الخصوصية وسرية البيانات بصفتهما حماية مجتمعية

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

خلال العقود الأخيرة، تعززت برامج المساعدة الاجتماعية عبر العالم إلى درجة أن ما يزيد على 2.5 مليار شخص يستفيد منها، وعادة ما يكون هؤلاء الأشخاص من الفئات الأكثر فقراً وهشاشة، لكن الضغط المتزايد من أجل تطبيق تكنولوجيا القياس الحيوي للتأكد من هويات المستفيدين، ولدمج الأنظمة المعلوماتية بما في ذلك السجلات المدنية وقاعدة بيانات إنفاذ القوانين، يعني أن البرامج الاجتماعية قد تعرض هؤلاء الذين يعتمدون عليها لمخاطر جديدة.

وتقول الشركات الخاصة، والوكالات المانحة، والبنك الدولي إن تطبيق أساليب القياس الحيوي مثل أخذ بصمة العين، وبصمات الأصابع، أو تقنية التعرف عن طريق ملامح الوجه أو الصوت، فضلاً عن دمج قاعدات البيانات، سيعزز الفعالية، وسيحارب النصب والاحتيال، وسيقلص من التكاليف، وتبدو العديد من الحكومات مقتنعة بذلك.

ومع أنه لا تتوفر أي معلومات منهجية، بشأن استعمال تكنولوجيا القياس الحيوي في برامج المساعدة الاجتماعية، يكفي إلقاء نظرة على أفضل البرامج، ليتضح أن استعمالها في تزايد، إذ في جنوب أفريقيا، يحصل 17,2 مليون مستفيد من الهبات الاجتماعية على بطائق القياس الحيوي الذكية. وفي المكسيك، يتوجب على 55,6 مليون مستفيد من سيغورو بوبولار( التأمين الصحي العام لفائدة أكثر الأشخاص فقرا) تقديم ببيانات قياساتهم الحيوية للسلطات.

إن برامج معينة في دول كثيرة من هذا القبيل، تشترط قضايا محددة للاستفادة من العديد من البرامج الاجتماعية. كما أن تقديم بيانات القياس الحيوي شرط أيضاً للحصول على امتيازات في بوتسوانا، والغابون، وكينيا، وناميبيا، وباكستان، والباراغواي، والبيرو.

إن البيانات التي تحفظ في برنامج حماية ما يمكنها أن تُربط بأنظمة أخرى، حتى تلك التي ليست لها علاقة بالحماية الاجتماعية، مثل أنظمة إنفاذ القوانين أو التسويق التجاري، باستعمال محدد هوية جار به العمل. ومع ذلك، تمنع معظم الدول الأوروبية هذا الدمج لقاعدة البيانات، نظراً للخطر الذي يشكله على سرية البيانات وحمايتها. وعلى أي حال، تتطلب برامج المساعدة الاجتماعية تحليل حجم هائل من البيانات، بما في ذلك المعلومات الحساسة مثل أصول الأسرة المعيشية، والوضعية الصحية، والعجز.

وتعتمد العديد من الدول النامية التي توسع دائرة حمايتها الاجتماعية وبرامج القياس الحيوي الخاصة بها، أطر عمل بدائية لحماية البيانات الشخصية، إلا أن الجهات المانحة والسلطات الحكومية غالبا ما تدعم دمج حجم قاعدة البيانات على أوسع نطاق ممكن، بين الوحدات العمومية والخاصة على حد السواء. مثلاً، لدى نيجيريا، التي تسعى إلى إصدار 100 مليون بطاقة تعريف إلكترونية بيوميترية، قاعدة بيانات للهوية الوطنية مرتبطة بالعديد من قاعدات البيانات الأخرى، بما في ذلك، تلك التي تحتفظ بها وكالات إنفاذ القانون.

إن الضغط من أجل مشاركة بيانات الحماية الاجتماعية الحساسة، بما في ذلك، القياسات الحيوية لتحديد الهوية، وإنفاذ القانون- على المستوى المحلي والدولي أيضاً- ممزوج بقلق بشأن الإرهاب والهجرة. إن هذا الكشف عن البيانات بإهمال أو بالولوج غير المرخص له لطرف ثالث - بما في ذلك مجرمو الإنترنت ومخترقوه- يؤثر بأنه قد يتعرض مستفيدو الحماية الاجتماعية لتشويه السمعة، والابتزاز والتهديد.

وهناك احتمال تزويد الشركات الخاصة ببيانات الحماية الاجتماعية الحساسة، بما في ذلك المعلومات البيوميترية، أو بيعها لها. وغالبا ما تعقد سلطات الحماية الاجتماعية والشركات الخاصة، مثل ماستر كارد أو فيزا، اتفاقيات تجارية من أجل خلق بطائق ذكية لبرامج المساعدة الاجتماعية، أو تقوم بترتيبات حتى تقبل الشركات هذه البطائق. مثلاً، بطاقة المساعدة الاجتماعية البيوميترية لجنوب أفريقيا هي ماستر كارد.

والأسوأ من هذا، أن هذه الاتفاقيات- التي لا يكشف عنها في غالب الأحيان- لا تتضمن «ميكانيزمات» الإصلاح في حال سوء استعمال المعلومات، إلا أن التقارير الإعلامية الأخيرة تقول أن هذه المخاطر كبيرة، ففي الشيلي مثلاً، نشرت للعموم السجلات الطبية للمرضى- بما في ذلك المصابون بفقدان المناعة المكتسبة والنساء اللواتي تعرضن للاستغلال الجنسي- لمدة عام تقريباً، فضلاً عن أن الشركات الخاصة في جنوب أفريقيا، استعملت معلومات الملايين من المستفيدين من الحماية الاجتماعية من أجل الرفع من أرباح الشركات على حساب مصالح المستفيدين.

ولا تختفي المخاطر التي تهدد المستفيدين من الحماية الاجتماعية عندما تصبح البيانات متاحة فقط للحكومة في بلدان محددة. وكما قالت العالمة السياسية فيرجينيا يوبانكس، في الولايات المتحدة الأمريكية، يُمَكِّن صنع القرار الآلي بشأن توفير الرفاهية الاجتماعية الحكومة من «تحديد الهوية، والضبط، ومعاقبة الفقراء».

ولأن التكنولوجيا تواصل تقدمها، فستنمو هذه المخاطر، مثلاً، قد تمكن تقنية تحديد الهوية عن طريق ملامح الوجه الحكومات من التعرف على المتظاهرين الذين يحصلون على المساعدة الاجتماعية بواسطة الصور الرقمية التي قدموها مقابل انخراطهم. وعلى سبيل المثال، بدأت مالطا في التفكير باستعمال كاميرات الدوائر التلفزيونية المغلقة المزودة ببرنامج لتحديد الهوية، عن طريق ملامح الوجه من أجل منع «سلوك مناهض للمجتمع».

ينبغي ألا يكون تجاهل الخصوصية وحماية البيانات في برامج المساعدة الاجتماعية شيئاً مفاجئاً، إذ تخدم هذه البرامج الفئات الأكثر هشاشة- تلك التي لا يحق لها الدفاع عن حقوقها. إن الإحساس بالعار المرسخ والآراء المسبقة المناهضة للفقراء غالباً ما تحول دون إدراك أفراد المجتمع الأكثر رفاهية لتلك المخاطر، فما بالك أن يدافعوا عن المستفيدين من الحماية الاجتماعية. ويعتقد العديد أنك إن كنت تحصل على الكثير من التعويضات «المجانية» فليس لك الحق أن تطالب بالكثير من الخصوصية.

ومن المفترض أن تفعل برامج الحماية الاجتماعية ما يتضمنه اسمها بالضبط: حماية الفئات الاجتماعية كافة، لكن مطالبة هؤلاء الأشخاص بالتنازل عن حقوقهم المتعلقة بحماية البيانات والخصوصية الشخصية هو عكس ذلك.

وينبغي أن يكون هذا السبب ضغطاً كافياً من أجل اعتماد أطر عمل قانونية، وسلطات حماية بيانات مزودة بما يكفي من المعلومات، وقضاء وإعلام مستقلين. وإذا احتاج الناس إلى حافز أكثر قوة، هناك دائماً المصلحة الذاتية، لأن المخاطر التي تواجهها الفئات الأكثر هشاشة اليوم، قد تصبح حقيقة سيواجهها جزء أكبر من المجتمع غداً.

Ⅶ كبيرة المعاونين للأبحاث لدى معهد الأمم المتحدة للأبحاث من أجل التنمية الاجتماعية، وعضو اللجنة المستقلة لإصلاح النظام الدولي للضريبة التجارية. وكانت سابقاً، المقررة الخاصة للأمم المتحدة بشأن الفقر المدقع وحقوق الإنسان.

Email