التنقل يقلص الفجوة بين الثقافات ويعزز وحدة الحضارة البشرية

يعد التنقل محوراً من المحاور الثلاثة الرئيسة لـ«إكسبو 2020 دبي»، وذلك للدور الذي لعبه التنقل عبر التاريخ في نهضة الحضارة الإنسانية، والدور الرائد الذي يلعبه في الوقت الحاضر مع تطور أشكال التنقل توازياً مع ثورة التكنولوجيا التي يعيشها العالم. مع تطور وسائل التنقل، وفي ظل ثورة الاتصالات التي شهدها العالم تدريجياً بعد ذلك، لم يقتصر التنقل والتلاقي الثقافي على شريحة محدودة من الصفوة، مثل التجار وقادة الجيوش وغيرهم؛ ذلك أن العالم صار أكثر تداخلاً، بما قلص الفجوة بين الشعوب، وكسر صوراً نمطية سائدة في بعض الأحيان عن تلك الشعوب والثقافات وحتى الأديان والمعتقدات البعيدة.

كما لعبت الثورة التكنولوجية والتقنية ووسائل الاتصال الحديثة الدور الأكبر في تذليل عقبات التواصل، ونجحت في المساهمة بفعالية في تقريب البشر، وتعزيز التقارب الثقافي، وتسليط الضوء على مفاهيم التسامح ونبذ الأفكار الاستعلائية إزاء الآخر.. وفي موازاة الثورة التقنية وتوسع وسائل التنقل، فإن ثمة تأثيرات جانبية أيضاً لا تزال يشهدها عالم التنقل الخارق بأحدث الوسائل، يسعى العالم للتغلب عليها.

انفتاح ثقافي

استاذة علم الاجتماع بجامعة الأزهر بالقاهرة، الدكتورة جيهان النمرسي، تتحدث في تصريحات خاصة لـ «البيان» عن تأثير ثورة التنقل والاتصال والانفتاح الواسع حول العالم، مستهلة حديثها بالإشارة إلى أن «التنقل حول العالم بدأ منذ القدم إدراكاً لطبيعة الضرورات الملحة التي تحتم الانفتاح وتبادل الثقافات والعلوم وشتى الجوانب، مع الاختلافات الواسعة بين الدول والمجموعات».

وقالت: «البشر يسعون إلى الأجدد، والإطلاع على ثقافات الغير والاستفادة منها، لا سيما في القطاعات الأكثر تأثيراً وارتباطاً بحياة الناس، ومنها العلوم، فقد مكّن التنقل والتواصل بين البشر من تبادل العلوم والثقافات والوصول إلى المعلومات والأبحاث الطبية المختلفة، وصار الأمر أسهل مع تطور وسائل التواصل والتنقل والثورة التقنية الهائلة». ولفتت إلى تجارب مُهمة في سياق التنقل بين شعوب العالم، والتي تعتمد أساساً على تبادل الثقافات والانفتاح على الآخرين ونقل العلوم المختلفة، ذلك أن عديداً من الدول حول العالم تحرص على استقبال بعثات علمية وتقديم منح دراسية لدراسة ثقافات الشعوب والعلوم المختلفة.

وأوضحت أن «بعض الدول تعلن عن منح للطلاب ولباحثي الماجستير والدكتوراه، للاستفادة من الانفتاح الثقافي والعلمي.. وهذا وجه مهم من أوجه التنقل والتواصل وتلاقي الثقافات وتواصلها»، ضاربة المثل بمصر التي تستضيف على أراضيها جنسيات مختلفة عدة من الأشقاء من دول عربية، ودول أفريقية، سواء للدراسة والعمل وحتى اللاجئين، وهي فرصة للتلاقي الحضاري والثقافي والعلمي وتبادل الخبرات وتقارب الشعوب.

وتشير أستاذة علم الاجتماع، إلى أنه «في عصر التكنولوجيا والتقدم التقني الهائل، صار التواصل والتنقل أسهل (أون لاين)، ومن خلال عديد من المنصات، ويستطيع الناس الحصول على المعلومة بسهولة، ما يدعم ويعزز الانفتاح الثقافي.. بضغطة ذر واحدة يمكن التعرف إلى حضارات وثقافات شعوب مختلفة».

وألمحت بموازاة ذلك عن ما وصفته بـ «الثقافة المختلطة والمنتشرة» التي أسهم التقدم العلمي والتكنولوجي في إثرائها، بالإشارة إلى دور وسائل الاتصال والتنقل الحديثة في تذليل الفجوات بين الشعوب والثقافات المختلفة، وخلق ثقافة عامة لها إيجابيات عدة من بينها «زيادة الوعي والإدراك والحصول على المعلومة بسهولة، والتوسع العلمي والثقافي المُطور لشخصية الفرد، الذي يجد نفسه أمام فرص أوسع وأكبر في ظل سهولة الانتشار».

من الإيجابيات في ذلك الصدد أيضاً تأثير ذلك على الدول ذاتها اقتصادياً، لجهة تمكن تلك الدول من الترويج لنفسها وإثبات هويتها والترويج لثقافتها، مع تعزيز مفاهيم مختلفة حول الثقافات المتعددة حول العالم وتقبلها، فضلاً عن الترويج السياحي. وأردفت: «يخلق التواصل والتنقل فرصة لزيادة وعي الفرد، الذي يقوم بدوره بنقل ثقافته للآخرين، وهي رسالة يحملها من أجل نشر المعرفة».

وتناولت أستاذة علم الاجتماع في السياق ذاته تأثير التنقل ووسائل التواصل الحديثة في شيوع ونشر العادات والتقاليد والفنون المختلفة، قائلة «نرى على سبيل المثال انتشار رقصات من ثقافات مختلفة، والرقص الشعبي، والفلكلور، وغير ذلك، حيث ينجح التواصل في نقل الفنون، ويبرز ذلك أيضاً عن طريق الدراما والسينما والمسرح وغير ذلك.. كجزء من عملية نقل الثقافات التي أتاحها التنقل والتواصل». لكنها في الوقت نفسه ذكرت سلبيات لا يزال يواجهها عالم التواصل الخارق، من بينها انتشار عادات ومفاهيم لا تناسب المجتمع وقيمه وعاداته وتقاليده في بعض الأحيان.

الأكثر مشاركة