التصالح مع الماضي ونقاش الهوية

ت + ت - الحجم الطبيعي

تدور الآن في المانيا مناقشة أكثر عمقاً للقضية التي اثيرت في وجه حزب العمال البريطاني مؤخرا بتهمة معاداة السامية، والأمر الأكثر إثارة للقلق والانزعاج هو أن المبادئ الأساسية للتصالح مع الماضي ــ المشروع الجمعي المتمثل في التصالح مع ماضي البلاد في فترة الحرب العالمية الثانية ــ بدأت تتحول.

كان اكتساب هذه المحاسبة التاريخية أمراً بالغ الصعوبة. فخلال فترة ما بعد الحرب المبكرة، مرَّت ألمانيا بمراحل مختلفة من الإنكار بشأن الأهوال التي ارتكبت أثناء الحكم النازي. ولكن في عام 1968، اندلعت حرب ثقافية بين الأجيال، حيث واجه أبناء النازية مسؤوليات الآباء ــ وهو ما بلغ ذروته في التجاوزات العنيفة التي ارتكبها فصيل الجيش الأحمر.

وفي فترة ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين، مع استمرار تراكم الدراسات التاريخية التي توثق الجرائم التي ارتكبها النظام النازي، توصلت المؤسسة السياسية الألمانية إلى إجماع مفاده أن الذنب التاريخي والمسؤولية التي تتحملها ألمانيا لابد أن تشكل جزءاً أساسيا من قصتها الوطنية.

الآن، يتحدى اتجاهان متوازيان التصالح مع الماضي في ألمانيا. فأولاً، انتقال الماضي من الذاكرة إلى التاريخ. وثانياً، يشكل المهاجرون من دول متعددة الآن نسبة متزايدة من السكان. وأعضاء هذه المجموعة لا تربطهم صلات شخصية بالماضي. لهذا فإن الواقع أن كثيرين ممن كانوا يراقبون من بعيد ــ أو حتى من داخل ألمانيا ــ يستمعون إلى أصداء من ثلاثينيات القرن العشرين.

وبينما تواجه ألمانيا مناقشات متزايدة التعقيد بشأن هويتها، يتعين على أهل النخبة في البلاد أن يتبنوا هذه الفلسفة، وأن يبذلوا المزيد من الجهد لتشجيع الحوار داخل مجتمع متنوع على نحو متزايد. والمشكلة الناشئة عن سياسات الهوية اليوم ليست معاداة السامية فحسب، بل العنصرية بشكل عام.

* مدير المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية.

Email