تفهم الأسواق المالية

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

تولى تقرير وزارة الخزانة الأميركية، فحص إمكانية الاستعاضة عن عملية حل البنوك الضخمة المفلسة، بقيادة الهيئة التنظيمية، في إطار قانون دود-فرانك ــ سلطة التصفية المنظمة، بآلية تقوم على المحاكم فقط. وقد أجريت دراسة وزارة الخزانة، بموجب تعليمات من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي كان بإصدار هذه التعليمات، يستجيب للضغوط من العديد من القادة الجمهوريين في الكونغرس، مثل النائب جيب هينزارلينغ من ولاية تكساس، ورئيس لجنة الخدمات المالية في مجلس النواب، الذي يدعو إلى الاستعاضة عن الهيئات التنظيمية بالمحاكم.

في النهاية، وفي حين أشادت وزارة الخزانة بفضائل الإفلاس الأساسي للبنوك الفاشلة، فإنها رفضت إلغاء صلاحيات الهيئات التنظيمية في ما يتصل بإعادة هيكلة البنوك. وقد أعرب هينزارلينغ عن خيبة أمله العميقة إزاء النتيجة التي توصلت إليها وزارة الخزانة، ويواصل هو وزملاؤه الإصرار على أن قانون دود-فرانك، مثال للتدخل غير اللائق من قِبَل الحكومة، والذي يؤدي إلى زيادة مخاطر عمليات الإنقاذ الممولة بأموال دافعي الضرائب.

ولكن كما أدركت الخزانة، فإن إلغاء الهيئات التنظيمية اقتراح مثير لإشكاليات عظيمة. ذلك أن إعادة هيكلة البنوك في أوقات الأزمات، يتطلب التخطيط، والتعرف إلى مواطن القوة ونقاط الضعف في البنك، ومعرفة أفضل توقيت لعملية الإفلاس في اقتصاد متقلب، والقدرة على التنسيق مع الهيئات التنظيمية الأجنبية. ولا تستطيع المحاكم الاضطلاع بهذه المهام، وخاصة ليس في وقت مخصص حالياً لإفلاس البنوك، عطلة نهاية الأسبوع، في غياب تخطيط مسبق من قِبَل الهيئات التنظيمية ومشورتها الفورية، فضلاً عن التنسيق الدولي.

علاوة على ذلك، إذا غرقت بنوك ضخمة متعددة في وقت واحد، لن تتمكن محاكم الإفلاس من إدارة الأزمة التي ستلي ذلك على مستوى الاقتصاد بالكامل. فهي تفتقر إلى التدريب اللازم لابتكار خطة تعافي على المستوى الوطني. وهي ليست في وضع يسمح لها بتنسيق الإجراءات مع الهيئات التنظيمية الأجنبية.

نظراً لكل هذا، فإن إلغاء إعادة الهيكلة بقيادة الهيئات التنظيمية، يرقى إلى خطوة كبيرة إلى الوراء. وعلى هذا، فإن تقرير الخزانة يُعَد خبراً ساراً، خاصة أنه في غياب الدعم من قِبَل وزارة الخزانة، ربما يتوقف مجلس النواب عن الدفع في اتجاه التغيير.

غير أن المطبوعة الثانية الحديثة، التي أعدها عدد من خبراء الاقتصاد في بنك الاحتياطي الفيدرالي، فتقترح أن قدراً كبيراً من العمل يظل مطلوباً. ويتلخص استنتاج التقرير الرئيس في أن التخطيط لإعادة الهيكلة، لم ينعكس بعد في تسعير السوق لسندات البنوك.

بعد الأزمة، خلصت دراسات أجراها عاملون في صندوق النقد الدولي وغيرهم، إلى أن البنوك في احتياج إلى قدر أكبر كثيراً من الأسهم القادرة على استيعاب الخسائر. وفي عام 2009، كانت خمسة سنتات فقط من كل دولار، لتمويل العديد من البنوك، تأتي من الأسهم، وكانت البقية تأتي من الاستدانة (الودائع، والقروض لليلة واحدة، والقروض الطويلة الأجل). وعلى هذا، فإذا خسر البنك ستة سنتات في عملياته لكل دولار من الدين، فلن يكون في الإمكان السداد لبعض الدائنين بشكل كامل، فوفقاً لدارسة صندوق النقد الدولي، ربما كانت أغلب البنوك لتتمكن من الصمود في وجه الأزمة، لو كانت 15 سنتاً من كل دولار من تمويلها في هيئة أسهم. ومع ذلك، لا تزال البنوك تحتفظ بنحو ثمانية أو تسعة سنتات فقط لكل دولار من التمويل في هيئة أسهم .

سعت الهيئات التنظيمية والمصرفيون إلى إيجاد أرضية مشتركة لتعزيز السلامة. وبالإضافة إلى السنتات الثمانية من الأسهم التي تحتفظ بها، تسعى البنوك الآن إلى الاحتفاظ بثمانية سنتات لكل دولار من الدين، الذي يمكن تحويله إلى أسهم في غضون عطلة نهاية الأسبوع. وفي مثل هذا السيناريو، يستطيع البنك المتضرر أن يستوعب قدراً أكبر من الخسائر، ويظل عاملاً، وهذا كفيل بالحد من الحافز الذي قد يدفع الدائنين لاسترداد الودائع.

لكن الأمر لا يخلو من عقبة محتملة. فبموجب الخطة الحالية، يجري تعيين دائنين بعينهم مقدماً لاستيعاب خسائر البنك المفلس، بمجرد محو الأسهم. وبالتالي، تُصبِح الديون المستحقة لأولئك الدائنين أكثر خطورة، وينبغي أن تكون أكثر تكلفة للبنك من الديون غير المخصصة لتحويلها إلى أسهم. ومع ذلك، خلص خبراء الاقتصاد في بنك الاحتياطي الفيدرالي، إلى أن هذه ليست الحال في السوق. ولكن لماذا؟.

الاحتمال الأول متفائل نوعاً ما: فالأسواق المالية لا تعتقد في إمكانية حدوث أزمة مالية أخرى خلال عمر الدين الحالي. ولكن هل من الممكن أن تعتقد الأسواق حقاً، أن احتمالات اندلاع أزمة في العقد المقبل لا تتجاوز الصِفر؟، الواقع أن المخاطر المتمثلة في نشوب حرب تجارية أو أزمة مالية على سبيل المثال «عندما يتم الوصول إلى مستوى العجز المتوقع بتريليون دولار»، حقيقية وواضحة، ويجري تسعيرها بواسطة أسواق الأسهم المتقلبة.

ويتمثل احتمال آخر محايد، في أن الأسواق لا تسعر الأنماط المختلفة من الدين بشكل مختلف، لأنها لا تفهم أن الخطة تنطوي على إصابة بعض الدائنين بقدر أكبر من القوة، والإبقاء على آخرين آمنين. بيد أن هذا أيضاً غير مرجح، لأن الخطة حظيت بدعاية جيدة في الدوائر المالية، كما أن وكالات التصنيف، مثل موديز، تحتسب الديون القادرة على استيعاب الخسارة، باعتبارها أكثر خطورة من ديون البنوك العادية.

أما التفسير الثالث، فهو أكثر شؤماً. فربما تتفهم الأسواق المالية هذه الخطط، لكنها لا تجدها جديرة بالثقة حتى الآن. إن إعادة هيكلة البنوك الضخمة خلال عطلة نهاية الأسبوع، أمر لم يسبق تجربته من قَبل قَط، ولا يزال المعلقون يرون عقبات محتملة، لا بد من التغلب عليها. وربما يفترض المستثمرون المطلعون، أن البنوك والحكومة، في نهاية المطاف، لن تتعامل مع الدائنين القادرين على تحمل الخسائر، على نحو يختلف عن تعاملها مع غيرهم. فإما أن يسقط الجميع، أو يُنقَذ الجميع.

إذا كان هذا هو السبب، فإنه أمر مخيب للآمال، نظراً لمقدار الجهد المبذول لتطوير آليات إعادة الهيكلة التي تقودها الهيئات التنظيمية، والأخرى التي تقودها المحاكم.

* أستاذ في كلية الحقوق في جامعة هارفارد

Ⅶمارك رو*

Email