مستقبل العمل في أمريكا جراء التشغيل الآلي

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

ينشر سوق العمل الأمريكي أرقامًا إيجابية ــ لحد الساعة. ومع ذلك، تتباين الآفاق الاقتصادية للأمريكيين بشكل ملحوظ؛ إذ تختلف حسب هوياتهم، ومكان عيشهم. وستزداد هذه الاختلافات مع تزايد وتيرة التشغيل الآلي في العقد المقبل.

أولاً، بعض الفئات المهنية الأكبر في الاقتصاد الأمريكي- الخدمات الغذائية، ودعم المكاتب، والتصنيع، وخدمة التجزئة وخدمة العملاء ــ معرضة إلى درجة كبيرة للتشغيل الآلي الذي يوفر العمالة. وفضلاً عن ذلك، رجح بحث جديد أجراه معهد ماكينزي العالمي (MGI)، أن إلغاء الوظائف داخل هذه القطاعات سيرتكز بقوة بين مجموعات سكانية معينة.

ويُعد التحصيل العلمي العامل الأكثر أهمية في تحديد احتمال فقدان الوظائف بسبب التشغيل الآلي.

حيث إن الأفراد الحاصلين على شهادة الثانوية العامة أو أقل من ذلك، هم أربع مرات أكثر احتمالاً لشغل الوظائف الآلية من الأفراد الحاصلين على درجة البكالوريوس أو أعلى من ذلك. وبناءً على سيناريو نقطة الوسط لوتيرة التشغيل الآلي، يمثل الأشخاص الذين ليس لديهم تعليم بعد المرحلة الثانوية أكثر من ثلاثة أرباع الإلغاء الوظيفي الكلي، الذي يمكن أن يحدث بحلول عام 2030 .

وفضلاً عن ذلك، ليس حاملو الشهادات الجامعية، والحاصلون على درجات علمية متقدمة في مأمن من التشغيل الآلي، خاصة وأن أنظمة الذكاء الاصطناعي تزداد تطوراً. ولكن الأفراد الذين حققوا هذا المستوى من التعليم، سيتمتعون بأمان وظيفي أكبر مقارنة مع الأشخاص الذين ليس لديهم تدريب بعد المرحلة الثانوية - وإذا اضطروا إلى تغيير وظائفهم، فستكون أمامهم مجموعة كبيرة من الفرص.

وسيؤثر التشغيل الآلي أيضًا على العمال من مختلف الأعمار بشكل متباين. إذ يشغل ما يقرب من نصف حوالي 14.7 مليون عامل، ممن تقل أعمارهم عن 34 عاما، والذين قد يتعرضون للنزوح الوظيفي بحلول عام 2030، وظائف ذات معدلات فصل عالية، مما يعني أن أصحاب العمل ليس لديهم حوافز قوية لإعادة تدريبهم، وإعادة توزيعهم.

وفي الوقت نفسه، قد يتعرض حوالي 11.5 مليون عامل أمريكي ممن تزيد أعمارهم على 50 عاما للنزوح الوظيفي. وفي حين أن البعض يقترب من التقاعد، فإن أمام البعض الآخر سنوات قبل أن يتأهلوا للحصول على الضمان الاجتماعي. وما يزيد الطين بلة، أن ربع الأمريكيين لا يدخرون شيئاً للتقاعد، ومعظم الأمريكيين المسنين يعتمدون بالفعل على الضمان الاجتماعي في معظم دخلهم.

وفضلاً عن ذلك، سيكون للتشغيل الآلي تأثيرات غير متساوية بين الجنسين. إذ يشكل الرجال، على سبيل المثال، غالبية السائقين، والعاملين في خطوط التجميع - وهما وظيفتان تعتمدان على التشغيل الآلي بشكل كبير- بينما تمثل النساء غالبية وظائف المساعدة والمحاسبة الإدارية الآلية.

وفي إسقاط معهد ماكنزي، ستشكل النساء 47٪ من العمال الذين فقدوا وظائفهم، وسيشكل الرجال 53٪ منهم بحلول عام 2030. ولكن النساء أيضا يستطعن الحصول على نصيب كبير من نمو الوظائف الصافي، بسبب نسبتهن الأكبر في المهن في مجال الصحة، والرعاية الشخصية.

ومع ذلك، فإن العديد من هذه الوظائف منخفضة الأجر، مما يثير تساؤلات حول ما إذا كانت فجوة الأجور بين الجنسين ستغلق أم ستتسع. واستنادا إلى الاتجاهات الحالية، من المحتمل أن تستمر النساء في مواجهة العوائق، التي تحول دون حصولهن على وظائف ذات أجور ومهارات عالية في قطاع التكنولوجيا، والذي من المتوقع أن ينمو نتيجة التشغيل الآلي.

واليوم، تمثل النساء حوالي 47 ٪ من القوى العاملة في الولايات المتحدة، لكنهن يشغلن فقط 20 إلى 25٪ من الوظائف التقنية. وستكون زيادة حصة النساء اللائي يتلقين تعليماً في مجال العلوم، والتكنولوجيا، والهندسة، والرياضيات، وإزالة أوجه عدم المساواة بين الجنسين في الحصول على وظائف التكنولوجيا، خطوتان ضروريتان للحد من تأثر النساء بالتشغيل الآلي.

والعامل الأخير هو الجغرافيا. إذ توجد وظائف التشغيل الآلي في كل مجتمع، ولكنها تمثل حصة أكبر من العمل في بعض الأماكن أكثر من غيرها. ونظرا لإلغاء الوظائف، وإنشاء وظائف جديدة، فإن المواقع الغنية بالصناعات المتطورة أكثر من غيرها، ستكون في وضع أفضل للتكيف، وخلق فرص عمل للعمال الذين تعرضوا للنزوح الوظيفي.

ومع حلول عام 2030، خلص معهد ماكنزي أن 25 منطقة حضرية فقط، يمكن أن تمثل الغالبية العظمى من نمو الوظائف الصافي في الولايات المتحدة، كما كان عليه الحال في العقد الذي تلا الركود الاقتصادي. وتتمتع مدن مثل فينيكس، وأريزونا، وأوستن، وتكساس، باقتصادات متنوعة، وتركيزات عالية من الصناعات التقنية وخدمات الأعمال.

والتي ستتوسع إلى جانب التشغيل الآلي. وبالإضافة إلى ذلك، يمكن أن ينمو التوظيف بوتيرة تعد الأسرع من نوعها في المدن الصغرى، بما في ذلك مراكز التكنولوجيا الناشئة مثل بروفو، ويوتا، وبند، وأوريغون، والمدن الجامعية ووجهات التقاعد.

وليس من الغريب أن يكون الطريق أصعب بكثير بالنسبة للمناطق الريفية، التي لم يتعافَ كثير منها من الركود الاقتصادي. ومن المرجح أن يظل نمو الوظائف ثابتا خلال العقد المقبل في العديد من المقاطعات الريفية، وقد يستمر في التقلص في المناطق الأكثر تضررا.

وكما هو الحال، من المحتمل أن يوسع التشغيل الآلي الذي يوفر العمالة، الفجوات الاقتصادية والاجتماعية لأمريكا في السنوات المقبلة.

وستحتاج المجتمعات في جميع أنحاء الولايات المتحدة إلى استراتيجيات مخصصة لإدارة موجة التغيير هذه ــ بما في ذلك الإسكان بأسعار يمكن تحملها في المدن الكبرى، والبنية التحتية الرقمية التي تتيح العمل عن بُعد في المقاطعات الريفية.

ولكن يمكن لجميع المجتمعات أن تتوقع التحديات المتعلقة بإعادة توزيع القوى العاملة وتنقلها، والمهارات، والتدريب، والتنمية الاقتصادية، وخلق فرص الشغل، ودعم أولئك الذين يخضعون للتحولات المهنية الناجمة عن التشغيل الآلي.

ويحتاج الملايين من العاملين في منتصف حياتهم المهنية إلى مزيد من المهارات التقنية والمتخصصة من أجل البقاء في سوق العمل، والحصول على فرصة التنقل إلى مستوى أعلى. ويجب أن يكون توفير برامج تدريبية فعالة لأي شخص يحتاج إليها أولوية في جميع أنحاء البلاد. ومن الطبيعي، أن يقدم أرباب العمل دورات تدريبية للعديد من العمال.

ولكن العمال الذين يحتاجون إلى إعادة تدريب للعثور على وظائف مع شركات جديدة، أو لتبديل الوظائف تماما، سيحتاجون إلى الدخول إلى كليات المجتمع، ومنصات التعلم عبر الإنترنت، وغيرها من مقدمي الخدمات. وسيكون للمنظمات غير الربحية، والجهات القائمة على التعليم، وللمجموعات الصناعية، ولجميع مستويات الحكومة دور تؤديه في إعادة تدريب العمال، وتوظيفهم في وظائف جديدة.

ومع أن التشغيل الآلي يهدد بتعميق الفوارق القائمة في الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أنه يوفر أيضا فرصة لزيادة الإنتاجية، ورفع مستوى الوظائف. ويتطلب تحقيق أقصى استفادة من فائض العمالة الناتج عن الأجهزة الذكية الجديدة سياسات ذكية. وليس ضرورياً أن يكون جني المكاسب من الإنتاج الذي تتيحه التقنيات الجديدة، وجعل النمو الاقتصادي أكثر شمولاً، هدفين متبادلين. كما أن التكنولوجيا لم تحدد بشكل قبلي طريقة تقاسم فوائد التشغيل الآلي بين العمال من خلفيات متعددة، بل أن ذلك الأمر يعود لنا كلياً.

* الرئيسة السابقة لمجلس المستشارين الاقتصاديين لرئيس الولايات المتحدة، منصب أستاذة في كلية هاس للأعمال في جامعة كاليفورنيا، بيركلي، ومنصب كبيرة المستشارين في مجموعة روك كريك، وكبيرة المستشارين الخارجيين لدى معهد ماكينزي غلوبال.

* شريكة في شركة ماكنزي وشركاؤه، وقائدة في معهد ماكنزي العالمي.

 

Email