«خفض التعريفات» سبيلاً لتحرير التجارة العالمية

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

اعتدنا استخدام تعبير «نظرية الدراجة» مجازاً لوصف السياسة التجارية الدولية، فتماماً كما لا يستطيع قائد الدراجة أن يقف عليها ساكناً، إذ يتعين عليه أن يستمر في التحرك إلى الأمام أو يسقط، قيل إن المفاوضين التجاريين يجب أن ينخرطوا في جولات متتالية من مفاوضات تحرير التجارة، وإلا فإن الانفتاح العالمي قد يستسلم تدريجياً للمصالح المستفيدة من سياسات الحماية.

لا أدري إن كانت هذه النظرية صحيحة حقاً. في الواقع، لو بقيت الحكومات ساكنة في المكان في ما يتصل بالسياسة التجارية على مدار السنوات الثلاث الأخيرة، فإن العالم كان سيصبح أفضل حالاً مما هو عليه الآن، فالتجارة الآن تترنح، تراجعت أحجام التداول العالمية بنسبة ملحوظة بلغت 1.1% على مدار الاثني عشر شهراً الماضية، حيث تصادم سائقو الدراجات الحمقى غير الأكْفاء ببعضهم بعضاً.

وبمجرد تولي الدراجين الأكْفاء المسؤولية مرة أخرى، فيمكنهم أن يفعلوا ما هو أسوأ من العودة إلى صيغة ما بعد الحرب العالمية الثانية في التفاوض على الإلغاء المتبادل للتعريفات الجمركية.

يبدو هذا الاقتراح عتيق الطراز، ففي نهاية المطاف هناك حقيقة بدهية مألوفة أخرى مفادها أن «التكامل الضحل» ـ إزالة الحواجز التجارية الواضحة مثل التعريفات الجمركية والحصص - اكتمل إلى حد كبير، وأن إحراز المزيد من التقدم الآن يتطلب «التكامل العميق» أو القواعد المتفق عليها بشكل متبادل لتنظيم بيئة الأعمال، لكن هذه الأجندة، على الرغم من مزاياها المحتملة، تبدو الآن أكثر طموحاً مما ينبغي.

من الأمثلة الكلاسيكية للتكامل العميق كان القرار الذي اتخذته البلدان الأعضاء في السوق الأوروبية المشتركة بتجاوز التجارة الحرة وملاحقة هدف الاتحاد الأوروبي الكامل، بل وحتى العملة الموحدة. ومن الواضح أن هذا كان بعيد المنال سياسياً، على الأقل بالنسبة للملكة المتحدة المبتلاة بالخروج من الاتحاد الأوروبي.

تتمثل محاولة حالية لتحقيق التكامل العميق في مطالبة حكومة الولايات المتحدة بأن تكف الصين عن مطالبة الشركات الأمريكية بمشاركة التكنولوجيات المملوكة لها كشرط للدخول في مشاريع مشتركة مع الشركات المحلية.

يؤيد العديد من خبراء الاقتصاد الأمريكيين هذا المطلب، لكنهم يزعمون أن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب أخطأ تماماً في تناوله للأمر، فإن الاستراتيجية المعقولة كانت لتتلخص في تبني الولايات المتحدة لقضية مشتركة مع الحكومات الكبرى الأخرى للضغط على الصين، وربما يفضل لو يتم ذلك من خلال مؤسسات متعددة الأطراف مثل منظمة التجارة العالمية. وشركات صناعة السيارات الألمانية لديها بطبيعة الحال الكثير من المصالح المعرضة للخطر في الصين، وهي ذات حال الشركات الأمريكية.

ومع ذلك، فحتى رئيس الولايات المتحدة المقبل الذي يُنتَظَر أن يتخذ نهجاً أفضل قد لا يصادف النجاح، ذلك أن تنظيم نقل التكنولوجيا سيكون أمراً بالغ الصعوبة والتعقيد في أفضل الظروف.

عادةً لا يوجد رد صريح بالمثل من قِبَل الشركات الصينية، ناهيك عن الحكومة الصينية، ففي أغلب الأحوال تكون الشركات الأجنبية هي التي تتقدم بطلب مشاركة التكنولوجيا، لكي تجعل نفسها جذابة في نظر الشركات المحلية كشريك في مشاريع مشتركة. كيف إذن قد يتسنى لأي حكومة أن تعمل على تنظيم مثل هذه العملية الدقيقة؟

ربما تتلخص الإجابة في قيام الحكومة الصينية بإلغاء شرط إلزام الشركات الأجنبية التي تزاول الأعمال في الصين بإيجاد شريك محلي.

الواقع أن السلطات اتخذت مؤخراً خطوات في هذا الاتجاه في القطاع المالي وقطاع صناعة السيارات، وكان من الأسهل أن تعمل الصين على إلغاء التعريفات الجمركية المفروضة منذ زمن بعيد على الواردات من السيارات، حتى يتسنى لشركات تصنيع السيارات الأمريكية والألمانية أن تصدر بشكل مباشر إلى السوق الصينية كبديل لإقامة منشآت الإنتاج هناك.

لن تكون هذه النتيجة أكثر بساطة فحسب، بل إن الفوائد المترتبة على ذلك ستعود على العمال الأمريكيين والألمان بشكل مباشر.

دعونا نعود إذن إلى مفاوضات التعريفة القديمة الطيبة.. يتعين على الولايات المتحدة أن تزيل التعريفات التي فرضتها على مدار السنوات القليلة الأخيرة على غسالات الملابس، والألواح الشمسية، والصلب، والألومنيوم، والسيارات، وعدد لا يحصى من المنتجات الأخرى.

في المقابل، ينبغي للصين بطبيعة الحال أن تعمل على إلغاء التدابير الانتقامية التي اتخذتها، على سبيل المثال، ضد الصادرات الأمريكية من فول الصويا، ولحم الخنزير، وغير ذلك من منتجات المزارع.

لا شك أن إعادة عقارب الساعة إلى يناير 2017 ستشكل تحسناً كبيراً. لكن لا ينبغي لنا أن نتوقف عند هذا الحد. كان الرأي السائد التقليدي في السابق يبالغ دوماً في تقدير مدى التكامل الضحل، وينبغي للحكومات أن تتحرك نحو التجارة الحرة في المركبات وأكبر عدد ممكن من القطاعات الأخرى. ويُعَد قطاع الطاقة الشمسية والألواح الشمسية، والتوربينات، وغير ذلك من مدخلات الطاقة المتجددة مناسباً بشكل خاص للتحرير.

من السياسات الضارة التي يجب مقاومتها إساءة استخدامه لاستثناء الأمن الوطني لتبرير تدابير الحماية التجارية. تُعَد التجارة عاملاً واحداً من العديد من العوامل التي تسهم في اتساع فجوة التفاوت في عالمنا.

وبصرف النظر عن الأهمية النسبية لكل سبب، فإن قائمة العلاجات العملية هي ذاتها إلى حد كبير، وهي في الولايات المتحدة تشمل التوسع في التأمين الصحي، وضمان رعاية ما قبل المدرسة لجميع الأطفال، والاستثمار في البنية الأساسية، وسياسة المنافسة، واستعادة الضوابط التنظيمية المالية لفترة ما بعد 2008، والمزيد من الضرائب التصاعدية.

يقول بعض المراقبين إن الولايات المتحدة ينبغي لها أن ترفع الحواجز التجارية إلى أن تكون مستعدة لسَن مثل هذه السياسات، لكن هذا استنتاج لا يتفق مع المقدمات.

ينبغي لنا أن نعمل على تنفيذ أكبر عدد ممكن من تدابير تقاسم الأرباح هذه، في حين نسعى أيضاً إلى إنهاء الحرب التجارية. وفي المستقبل، ربما نحتاج نحن أنصار التجارة الحرة إلى الاتفاق على أجندة لإلغاء التعريفات والحصص. وكما تبين لنا فإن التكامل العميق ربما يكون غاية لا تُدرَك.

 

 

Email