مقومات التعافي الاقتصادي الحقيقي

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

تحاول الولايات المتحدة أن تتجاوز جائحة مرض فيروس «كورونا» (كوفيد 19)، وحالة الركود العميق الناجمة عن الإغلاق الذي أقرته الحكومة، شأنها في ذلك شأن معظم دول العالم.

صحيح أن إعادة فتح الاقتصاد في البداية، أدت إلى حدوث انتعاش حاد، من المتوقع أن يستمر في الربع الثالث، حيث زادت العمالة بمقدار 2.5 مليون في مايو، في حين أظهرت بيانات عالية التواتر من بطاقات الائتمان، وعمليات تتبع التنقل لشهري مايو ويونيو، ارتداداً كبيراً في معدلات العمالة من أدنى مستوياتها في أبريل، مع اقتراب النشاط في بعض القطاعات من مستويات العام السابق، أو حتى تجاوزها. لكن في الواقع، تختلف معدلات الانتعاش حسب القطاع والمنطقة.

وعلى الرغم من ازدهار شركات التكنولوجيا الكبرى، وموردي المنتجات المنزلية، فقد انهار قطاعا السفر والترفيه، وسيستغرقان وقتاً أطول للتعافي. كما كانت المطاعم التي تقدم خدمة الطلب من خلال السيارات، أوفر حظاً من تلك التي تقدم الطعام في أماكن مغلقة فقط.

لذلك، يتوقع معظم المراقبين تباطؤ الانتعاش الحاد المبكر (الذي يأخذ شكل حرف V)، خلال الفصول القليلة القادمة، ليأخذ بدلاً من ذلك شكل علامة نايكي. لكن هذه التوقعات الأساسية المقبولة، تنطوي على قدر كبير من عدم اليقين.

على الرغم من أن الارتفاعات الأخيرة في حالات الإصابة بفيروس «كورونا»، ومعدلات دخول المستشفيات في الولايات المتحدة، تبدو قابلة للسيطرة عليها في الوقت الحالي، نظراً لتوافر ما يكفي من أسرة ومعدات في المستشفيات، إلا أن حدوث تدهور كبير، من شأنه أن يؤدي إلى إقرار إغلاق جديد، أو إيقاف المزيد من عمليات إعادة الفتح.

والحق أن هذا سيُبطئ من وتيرة الانتعاش، ما يتسبب في انتشار حالة من اليأس الاقتصادي، إلى جانب ما يصاحب ذلك من مشاكل صحية واجتماعية، بالنسبة إلى العديد من الأمريكيين.

علاوة على ذلك، كشفت الأزمتان (في الاقتصاد والصحة العامة)، عن مشاكل طويلة الأمد في أمريكا، بداية من مخزون البلاد غير الكافي من الإمدادات الطبية. بالإضافة إلى ذلك، أظهرت صدمة كوفيد 19، كيف يفتقر العديد من الأفراد والشركات، إلى هامش مالي يُمكنهم من الصمود حتى لبضعة أشهر في مواجهة فقدان الدخل أو الإيرادات.

يعتمد التعافي الاقتصادي والصحي أيضاً، بشكل كبير، على تصرفات الشركات والمواطنين والمدارس، بما في ذلك مدى التزامهم بالاحتياطات الموصى بها، مثل التباعد الاجتماعي، وغسل اليدين بشكل متكرر، وارتداء أقنعة الوجه.

من ناحية أخرى، تمثلت إحدى النقاط الإيجابية في الوتيرة السريعة للابتكار التكيفي. حيث واصلت معظم المدارس الأمريكية، بسرعة، عملية التدريس عبر الإنترنت، بعد الإغلاق، في حين ازدهرت برامج الطب عن بعد، وساعد في ذلك، تخفيف القيود الحكومية على عمليات الدفع، والقواعد التي تحظر الاستشارات الطبية بين الولايات.

وسرعان ما حول الباحثون الطبيون تركيزهم إلى تجارب كوفيد 19، والعلاجات، واللقاحات: بدأت التجارب البشرية على العديد من اللقاحات الواعدة، وقد تُجرى اختبارات جديدة قبل فصل الشتاء. وللمرة الأولى، سيجري تعزيز قدرة إنتاج اللقاحات، بالتزامن مع إجراء التجارب، بحيث يصبح أي لقاح آمن وفعال، متاحاً بسرعة أكبر.

لكن لسوء الحظ، لن تنتهي المشاكل الطويلة الأمد، التي كشف عنها الوباء والركود، بعد أن تنتهي هذه الأزمات.

تتطلب معالجة هذا الأمر، إعادة تنشيط سياسات تهدف إلى توسيع نطاق خيارات المدارس، وتوجيه وظائف خاصة، ورؤوس أموال إلى المناطق التي تعاني من الركود، وضمان حصول الأفراد على تدريب مهني أفضل (بما في ذلك المزيد من برامج التدريب الصناعي وإجراءات المطابقة الوظيفية)، وكذلك اتباع نهج جديد، في ما يخص البرامج المتداخلة لمكافحة الفقر المرهونة بالدخل.

حيث يواجه متلقو خدمات الرعاية الاجتماعية في الولايات المتحدة، معدلات عالية للغاية من الضرائب الحدية الضمنية، في ما يتعلق بالفوائد التي يفقدونها، إذا حصلوا على وظائف، ويرى العديد من الأشخاص، أنهم إذا عملوا، فسوف يتقاضون أجوراً أقل مما لو استمروا على قوائم العديد من البرامج المتداخلة.

الحق أنه من الصعب للغاية أن نتنبأ بسرعة وقوة التعافي الاقتصادي الأمريكي، بأي قدر من اليقين. لكن الأمر الواضح، هو ضرورة تعزيز الحوافز على العمل في الأوقات العادية، التي تتوافر فيها الوظائف بكثرة، وتعزيز شبكة الأمان، عندما تقل الوظائف، ولغير القادرين على العمل.

 

 

Email