النزيف السوري المستمر

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

«ضربة تم تنفيذها بشكل رائع...لا يمكن أن تكون هناك نتيجة أفضل. المهمة تمت بنجاح». هذا ما كتبه الرئيس الأميركي دونالد ترامب في تغريدة بعد ساعات فقط من الهجوم الذي شنته الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، عن طريق إطلاق أكثر من مائة صاروخ باتجاه ثلاثة مواقع في سوريا، والتي يعتقد أنها منشآت لتصنيع المواد الكيميائية.

وكان هدف المهمة «التي تم تنفيذها» هو إثبات أن استخدام الأسلحة الكيميائية سيكون مكلفاً للغاية بالنسبة للمسؤولين عن ذلك. ومن الناحية المثالية، من شأن ضربات عقابية كهذه أن تمنع الحكومة السورية، أو أية دولة أخرى، من استخدام الأسلحة الكيميائية مرة أخرى في انتهاك «لاتفاقية الأسلحة الكيميائية».

ومع ذلك، ليس من الواضح إن كان الرئيس ترامب قد حقق هذا التأثير الرادع. وقد أخفق الهجوم الطفيف في العام الماضي إلى حد ما في تغيير السلوك السوري، ومن غير المحتمل أن يؤدي الهجوم الأخير إلى تحقيق هذه الغاية. ما حقّقته حكومة بشار الأسد بالأسلحة الكيماوية - السيطرة على المناطق التي يسيطر عليها المتمردون في دوما والغوطة الشرقية - يفوق الثمن الذي دفعته. وليس هناك شك في أن الحكومة السورية لا تزال تمتلك أسلحة كيميائية ويمكنها إنتاجها سراً إذا لزم الأمر.

إن الإجراءات العسكرية لإجبار البلد على الامتثال للمعايير الدولية التي تحظر استخدام الأسلحة الكيميائية مشروعة ومرحب بها، وكذلك قرار تنسيق الاستجابة مع الحلفاء والتهديد بشن ضربات جديدة إذا تم استخدام الأسلحة الكيميائية مرة أخرى. من المهم الإشارة إلى أن معارضة استخدام أي سلاح من أسلحة الدمار الشامل عميقة وواسعة.

وفي الوقت نفسه، يبدو أن الولايات المتحدة بذلت جهودًا ملحوظة لتجنب صراع مع القوات الروسية والإيرانية. وقد قلل ذلك من خطر التصعيد، لكنه استبعد أيضًا العديد من الأهداف المحتملة، مما حد من السعر الذي دفعته الحكومة السورية مقابل أعمالها. لهذا السبب ولعدة أسباب أخرى، لا ينبغي المبالغة في نتائج هذه الهجمات الصاروخية.

يمكن للحكومة السورية أن تفسر السياسة الأميركية بشكل معقول على النحو التالي: «سوف نقف مكتوفي الأيدي ولن نقوم بشن أي هجوم رغم قيامكم بإرهاب أو قتل شعبكم طالما أنكم لا تستخدمون الأسلحة الكيماوية». في الواقع، كان هذا هو الحال في السبع سنوات الأخيرة، عندما قُتل ما يقرب من نصف مليون سوري، وأجبر أكثر من عشرة ملايين على مغادرة منازلهم. إن سياسة ترامب الخارجية ليست سيئة بقدر ما هي غير أخلاقية.

ومن المؤكد أن الضربات الصاروخية لم تكن مصممة لتقويض إمكانيات نظام الأسد على المدى الطويل. وبسبب دعم روسيا وإيران إلى حد كبير، يسيطر الأسد بقوة على السلطة، ومن المرجح أن يظل كذلك في المستقبل المنظور. هذا واقع مرير بالنسبة للكثيرين، لكنها الحقيقة.

كيف سيؤثر ذلك على سياسة الولايات المتحدة، وسياسة الحكومات الفرنسية والبريطانية والحكومات العربية المناهضة للأسد؟ لا يزال الرئيس ترامب مصمماً على إيقاف الوجود العسكري الأميركي في سوريا (الذي يبلغ الآن حوالي 2000 جندي). لقد أوضح ذلك عندما أعلن عن الضربات الصاروخية حيث قال «إن أميركا لا تسعى إلى تواجد دائم في سوريا تحت أي ظرف من الظروف». «مع قيام الدول الأخرى بزيادة مساهماتها، فإننا نتطلع إلى اليوم الذي يمكننا فيه إعادة محاربينا إلى الوطن».

إذا كان الهدف هو تجنب خلق وضع يمكن فيه لتنظيم (داعش) أو غيره من الجماعات الإرهابية إعادة تشكيل نفسها، فإن ذلك اليوم يظل بعيداً، وسيكون هناك حاجة إلى وجود المزيد من القوات الأميركية للحفاظ على التنسيق مع القوات الكردية السورية، التي خاضت المعركة ضد داعش. لكن استمرار دعم الأكراد دون التسبب بمشاكل إضافية مع تركيا، التي أدخلت قواتها إلى المنطقة لإضعاف السيطرة الكردية، قد يكون مستحيلاً. وتتطلب هذه الحقيقة تقليل اعتماد الجيش الأميركي على الوصول إلى القواعد التركية.

لم يقل الرئيس ترامب شيئاً عن أزمة السوريين النازحين داخلياً. لم تقبل أميركا، التي استضافت أكثر من 10.000 لاجئ سوري قبل عامين، سوى عدد قليل من اللاجئين العام الماضي. وما زالت مسألة من الذي يجب أن يدفع، وإلى أي مدى، لدعم اللاجئين السوريين والدول المجاورة التي قامت باستضافتهم، بلا حل.

يتعلق السؤال الأخير بالدبلوماسية. لا توجد توقعات واقعية لتنظيم عملية الانتقال السياسي في دمشق، لكن من الممكن التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار المحلي وإنشاء مناطق يمكن أن يعيش فيها المدنيون السوريون (لكن ليس القوات الحكومية) بشكل آمن. ومع ذلك، فإن مثل هذه الترتيبات من المحتمل أن تتطلب مشاركة ودعم من روسيا للحفاظ على حكومتي سوريا وإيران في المفاوضات. لقد تصرفت روسيا بشكل غير مسؤول في الآونة الأخيرة، لكن لا تزال هناك أمامها فرصة اختيار تقديم مساعدة محدودة، على الأقل من أجل خفض تكاليف سياستها السورية.

لكن هذا ليس هو الحل، من المرجح أن تظل سوريا دولة منهارة لسنوات قادمة، مع حكومة غير شرعية تسيطر على معظم أراضي الدولة وليس كلها. لكن الحد من العنف وتحسين وضع بعض السوريين على الأقل قد يكون ممكناً إذا لم تقم الولايات المتحدة بسحب قواتها، وإذا تم إقناع روسيا بلعب دور أكثر إيجابية نوعاً ما.

* رئيس مجلس العلاقات الخارجية ومؤلف كتاب «العالم في فوضى»

Ⅶريتشارد ن. هاس*

Email