الاستثمار الأجنبي في مجموعة الـ 20

ت + ت - الحجم الطبيعي

بينما تركز معظم دول العالم اهتمامها على الضرر الاقتصادي الذي سببته الحروب التجارية للرئيس الأميركي دونالد ترامب، يتعرض توءم التجارة العالمية، الاستثمار الأجنبي المباشر، لإهمال كبير. ورغم أن معدل تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر وصل إلى 1.43 ترليون دولار في عام 2017، إضافة إلى مبلغ 28 ترليون دولار كان قد استثمر آنذاك، تبقى كيفية تدبير هذا التدفق أمراً مهماً.

إن الاستثمار الدولي أصبح مصدراً مهماً للتمويل الخارجي بالنسبة للعديد من الدول. وبالنسبة للدول النامية على الخصوص، يمكن للاستثمار الأجنبي المباشر أن يتجاوز المساعدة الإنمائية الرسمية بهوامش عريضة. ولكن إذا كان الاستثمار الأجنبي المباشر سيسهم بالفعل في النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة، يجب أن يرتفع معدل هذا التدفق. ولكي يحدث هذا، ينبغي على سياسات الاستثمار الدولية أن تكون أكثر تناسقاً. ونؤمن أن مجموعة الـ 20 هي أحسن منتدى لتسهيل هذه العملية.

ويعد إطار عمل الاستثمار الأجنبي المباشر، المكون مما يزيد عن 3000 اتفاقية تطبعها الفوضى، غير كافٍ للوصول إلى المستوى المطلوب لبلوغ أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة لعام 2030. فعلى سبيل المثال، تشجع بعض اقتصادات العالم الكبرى شركاتها الوطنية على إعادة خدماتها إلى الوطن والاستثمار على المستوى المحلي أكثر. كما أن العديد من الدول تشدد رقابتها على الاستثمار الأجنبي المباشر الوافد، إذ تقوم بتطبيق إجراءات فرز أكثر صرامة لعمليات الدمج والشراء، وتطلب الدخول إلى أسواق الدول مقابل استثمار هذه الأخيرة في أسواقها.

وعلاوة على ذلك، أحبط ارتفاع الخلافات التي اشتكى منها المستثمرون الخارجيون ضد الدول المستقبلة المجهودات المبذولة لتطوير ميكانيزمات تسوية النزاعات، حيث انسحبت بعض الدول من التحكيم العالمي بشكل جماعي. وإذا لم تتغير هذه الاستراتيجية، فستكون النتيجة انخفاضاً في تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر، أو ربما اندلاع «حروب الاستثمار» من جراء التقنين المبالغ فيه للاتفاقيات الاستثمار الأجنبي. إن الزيادة من تدفق الاستثمار أمر ضروري لتحقيق أهداف التنمية العالمية، والأمر الأقل وضوحاً هو كيف يمكن تحقيق هذا التدفق؟.

وبخلاف نظام التجارة العالمية، لا يتوفر نظام الاستثمار الدولي حالياً على منظمة متعددة الأطراف لتسهيل وضع القوانين أو الإشراف على تطوير السياسات أو الحكم في الخلافات. لكن يمكن تأسيس واحدة، ومجموعة الـ 20 ستكون نقطة البداية. وعلى الأقل، ستكون مجموعة الـ 20 قادرة على منح المستوى المناسب من الإرشاد للمساعدة في تطوير سياسة الاستثمار الأجنبي المباشر.

ويسهم أعضاء مجموعة الـ 20 بثلثي التدفقات الخارجية للاستثمار الأجنبي المباشر، كما أنهم يشاركون في معظم معاهدات الاستثمار، سواء تعلق الأمر بالدول المتقدمة أو بالدول النامية. فمجموعة الـ 20 ليست منصة مهمة للحوار والتنسيق بشأن السياسات فقط، بل هي القاطرة المناسبة لقيادة الجهود المبذولة من أجل معالجة القضايا الرئيسة للاستثمار الدولي.

ومن المؤكد أن هذه الفكرة ليست بجديدة، فعلى سبيل المثال، خلال الفترة التي ترأست فيها الصين مجموعة الـ 20 في عام 2016، اعتمدت مجموعة الـ 20 مبادئ الإرشاد من أجل وضع سياسات الاستثمار العالمي. وصممت هذه السلسلة المكونة من تسع عناوين للنهوض ببيئة تسييسية منفتحة وشفافة ومشجعة للاستثمار، وفي الوقت نفسه دعم الانسجام بين القوانين الوطنية والدولية.

وبالرغم من كل هذا، وكما ناقشنا في ملخص أخير بشأن السياسة لخلية تفكير قمة فكر الـ 20 التابعة لمجموعة الـ 20، فقد بدأ العمل بشأن هذه المسألة للتو. وفي الواقع، هناك على الأقل ثلاث خطوات إضافية يجب اتخاذها إذا أردنا أن تنجح الجهود المبذولة لتطوير نظام الاستثمار الدولي.

أولاً ينبغي على مجموعة الـ 20 أن تدعو مجموعات دولية أخرى لتحليل سياسات الاستثمار لضمان توافقها مع المبادئ التسعة للمجموعة. وعندما تظهر فجوات يجب تطوير استراتيجيات لسدها. وعلاوة على ذلك، للنهوض بالامتثال و اقتسام المعرفة، ورسم خارطة طريق للمفاوضة بشأن الاتفاقيات المستقبلية، ينبغي على مجموعة الـ 20 تسهيل شبكات التعلم الثنائي التي تربط الحكومات وواضعي القوانين المهتمين.

ثانياً ينبغي على مجموعة الـ 20 أن تشجع لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي «الأونسيترال»، والمركز الدولي لتسوية المنازعات الاستثمارية على تكثيف جهودهما لإصلاح الميكانيزمات التي تعتمدها لفض النزاعات لأن تسوية الخلافات هي مفتاح نجاح أي نظام استثماري. وينبغي أن تكون عملية تسوية النزاعات في منأى عن الانتقادات. ولضمان ذلك، ينبغي على مجموعة الـ 20 أن تتابع التقدم من خلال طلب عمليات التحديث بشكل منظم من الأونسيترال والمركز الدولي لتسوية المنازعات الدولية.

وأخيراً، ينبغي على مجموعة الـ 20 دعم محادثات منظمة التجارة العالمية بشأن تسهيل الاستثمار. وبالتحديد، ينبغي على مجموعة الـ 20 أن تؤكد ضرورة ملاءمة الاتفاقيات المستقبلية مع مبدأ «دولة الأعلى أفضلية» مع إعطاء الأولوية للاستثمار المباشر الأجنبي على حساب غيره من أشكال الاستثمار الأجنبي.

إن مجموعة الـ 20 قادرة على لعب دور القيادة في التصدي للمشكلات التي يعاني منها نظام الاستثمار الدولي. ولتحقيق ذلك، ينبغي على الدول التي تترأس مجموعة الـ 20 حالياً، التي ستترأسها في المستقبل، توفير مساحة لمناقشة استراتيجية وضع السياسات التي تمكن من اتخاذ المبادرات. ويمكن للاستثمار الدولي تجنب التوترات التي تحيط الآن بالتجارة العالمية، لكن فقط إذا حظيت العملية بالاهتمام الذي تحتاجه.

 

ــ  يشغل منصب باحث رفيع المستوى في معهد التنمية الألماني

ــ يشغل منصب زميل رفيع المستوى لدى مركز كولومبيا للاستثمار الدائم في جامعة كولومبيا

opinion@albayan.ae

Email