96.5 مليار دولار حجم السوق 2029 والإمارات من أوائل الدول في تطبيقاتها

التوائم الرقمية.. إمكانات بلا حدود

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

بزغ حديثاً مفهوم «التوائم الرقمية» والتي تعرف بأنها نسخة إلكترونية مطابقة لكائن حي أو آلة أو أجزاء منهما، ويتم ربط الجسم الحقيقي مع نسخته الافتراضية بطريقة تسمح بنقل البيانات بينهما، وبذلك يتم الحصول على نسخة تستجيب للعوامل الخارجية وتتفاعل معها بطريقة مطابقة لما يقوم به الأصل، وهي تقنية جديدة أجمع الخبراء على أنها توفر إمكانات بلا حدود.

توقع تقرير لشركة «فورتشن بيزنس إنسايتس» نمو حجم السوق العالمية للتوائم الرقمية من 6.75 مليارات دولار في عام 2021 إلى 96.5 مليار دولار بحلول عام 2029، بنمو سنوي مركب بنسبة 40% خلال تلك الفترة. ويؤكد خبراء أن إمكانات التوائم الرقمية بلا حدود، لافتين إلى أن الإمارات من أوائل الدول على مستوى العالم في استكشاف وتجربة الفرص التي تحملها هذه التقنية التي تعتمد على إدارة البيانات متعددة المصادر وتحليلات البيانات الضخمة للمواقع وتصورات البيانات، والاستفادة من البيانات الفعلية المسجلة من أجهزة أو أنظمة مادية كمدخلات، لتوفير توقعات أو عمليات محاكاة الأجهزة للوقوف بشكل دقيق على كيفية تأثير الظروف المتغيرة على الأجهزة أو النظم المادية.

رؤى

ويقول الخبراء: إن نمو تقنية التوأمة الرقمية بفضل قدرتها على توليد الرؤى اللازمة لجعل المنتجات أفضل والعمليات أكثر كفاءة يؤدي بشكل تدريجي إلى تلاشي نماذج التشغيل التقليدية. وقد حققت تقنية التوأمة الرقمية طفرة كبيرة في السنوات الأخيرة، حيث استفاد منها عدد كبير من الشركات في العديد من القطاعات من إمكانيات هذه التكنولوجيا في الصناعة في ثلاثة مجالات رئيسية تتضمن أولاً، تصميم منتجات جديدة عن طريق خلق منتج جديد في العالم الافتراضي لمعرفة كيفية أدائه في ظل ظروف مختلفة قبل إنشاء نموذج أولي في العالم الحقيقي. وثانياً، تستخدم التوائم الرقمية في عمليات تخطيط الإنتاج التي تتضمن مراقبة عملية الإنتاج في ورش العمل قبل البدء في الإنتاج. وثالثاً، تحسين الأداء في المصانع والمنتجات الذكية التي تنتج البيانات، وتحليل تلك البيانات لتحسين الأداء التشغيلي.

وتزامناً مع مساهمة التحول الرقمي في إعادة رسم ملامح العالم على مدار سنوات، يؤكد خبراء نمو الطلب على التوائم الرقمية وخدماتها الداعمة كالسحابة وتحليل البيانات، وذلك في أغلبية القطاعات بدولة الإمارات، وذلك بالتزامن مع دخولنا حقبة جديدة من التحول الرقمي، خصوصاً مع رؤية ودعم حكومة الإمارات. ويبرز استخدام التوائم الرقمية في الإمارات بشكل بارز في ثلاثة قطاعات هي التصنيع والبناء والمرافق.

قطاع التصنيع

توفر التوائم الرقمية محاكاة لعملية الإنتاج في قطاع التصنيع، والتي يمكن تحسينها من خلال إجراء تعديلات على التوأم الرقمي لخط التصنيع، إذ يساهم في تعزيز موثوقية عملية الصيانة الاستباقية عن طريق مراقبة سلامة المعدات وتمكين الشركات من إجراء الإصلاحات اللازمة أو عملية الصيانة قبل وقوع المشكلات، ما يؤدي إلى تقليص فترات تعطل العمل.

قطاع البناء

وتساهم التوائم الرقمية في دعم عملية البناء وتوفير العديد من الفوائد عند استخدامها كأداة لإدارة الأصول بعد انتهاء عملية البناء. كما يمكن للتوائم الرقمية اختبار أنظمة السلامة في المباني من خلال توفير عمليات محاكاة لسيناريوهات الطوارئ، بالإضافة إلى دورها الرئيسي في إدارة المرافق وتقليل حالات التعطل غير المخطط لها التي قد تصيب الأصول، بواسطة تحسين مستويات الصيانة الاستباقية.

قطاع المرافق

وتعتمد شركات مرافق المياه على النماذج الافتراضية التي توفرها التوائم الرقمية لتحديد حالات التسرب بمنتهى السرعة، وبالتالي تقليل هدر المياه وتوفير الطاقة. كما يمكن لمزودي خدمات المرافق استخدام التوائم الرقمية لإجراء الصيانة الاستباقية باستخدام عمليات المحاكاة التي تعتمد على أدوات الذكاء الاصطناعي، بما يسهم في تحديد مواقع المشكلات وزمن ظهورها، ما يسهم في تقليل انقطاع إمدادات المياه.

وقال حسن الحوسني، الرئيس التنفيذي لشركة «بيانات» التابعة لشركة «جي 42» إن التطبيقات التجارية للتوائم الرقمية تنتشر اليوم في عددٍ من القطاعات، والتي تشهد بدورها إقبالاً متزايداً بسبب توجه الشركات نحو دمج البيانات الضخمة وإنترنت الأشياء في صميم عملياتها. وأفاد الحوسني أنه يجري حالياً استخدام التوائم الرقمية في دولة الإمارات. وأضاف: «نشرت شركة «بيانات»، المزود الرائد لخدمات التكنولوجيا في الإمارات، أنظمة التوائم الرقمية ونماذج الذكاء الاصطناعي لدعم مختلف التطبيقات، بما في ذلك الرقابة البيئية وإدارة سلاسل التوريد وتحليل الأرصاد الجوية وتحسين خدمات النقل وإدارة أصول الطرق».

وتعتمد شركة «بيانات» على منصة الذكاء المتعدد وتستفيد من إمكاناتها في التحليلات الجغرافية المكانية والبيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي، لإنشاء توائم رقمية للبنية التحتية والمباني تعمل على توفير بيانات تمثيلية افتراضية لأصول عملائها، مثل الهيئات الحكومية والمدن الذكية ما يتيح لهم تحسين عملية اتخاذ القرار وتبسيطها.

الصيانة الوقائية

ولفت الحوسني إلى أن حلول «بيانات» في مجال الصيانة الوقائية تعتمد على أدوات تعلم الآلة والتوائم الرقمية والتصورات الجغرافية المكانية وتقنيات المسح. وتساهم التحليلات الاستباقية التي تقدمها «بيانات» لدعم عملية اتخاذ القرارات المتعلقة بالصيانة، في تمكين عملائها من توفير التكاليف وتقليل فترات تعطل الأصول.

النقل

وحول دور التوائم الرقمية في دعم قطاع النقل، قال الحوسني: «تعتمد تقنياتنا المخصصة لاختبار الطرق على الذكاء الاصطناعي لتعزيز مستوى سلامة السيارات وكفاءتها وتطوير نماذجها الأولية. كما تستخدم عملية المحاكاة الافتراضية أدوات الحوسبة السحابية والتوائم الرقمية والذكاء الاصطناعي وتقنيات الخرائط عالية الدقة، لتوفير التحليلات المتعلقة بالسيارة وحلول القيادة وإجراء التحسينات اللازمة على مستوى السلامة والكفاءة. ويُعد استخدام التوأم الرقمي التابع لشركة «بيانات» ضرورياً لسير هذه العملية، لأنه يعمل على تزويد المركبة ذاتية القيادة ونظام إدارة الأسطول بالبيانات الضرورية لعملهما. وتجدر الإشارة إلى قدرة المركبات ذاتية القيادة على إدراك البيئة المحيطة والعمل من دون التدخل البشري، حيث تعتمد على خوارزميات التخطيط والبيانات الصادرة عن العديد من أجهزة الاستشعار المثبتة في المركبات، والتي تساعدها على تحديد مسار الطريق. وتعتمد التوائم الرقمية في شركة بيانات على التكنولوجيا الجغرافية المكانية والتخطيط ثلاثي الأبعاد عالي الدقة وأدوات إنترنت الأشياء، التي تعمل على ربط المعلومات والأنظمة والنماذج والسلوكيات مع المحيط المكاني، إلى جانب توفير بيانات تمثيلية رقمية شاملة للبيئات المادية وأصول الطرق والشبكات والمدن».

محركات السوق

وحول توقعات «جي 42» لمستقبل التوائم الرقمية في الإمارات ومحركات السوق، أوضح الحوسني: «نتوقع استمرار عمل التوائم الرقمية على تحقيق الأهداف المشتركة في مجال تحسين الكفاءة وخفض التكاليف، وتوفر فوائد رئيسية للشركات في العديد من القطاعات. وتشمل أبرز العوامل المحركة لاعتماد التوائم الرقمية في الشركات الإماراتية الطلب على أدوات الرقابة المحسنة لسلامة المعدات والآليات، مثل الصيانة الاستباقية لخطوط النفط أو سكك القطارات، بالإضافة إلى الطلب من جانب الهيئات الحكومية والبلديات لتطوير بنى تحتية أكثر ذكاءً بهدف رفد المدن بالوسائل اللازمة لتحقيق أهداف الاستدامة البيئية والاقتصادية؛ فضلاً عن الطلب على تحسين عمليات استجابة إدارة الكوارث التي تعمل التوائم الرقمية على تزويدها بالمعلومات في الوقت الفعلي».

وقال محمد خليفة، الرئيس التنفيذي لمنطقة الشرق الأوسط للصناعات الرقمية في شركة «سيمنس» Siemens إن إكسبو 2020 دبي يعد من أبرز حالات استخدام تقنيات التوائم الرقمية في الإمارات. وأوضح خليفة: «لن نجد أفضل من معرض إكسبو 2020 دبي ليكون مثالاً على استخدام التوائم الرقمية. فقد تم استخدام تقنية سيمنس لربط المباني والمعدات والمرافق باستخدام منصة إنترنت للأشياء الصناعية، تسمى «مايندسفير» MindSphere، لتشغيل البنية التحتية للمعرض. فقد أنتجت هذه البنية التحتية قدراً هائلاً من البيانات، لذلك قامت سيمنس بتصميم تطبيق للمدن الذكية على شبكة الإنترنت بهدف توفير منصة تتيح لمعرض إكسبو الوصول إلى هذه البيانات واتخاذ القرارات بسهولة في الوقت الفعلي».

وأضاف: «يعرض هذا التطبيق تقنية التوأمة الرقمية لموقع إكسبو ويساعد على توفير رؤى قابلة للتنفيذ استناداً إلى بيانات من الأنظمة التابعة لشركة سيمنس أو غيرها عبر الموقع. فمن خلال هذا التطبيق وتقنية التوأمة الرقمية، تمكن مشغلو معرض إكسبو من تحسين العمليات، وخفض انبعاثات الكربون، والحفاظ على المياه والطاقة، وتعزيز راحة الزوار وأمنهم».

وحول القطاعات التي يمكن أن تبرز من خلالها تقنية التوائم الرقمية بشكل فاعل، قال خليفة: «منذ ظهور جائحة كورونا، تبحث العديد من القطاعات التقليدية عن الطرق التي يمكن من خلالها الإسراع في عملية التحول الرقمي. وتُعد صناعة الأدوية مثالاً جيداً على ما نقول، فعندما شهد القطاع ضغطاً هائلاً أثناء الجائحة للحصول على علاجات ولقاحات جديدة للمرضى بشكل سريع؛ اضطرت صناعة الأدوية إلى اعتماد تقنيات جديدة، بما في ذلك تقنية التوائم الرقمية لتسريع الإنتاج مع الحفاظ على معايير الجودة والسلامة. إننا نرى نماذج التشغيل التقليدية تتلاشى بسبب تطور التكنولوجيا. فسوف تنمو تقنية التوائم الرقمية من خلال الاستمرار في توليد الرؤى اللازمة لجعل المنتجات أفضل والعمليات أكثر كفاءة، لذلك أود أن أقول إن إمكانات التوأمة الرقمية لا حدود لها».

أما عن التقنيات المستخدمة في توليد نماذج التوائم الرقمية، فقال خليفة: «تتضمن التقنيات الأساسية في التوائم الرقمية محاكاة الفيزياء المتعددة، أي محاكاة الخطط قبل تنفيذها، وتحليلات البيانات، وقدرات التعلم الآلي. فعندما يتم الجمع بين هذه التقنيات، يمكننا الوصول إلى تغييرات التصميم وسيناريوهات الاستخدام والظروف البيئية والمتغيرات الأخرى - مما يلغي الحاجة إلى النماذج الأولية الحقيقية، وتقليل وقت التطوير، وتحسين جودة المنتج أو العملية النهائية بأكملها».

توقعات

وتوقع خليفة أن يزداد اعتماد الشركات على التوائم الرقمية مع دخولنا حقبة جديدة من التحول الرقمي، خصوصاً مع رؤية حكومة الإمارات التي تخطط لزيادة مساهمة القطاع الصناعي في الناتج الإجمالي المحلي إلى 300 مليار درهم بحلول عام 2031. وتهدف هذه الخطة، المعروفة أيضاً باسم عملية 300 مليار، إلى جعل القطاع الصناعي المحرك الرئيسي لاقتصاد الإمارات.

وأضاف: «تقوم وزارة الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة بقيادة هذه الاستراتيجية، حيث دخلت في شراكة مع شركة سيمنس للمساعدة في الإسراع في عملية التحول الرقمي للقطاع الصناعي في البلاد. ستحدد هذه الشراكة التحديات والحلول اللازمة في قطاع التصنيع في دولة الإمارات، كما تساعد على إشعال شرارة البدء في الاعتماد بشكل أوسع على تقنيات الثورة الصناعية الرابعة، مثل التوأمة الرقمية، مع جعل الصناعات أكثر مرونة وإنتاجية وتنافسية».

وحول مشاريع «سيمنس» المتعلقة بالتوأمة الرقمية في الإمارات، قال: «بالإضافة إلى عملنا مع وزارة الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة، نحن نساعد العملاء في مجموعة متنوعة من القطاعات بدءاً من القطاعات المتعلقة بالتصنيع وصولاً إلى قطاعات مثل قطاع العقارات في الإسراع وتنفيذ عملية التحول الرقمي».

الاستدامة

وأفاد خليفة أن تكنولوجيا التوأمة الرقمية تساهم بشكل كبير في دفع عجلة الاستدامة، حيث تتمتع تكنولوجيا التوأمة الرقمية بمميزات بيئية هائلة مقارنة بالمنتجات المادية، والنماذج الأولية المكلفة وتكلفة تغييرات التصميم التي تم إجراؤها يدوياً في الماضي. هذا بالإضافة إلى تقنيات الإنتاج المبتكرة مثل الطباعة ثلاثية الأبعاد، والمعروفة أيضاً باسم التصنيع الإضافي، فكل هذا يوفر ما يصل إلى 50% من المواد. وأضاف: «كما يمكن للعملاء توفير ما يصل إلى 40% من الطاقة، وبالتالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من خلال عمليات الإنتاج المُحسَّنة رقمياً، وتحليل البيانات والتشغيل الافتراضي، وذلك من خلال الجمع بين العالمين الحقيقي والرقمي، فنحن لا نحدث ثورة في التصنيع فحسب، بل نجعل الصناعة أكثر استدامة».

وقال كولين باريس، مدير التكنولوجيا التنفيذي في «جنرال إلكتريك الرقمية» إن أعمال «جنرال إلكتريك» تدعم البنية التحتية الصناعية حول العالم. لافتاً إلى أنه وعبر الإنترنت الصناعي، ومعرفة الشركة الأمريكية الواسعة، فإن التوائم الرقمية التي تطورها جنرال إلكتريك تخلق قيمة ثمينة على مدار حياة الأصول التي تبنيها. وأضاف باريس: «تساعدنا التوائم الرقمية في رصد المشكلات في وقت مبكر، وتوقع المشكلات قبل حدوثها بفترة طويلة، وتحسين استخدام وأداء البنية التحتية التي تدعم العالم. ونؤسس ونستخدم التوائم الرقمية عبر جميع خطوط أعمالنا ومنتجاتنا. وعلى سبيل المثال، يؤسس أحد حلول تحليل العمليات لدى «جنرال إلكتريك الرقمية» وهو المصهر الرقمي، توأماً رقمياً لعمليات صهر الألمنيوم لتقديم الرؤية والإرشادات الضرورية الكفيلة بتعزيز الإنتاجية بكل سلامة وأمان، وتقليل تكاليف المواد الأولية، وتحسين استهلاك الطاقة. وتدعم هذه البرمجيات استراتيجية التحول الرقمي لمصاهر الألمنيوم في منطقة الشرق الأوسط والتي تشكل نسبة 8% من قدرة إنتاج الألمنيوم العالمية».

وأردف: «تعتبر شبكة التوائم الرقمية إحدى الأدوات القوية وثمرة خطط التحول الرقمي، وتقدم لمحة عن الشبكة المتكاملة من البيانات التشغيلية الصادرة عن الأصول. وباستخدام التوأم الرقمي، يمكن للمشغلين تحسين الأداء من خلال اختبار وفحص سيناريوهات مختلفة قد تحدث في شبكات الطاقة الكهربائية دون التعرض لمخاطر تطبيقها على أرض الواقع. ولاحقاً، يمكن تطبيق الخيار الأمثل على الشبكة الفعلية. وتعتبر هذه العملية مفيدة للغاية للمجمعات الجديدة، والمجمعات الصناعية، ومحطات الطاقة الشمسية عند توصيلها بشبكة نقل الكهرباء، أو عندما تواجه هذه الشبكات ظروف طقس قاسية».

Email