الاستثمار سبيلاً لاقتصاد أمريكي لاتيني قوي

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

يبدو أن دول أمريكا اللاتينية مستمرة، بوجه عام، في التخبط بدوامة تدهو الاقتصادات وضعف النمو الاقتصادي بشكل حاد. إلا أنه يمكن لأميركا اللاتينية تحسين إمكانياتها الاقتصادية إلى حد كبير، ومن المحتمل أن تتجنب خسارة أخرى لنصف العقد.

والسؤال المطروح الآن هو ما إذا كانت ستعزز وتقوى الإرادة الرسمية في شتى دول امريكا اللاتينية، لتبني مشروعات نوعية لاتخاذ الخطوات اللازمة. وبوجه عام، تشهد أميركا اللاتينية حاليا، نهاية عامها الخامس على التوالي من النمو الاقتصادي الضعيف.

من عام 2014 إلى عام 2018، بلغ متوسط نمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي 0.5٪ فقط، وهو أبطأ مما كان عليه خلال السنوات الخمس الأولى من أزمة الديون في أمريكا اللاتينية (1981-1985) والخمس سنوات التي تلت الأزمة المالية الآسيوية لعام 1997 (1998-2002). يمكننا القول إن أمريكا اللاتينية عانت من «نصف عقد ضائع».

وفي حين حققت بعض الاقتصادات الصغيرة معدلات نمو سنوية تتجاوز 4 في المئة - ولاسيما بنما والجمهورية الدومينيكية، وبدرجة أقل بوليفيا وباراغواي - فقد واجهت الاقتصادات الأكبر في أمريكا اللاتينية العديد من المشكلات.

لم تشهد فنزويلا، على وجه الخصوص، أسوأ انهيار اقتصادي حاد في أمريكا اللاتينية في التاريخ فحسب، بل عانت أيضاً من الارتفاع الصاروخي لمعدل التضخم والذي يزداد بشكل غير مفهوم. (وقد عانت اقتصادات أخرى في أمريكا اللاتينية من التضخم المفرط في الماضي).

وبالمثل، واجهت الأرجنتين هذا العام انخفاضات حادة بقيمة العملة المحلية «البيزو»، وارتفاعات حادة في معدلات التضخم، واضطرت إلى ضمان إنقاذ مالي لصندوق النقد الدولي بلغت قيمته الإجمالية أكثر من 57 مليار دولار - وهو أكبر مبلغ أنفقه صندوق النقد الدولي على الإطلاق - لمساعدته على تعزيز موارده المالية. وفي السنوات الخمس الأخيرة، سجلت البرازيل أسوأ ركود اقتصادي في تاريخها. وقد حافظت المكسيك، من جانبها، على سجل نمو متوسط لعقود عدة.

وعانت شيلي وكولومبيا من بطء النمو الاقتصادي على مدى السنوات الخمس الماضية. وبالمثل، لم تستطع بيرو استعادة النمو القوي.

والخبر السار هو أن الإمكانيات الاقتصادية لأميركا اللاتينية تتحسن على ما يبدو، على الرغم من أن الانتعاش سيكون بطيئاً. وتوقعت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي في الآونة الأخيرة معدل نمو يبلغ 1.7٪ لعام 2019، أي نصف نقطة مئوية أقل مما توقعه صندوق النقد الدولي قبل شهرين فقط.

ورغم أن الاقتصاد البرازيلي أظهر أخيراً علامات انتعاش بعد «أسوأ ركود في التاريخ الحديث»، فإنه يواجه العديد من التحديات المقبلة، ولا يزال بحاجة إلى معالجة بعض الاختلالات في الاقتصاد الكلي، في حين سيظل النمو المكسيكي بطيئاً. في كلا البلدين، تخلق التغيرات السياسية الرئيسية المصاحبة لانتخاب الرؤساء الجدد حالة من عدم اليقين.

إن الاقتصادات الكبيرة والمتوسطة الحجم التي ستحقق أفضل النتائج هي بيرو وكولومبيا وتشيلي - ربما بالترتيب نفسه - على الرغم من أن معدلات نموها ستظل أقل بكثير مما كانت عليه خلال فترة ازدهار السلع ما بين عامي 2004 و2013. ويبقى أداء الأرجنتين، التي تعاني من ركود مستمر، وفنزويلا، التي لا تبذل أي جهود للخروج من أزمتها في أي وقت قريب، هو الأسوأ.

ويعزى ضعف انتعاش أميركا اللاتينية جزئياً إلى بيئة دولية غير داعمة. وتعرف البلدان المتقدمة الرئيسية تباطؤا في النمو الاقتصادي. وعلاوة على ذلك، من المحتمل أن تنعكس عواقب صعود النزعة الحمائية، والحرب التجارية المتصاعدة بين الولايات المتحدة والصين، على أميركا اللاتينية بالدرجة الأولى عن طريق تحويل التجارة.

والأسوأ من ذلك، انخفضت أسعار السلع الأولية مرة أخرى في الأشهر الأخيرة، بعد ما شهدت تعافياً في عام 2016 عقب انهيارها في السنوات السابقة. وقد تراجعت أسعار النفط في أكتوبر، بعد ارتفاعها الشديد، واستمر هذا الانخفاض منذ ذلك الحين.

في الواقع، تباطأت التدفقات الرأسمالية للمحفظة المالية، في حين زادت تكاليفها بسبب ارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة - وهو اتجاه من المرجح أن يستمر - زيادة المخاطر. لحسن الحظ، لا توجد مؤشرات على «التوقف المفاجئ» في التمويل الخارجي، مما أدى إلى كارثة خلال أزمة الديون في الثمانينيات وبعد الأزمة المالية الآسيوية عام 1997.

يكمن الحل لعلاج المشكلات الاقتصادية للبلدان الأمييركية اللاتينية في الإصلاحات العميقة، وليس بالضرورة إصلاحات السوق، والتي لها سجل ضعيف نسبياً في توليد النمو السريع في العقود الأخيرة. في 1950-1980، عندما شهدت أميركا اللاتينية التصنيع السريع، كان متوسط معدل نموها يبلغ 5.5٪ سنوياً. ومع ذلك، فمنذ عام 1990 - بعد أزمة الديون في الثمانينيات - تمكنت المنطقة من تحقيق نمو سنوي بنسبة 2.8٪ فقط.

ويعتبر تراجع التصنيع السريع والمبكر الذي مرت به أميركا اللاتينية منذ الثمانينيات سبباً رئيسياً وراء ذلك. وبالفعل، عرفت البرازيل والمكسيك تباطؤاً حاداً طويل الأجل، وهما أكبر اقتصادين في المنطقة.

ونتيجة لذلك، ينبغي لأميركا اللاتينية متابعة الإصلاحات التي تدعم قطاع التصنيع، حتى مع استمرارها في استغلال ميزتها النسبية القوية في الموارد الطبيعية - وهي الميزة التي ساهمت في تعزيز العلاقات الوثيقة مع الصين بشكل متزايد. ووفقاً لبنك أميركا اللاتينية للتنمية، ينبغي أن تشمل هذه الإصلاحات زيادة الاستثمار في الهياكل الأساسية، والتي تبلغ في الوقت الجاري نحو نصف ما تحتاجه المنطقة.

في وقت يتسم بالتغير التكنولوجي السريع، تحتاج أميركا اللاتينية أيضاً إلى الاستثمار أكثر في البحث والتطوير. تشير تقارير اليونسكو إلى أن المنطقة لا تنفق سوى حوالي 0.7٪ من الناتج المحلي الإجمالي على البحث والتطوير، مقارنة بـ 2.1٪ في شرق آسيا و2.4٪ في دول منظمة التعاون الاقتصادي ذات الدخل المرتفع (OECD).

أخيراً، يجب على أميركا اللاتينية تعزيز عمليات التكامل الإقليمي الخاصة بها. من المؤكد أنه تم إحراز بعض النتائج الإيجابية، لاسيما فيما يتعلق بتحالف المحيط الهادئ (مع تشيلي وكولومبيا والمكسيك وبيرو كأعضاء كاملين).

كما حقق التكامل في أميركا الوسطى تقدماً ملحوظاً. لكن أكبر مشروعين للتكامل في أميركا الجنوبية - جماعة دول الكاريبي «ميركوسور» وجماعة دول الأنديز - لم يتمكنا من تعزيز العلاقات السياسية بين أعضائهما.

وباتباع النهج الصحيح،

خوسيه أنطونيو أوكامبو - عضو مجلس إدارة مصرف بانكو دي لا ريبوبليكا، وهو البنك المركزي الكولومبي، وأستاذ في جامعة كولومبيا، ورئيس لجنة السياسات الإنمائية التابعة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة.

 

Email