الدروس المُستفادة من الحدود الاقتصادية الوبائية

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

دفع الفيروس التاجي الجديد الاقتصاديين إلى تحويل انتباههم إلى النماذج التي يستخدمها علماء الأوبئة عندما يُواجهون صعوبة في فهم ديناميكيات الوباء وتكاليفه المحتملة.

تم تقديم نموذج الوباء الأصلي، المعروف عموماً بالنموذج الرياضي «SIR»، من قبل ويليام أوجيلفي كيرماك وأندرسون جراي ماكيندريك قبل حوالي قرن من الزمان. يعمل هذا النموذج على تقسيم السكان إلى ثلاث فئات: الأشخاص المُعرضون للإصابة بالمرض (S)، والمُصابون بالمرض (I)، والذين تم علاجهم بعد الإصابة بالمرض أو توفوا إثر الإصابة به (R).

في هذا النموذج القياسي، ينتهي الوباء عندما يتجاوز عدد الأشخاص الذين يخرجون من الفئة الأولى أولئك الذين يدخلون إليها، بسبب انخفاض عدد الأفراد المُعرضين للإصابة بالعدوى. تكمن إحدى السمات الرئيسية في «مناعة القطيع»، والتي تسمح بانخفاض عدد المصابين إلى الصفر قبل تراجع عدد الأشخاص المُعرضين للإصابة (مما يعني أن بعض الأفراد يمكنهم تجنب العدوى تماماً).

استخدم الاقتصاديون عمليات انتقالية مماثلة من دولة إلى أخرى لدراسة ديناميكيات البطالة، على الرغم من تنفيذ هذا العمل في وقت متأخر مع تطويره بشكل مستقل عن نماذج علماء الأوبئة.

تتمثل إحدى النتائج النموذجية في نموذج مطابقة دايموند- مورتنسن- بيساريدس، حيث تؤدي الاتصالات بين العمال العاطلين عن العمل والشركات إلى تحقيق نتائج إيجابية من خلال إجراء مباريات وظيفية، وبالتالي الانتقال من البطالة إلى التوظيف.

ومع ذلك، هناك فرق كبير بين جهات الاتصال التي تساهم في نشر المرض وتلك التي تؤدي إلى العمالة الفعالة. في حين يمكن لشخص واحد مصاب بالعدوى أن يصيب العديد من الأشخاص، يمكن لصاحب العمل الذي لديه وظيفة شاغرة تقديم عرضه إلى عامل واحد فقط. من الناحية الاقتصادية، تُعد الوظائف الشاغرة «قابلة للنفاد» بينما يُعد المرض المُعدي «غير قابل للنفاد».

في الواقع، يُشير انخفاض عدد المُصابين بالعدوى إلى أن تحقيق مناعة القطيع سيكون أبطأ. ومع ذلك، من خلال تطبيق تقنيات اقتصاديات العمل على الأدب الوبائي، يمكننا أن نفترض أن مناعة القطيع النهائية التي يُحققها الأشخاص الذين يتجنبون الاتصال فيما بينهم قد تزيد من عدد الأشخاص الغير مُعرضين للإصابة بالعدوى.

ومع ذلك، قد يتساءل المرء عما إذا كان للحكومات سبب وجيه لفرض درجة معينة من التباعد الاجتماعي، بدلاً من السماح للمواطنين بتغيير سلوكهم طوعاً. نعتقد أن العزل مُبرر لسببين على الأقل.

أولاً، على الرغم من أن الفرد قد يختار تقييد تفاعلاته الاجتماعية، فإن احتمال تعرضه لخطر الإصابة عند دخول الأماكن العامة (مثل محلات البقالة) سيعتمد على المدى الذي اختاره الآخرون أيضاً لتقييد تفاعلاتهم. وبالتالي، قد يكون مستوى الاتصال - ومخاطر الإصابة بالعدوى - أعلى بكثير مما اختاره الفرد بالفعل.

ثانياً، أثناء تفشي الأوبئة، قد تحتاج الحكومات إلى التدخل للحد من خطر انهيار الخدمات الطبية. يتعين على الدولة «تسوية منحنى العلاج»، لأن الأفراد بشكل عام سيتجاهلون التأثير الذي قد يحدثه التماس العلاج على الآخرين.

إن الرسالة الرئيسية المُستخلصة من الجمع بين الأفكار الاقتصادية والوبائية هي أن الناس سيكونون أفضل حالاً عند تأخر مناعة القطيع من خلال التباعد الاجتماعي الإلزامي.

من الواضح أن تحقيق مناعة القطيع الكاملة في ظل التدابير الصارمة للتباعد الاجتماعي قد يستغرق عدة سنوات. في وقت لاحق من هذه العملية، قد تقرر الحكومة أنها على وشك تحقيق التحصين الجماعي للسكان، لذلك يمكن أن تبدأ في تخفيف القيود، مثل إعادة فتح المدارس أو شركات مُعينة.

ولكن إذا أدرك الناس أن احتمال إصابتهم بالعدوى لا يزال قائماً، فقد يختارون إبعاد أنفسهم عن الآخرين، من خلال العمل من المنزل، وعدم السماح لأطفالهم بالذهاب إلى المدرسة، وما إلى ذلك.

فهل يجب على الحكومات عكس سياساتها الخاصة بالتباعد الاجتماعي إلى حد إجبار الأفراد على تنفيذ أنشطة أكثر مما يرغبون، مثل التحاق الإلزامي بالمدرسة؟ هذا سؤال صعب للغاية؛ لسوء الحظ، من المرجح أن يستغرق الأمر وقتاً طويلاً قبل أن يضطر صناع السياسة إلى الإجابة عنه.

* أستاذ علوم الاقتصاد بكلية لندن للاقتصاد.

** أستاذ علوم الاقتصاد بجامعة تورينو.

 

Email