية البكباشية التي كان شيخها بابا سري, والد احمد سري باشا, وتم هدمها عام 1957. في مطلع الستينات, هاجر أكثر من نصف الجالية الألبانية من مصر, خاصة الذين كانوا يعملون في الحرس الملكي, والقصر الملكي, بالاضافة الى الذين لا يحملون الجنسية المصرية. ويقول كريم حاجيو (78 سنة) ان الالبان الذين جاءوا الى مصر برعوا في التجارة, مشيراً الى السلسلة الشهيرة التي تحمل اسم متاجر عمر أفندي, وتأسست عام ,1870 ويقول كريم كان عمر افندي أرناؤوط ألبانيا, وبعد موته باع أحد أبنائه هذه المتاجر لاسرة اوردزباك اليهودية, وقام المحامي محمد فريد الزعيم الوطني المعروف بدور بارز في اتمام هذه الصفقة, ويقال ان ابناء عمر افندي تنازلوا عن الاسم التجاري (عمر أفندي) بمبلغ كبير جداً بالقياس لهذا العصر.. ولا تزال عائلة عمر افندي تعيش في مصر حتى الآن. ومع تأكيد كريم حاجيو على أن هناك في مصر الآلاف ممن لا يعرفون اصولهم الألبانية, الا انه يذكر العديد من الشخصيات المشهورة, ويقول: جاء بعض الألبان الى مصر رغبة في الالتحاق بجامعة الازهر ومن هؤلاء الشيخ توفيق اسلام الذي تخرج من الازهر وعمل مستشاراً لوزير الاوقاف, كما بعثه الأزهر الى الصومال والجزائر, وعمل استاذاً بالجامعة الاسلامية في المدينة المنورة, وتزوجت ابنته من استاذ بكلية الحقوق بجامعة القاهرة, ويعمل الآن مستشارا قانونيا لأمير دولة الكويت. ومن الشخصيات الألبانية المصرية الشهيرة (ايروموش) الذي كان يمتلك استوديو الأهرام للسينما, وخليل برشكي صاحب أوبرج الفيوم.. ومن هذه الشخصيات أيضا, الشاعر أحمد رامي الذي ولد في جزيرة (قولة) اليونانية والفنانة ليلى فوزي والفنان أحمد مظهر, والسفير عثمان كامل أرناؤوط الذي عمل سفيرا لمصر في غينيا, وكذلك المحامي طلعت سليم عابدين أحد أحفاد عابدين باشا, ومن مسلسل الأسماء إلى مسلسل الحارات والشوارع يؤكد حاجيو ان محافظات قنا والقاهرة والشرقية والفيوم, فيها حارات تحمل اسم أرناؤوط التي تعني الألبان, ويأخذ هذا دليل على ان الألبان كانوا منتشرين في معظم محافظات مصر, ويشير إلى ان هناك من المصريين من لا يعرف ان أصله ألباني. بعد كل هذه السنوات الطويلة من هجرة الألبان إلى مصر وذوبانهم في النسيج الاجتماعي لها, هل دفعهم الحنين إلى الأهل هناك؟ يقول عمر بكداش الذي يحفظ تاريخ هجرة الألبان إلى مصر رغم كونه شابا إلا انه حفظها من جدته التي كانت تروي له كل شيء عن تاريخ الهجرة, والمآسي التي لاقوها فيها, يقول بكداش: لم يكن هناك اتصال أثناء الحكم الشيوعي, وبعده بدأ الاتصال وتم تبادل الزيارات, وعادت حركة التزاوج من جديد بين الألبان المصريين والألبانيين وأنا تزوجت من ألبانية. الحنين إلى الوطن يظهر لديهم كلما مر الوقت ويظهر ذلك جليا في اطلاق بعضهم على أبنائهم أسماء البانية, فكريم حاجيو سمى ابنه (ايلير) ومعناه عاشق الحرية, وهو الاسم الأصلي للألبانيين الذين يعتقدون ان أصولهم ترجع إلى الايليرين القدماء, كما سمى ابنته (دوراته) ومع ذلك تبقى الأسماء المصرية هي الأكثر شيوعا بين الألبان المصريين, ومع تعاقب الأجيال, ربما لا يعرف الجيل الحديث أصوله الحقيقية غير انه وفي السنوات الأخيرة, بدأ الطلاب الألبان يتوافدون على الأزهر للدراسة, وعددهم يزيد على المائتين, وهؤلاء يأتون إلى القاهرة حاملين معهم سير وتاريخ أقاربهم الذين تركوا البلاد منذ سنوات, وبالتالي أصبحوا حلقة وصل جديدة بين ألبان مصر ووطنهم الأم. القاهرة ــ أحمد عطية

Email