ضمان بقاء اقتصادات ما بعد الجائحة ضمان بقاء اقتصادات ما بعد الجائحة

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

مدن مغلقة بأكملها في دول عالمية. خوف في الأسواق المالية. مستشفيات تفتقر إلى الأَسِرة. لقد دخل العالَم في واقع غير معهود خارج زمن الحرب.

من خلال إلزام الناس بعزل أنفسهم في منازلهم، يأمل صناع السياسات في إبطاء معدل انتشار مرض فيروس كورونا المستجد (COVID-19) ثم عكس اتجاهه. لكن الإغلاق وحده، أو توفير الأموال بغزارة، لن يوقف الجائحة (الوباء العالمي) ولن ينقذ اقتصاداتنا، نحن في احتياج إلى تدخل حكومي، لكن العديد من المقترحات الحالية تبدو مضللة، وبعضها إلى حد يبعث على الأسى، في حين تتحرك بعض المقترحات الأخرى في الاتجاه الصحيح ولكن ببطء شديد.

إن مجرد احتمال وفاة الملايين مع تعثر الاقتصاد يبرر زيادة نطاق وحجم التدخل من جانب الحكومات، وينبغي لنا أن ننظر إلى هذا التحرك باعتباره شكلاً غير مسبوق من التأمين الجهازي الشامل القصير الأجل على أرواحنا وسبل معايشنا. ونظراً للقيمة المطلقة التي نقدرها لكلا الأمرين، فيجب أن يكون المواطنون والحكومات على استعداد لتحمل الثمن الذي قد يبدو باهظاً لمثل هذا التأمين.

يستلزم التأمين الشامل المطلوب جهداً تقوده الحكومات في أربعة مجالات رئيسية:

• إعادة توجيه قدرة الاقتصاد الإنتاجية الحالية للتغلب على النقص المتزايد بسرعة في المعدات والخدمات اللازمة للاستجابة بفعالية للجائحة.

• دعم الشركات التي لا تشارك بشكل مباشر في جهود مكافحة الأزمة، حتى تتمكن من الاستمرار في توريد السلع والخدمات الأساسية.

• ضمان توفر الوسائل الكافية لتمكين السكان من شراء هذه السلع والخدمات.

• إنشاء مرفق مالي لمساعدة غير القادرين على سداد قروض الرهن العقاري والوفاء بغير ذلك من الالتزامات، وبالتالي تخفيف المخاطر الكارثية التي تحيط بالقطاع المالي.

يتجاوز مثل هذا التأمين الجهازي الشامل المقترحات الحالية التي يستلزم تنفيذها إنفاق تريليونات الدولارات، والتي يخصص قسم كبير منها لمبادرات سياسية تسيئ تشخيص الأزمة على أنها أزمة نقص في الطلب الكلي أو على أنها ناجمة عن صدمة عرض عادية.

لذا، فبينما ينظر المسؤولون في مختلف أنحاء العالم في تخصيص نفقات ضخمة لمكافحة أزمة فيروس كورونا 2019، تتمثل المسألة الأكثر مباشرة التي تواجهنا الآن في ما إذا كانت السياسات قيد الدراسة حالياً توفر القدر الكافي من التأمين ضد المخاطر الجهازية المتعاظمة. المعايير هنا واضحة وصريحة:

• هل يركز الإنفاق الحكومي بالقدر الكافي من الدقة على التغلب على أزمة الصحة العامة؟

• هل تكون حزمة الإنقاذ الاقتصادية كافية للحفاظ على رفاهة السكان؟

بالنظر إلى المعيار الثاني أولاً، يجب أن تكون عمليات ضخ ما يسمى «أموال الهليكوبتر» (المساعدات النقدية المباشرة)، للمساعدة في الإبقاء على قدرة السكان على تدبر أمورهم، متكررة، بدلاً من الدفعة أو الدفعتين قيد المناقشة الآن. كما ستساعد إعانات البطالة الموسعة، إلى جانب توسيع أهلية المستحقين لقسائم الطعام وغير ذلك من المدفوعات، في توفير السبل لتغطية تكلفة السلع والخدمات الأساسية.

الواقع أن السياسات التي تهدف إلى تحفيز تشغيل العمالة، لن تساعد بكل تأكيد في مكافحة الجائحة والعواقب المترتبة عليها في ما يتصل بالإمدادات من السلع والخدمات. ذلك أن الموظفين الذين أصابهم المرض أو المعرضين للمرض، والذين يشكلون بالتالي خطراً يهدد الآخرين، لا يمكن الاعتماد عليهم للإبقاء على استمرار إنتاج السلع والخدمات.

الحقيقة الواضحة بشكل مؤلم الآن هي أن هناك نقصاً من نوع غير مسبوق في الإمدادات: المعدات والمرافق الطبية.

لإعادة توجيه استخدام القدرة الحالية، يتعين جعل مساعدة أي شركة خاصة مشروطة بالتزام الشركة بإنتاج معدات حيوية (يتولى تحديدها هيئة من الخبراء الطبيين) والوفاء بمرتبات العاملين لديها بأجور معقولة. ولتجنّب التلاعب بالأسعار، يجب تسعير الإمدادات الطبية وفقاً لمستويات ما قبل الأزمة.

لا ينبغي لهذه الشروط أن تنطبق فقط على الشركات المنتجة للمعدات. إن مثل هذا النهج التأميني الشامل لتخصيص أموال دافعي الضرائب يستلزم عدم تلقي شركات قطاع الخدمات الكبرى مثل شركات الطيران أو سلاسل الفنادق لعمليات الإنقاذ إلا إذا أعادت توجيه استخدام قدرتها لدعم مكافحة الجائحة. ويجب تزويد شركات الطيران بالأموال اللازمة لإعادة تجهيز طائراتها لنقل الإمدادات والمعدات الطبية، أو لنقل المرضى إلى مواقع قادرة على توفير الرعاية لهم. على نحو مماثل، لا ينبغي لسلاسل الفنادق أن تحصل على الدعم من جانب الحكومة إلا إذا وافقت على إعادة تجهيز فنادقها للعمل كمستشفيات مؤقتة.

ويستلزم التأمين الشامل استمرار حصول موظفي الشركات المتلقية لعمليات الإنقاذ على الأجر المناسب. ولا ينبغي السماح بتحويل عمليات الإنقاذ إلى زيادات في التعويضات الإدارية، أو إعادة شراء الأسهم، أو تخصيصها كأرباح.

إن إعادة تنظيم اقتصاداتنا على هذا النحو تفرض أكثر من مجرد صعوبات تشغيلية، ولا يجوز لنا أن نسمح لشعارات إيديولوجية أن تتحول إلى عقبات على الطريق تحول دون تمكيننا من تخفيف المخاطر الجهازية المهولة التي تواجهنا. والحق أن سجل الحكومات الضعيف في ما يتصل بمعالجة تهديد وجودي آخر ــ تغيّر المناخ ــ لا يدعو إلى التفاؤل.

* أستاذ علوم الاقتصاد في جامعة نيويورك، والمؤلف المشارك لكتاب «اقتصاد المعرفة المنقوصة» .

* حائز على جائزة نوبل في علوم الاقتصاد لعام 2006، ومدير مركز الرأسمالية والمجتمع في جامعة كولومبيا.

 

Email