تحليل إخباري: هل توظف البنوك الرقمية في الإمارات مشروعات استثمارات التكنولوجيا؟

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

يمر النظام المصرفي في الإمارات، بمرحلة تحوّل تاريخية واعدة، فور إعلان إطلاق بنوك رقمية (بنك المارية المحلي، بنك «زاند» المستقل، الإسلامي الرقمي المتوافق مع الشريعة الإسلامية لمجموعة «زيوريخ كابيتال فاندز»)، وبدأ تشكيل العمل فيها، والتي يتوقع المحللون أنها سوف تستقطب نمواً في نماذج الأعمال الحديثة على وجه الخصوص، والذي يأتي مجال مشروعات أعمال الفضاء وتوظيف التكنولوجيا الرقمية ومجالات الأبحاث فيها، والاستثمارات الرقمية المستقبلية، والاستثمار بالطاقة النظيفة، ومستقبل تكنولوجيا الزراعة في مقدمها، انطلاقاً من استراتيجية الحكومة في التنمية الوطنية للرقمنة المستدامة، وبالتحديد مع مرحلة حقبة الخمسين المقبلة.

فقد أصبحت هذه المؤسسات الرقمية الجديدة، إذا أردنا تسميتها مهيّأة للنمو أكثر عن ذي قبل، وسط إدراك الحكومات الإقليمية نطاق النمو السريع في مجال التكنولوجيا والخدمات المالية، مقابل الطلب المتزايد على البدائل عبر الإنترنت والأجهزة المحمولة، الذي اتضح جليّاً مع انتشار جائحة «كوفيد 19» عالمياً، وما ترتب عليها من عمليات الإغلاق ذات الصلة، ما أجبر البنوك على إعادة تقييم استراتيجيات التحوّل الرقمي، لا سيما في كيفية تفاعلها مع المتعاملين، بما زاد الضغط على الصناعة لتقديم حلول رقمية سلسة.

دولة الإمارات، ووفقاً لدراسة حديثة أجرتها شركة «غوغل»، لدى سكانها، البالغ عددهم 9.2 ملايين نسمة، أعلى نسبة انتشار لاستخدام الهواتف الذكية في العالم، بنسبة 70 % تقريباً. كما أنها تتمتع في الوقت ذاته بارتفاع مستوى استخدام الصيرفة الرقمية، التي من المتوقع أن تتسع باطراد على مدى الأعوام المقبلة، في الوقت الذي شكّلت به جائحة «كورونا» استشعاراً إيجابياً، من ناحية تطور مجال الأعمال الخدمية في المصارف، كما كشفته دراسة حديثة أعلنتها دائرة التنمية الاقتصادية بأبوظبي، بالتعاون مع «غوغل» و«إيكونومست»، بعنوان «تعزيز الاقتصاد الرقمي في دولة الإمارات»، أن 34 % من الخدمات المصرفية في الدولة، تتم عبر الهواتف المتحركة، مقابل 51 % في الولايات المتحدة.

فيما وجدت دراسة استقصائية أيضاً، أجريت على أكثر من 1000 مشارك في الإمارات والسعودية ومصر، أجرتها شركة الاستشارات البريطانية (PwC) العام الماضي، أن 53 % استخدموا مدفوعات الهواتف الذكية للتسليم عبر الإنترنت، إبّان الجائحة. كما ذكر أكثر من 90 % من المستجيبين، أنهم سوف يستمرون في استخدام مدفوعات الهواتف الذكية، حتى بعد انحسار الأزمة.

وكانت نيكيثا براون، محلل أول اقتصاد في موقع «ماي موني سوق دوت كوم»، قد أشارت في مقال لها، إلى أن القطاع المصرفي في دولة الإمارات، اتجه فعلياً إلى مستوى جديد، من خلال التكيّف مع الرقمنة. إذ بدأت بعض البنوك مباشرة في تقديم الخدمات المصرفية الرقمية في الدولة للمتعاملين، ما جعل من خدماتها في متناول المتعاملين بسهولة، والاستفادة من هذه الخدمات عبر الإنترنت، دون الحاجة إلى زيارة البنك شخصياً، وهذه تشمل: (الخدمات الذكية في مصرف أبوظبي الإسلامي، «الإمارات ليف»، بنك الإمارات دبي الوطني (E20)، وأخيراً «مشرق نيو»، الذي يعد بنكاً رقمياً يقدم مجموعة واسعة من الخدمات المصرفية الرقمية للمتعاملين، ويتيح لهم القيام بجميع المعاملات المصرفية من خلال التطبيق المصرفي). ووضعت تساؤلاً أخيراً حول مستقبل الخدمات الرقمية، والذي أجابت عنه، إلى أنه سوف يكون شيئاً أبعد من ذلك، على الرغم من أن التوقعات غير مؤكدة، فيما سوف يتم إعادة تحديد العلاقة بين المتعامل والبنك، مشددةً على أن مستقبل الخدمات المصرفية الرقمية، سوف يكون شيئاً أبعد من ذلك، على الرغم من أن التوقعات غير مؤكدة أيضاً، وسوف يتم إعادة تحديد العلاقة بين المتعامل والبنك.

وفي الوقت الذي أكد فيه محللون أن الإمارات بشكل عام، باتت منافساً في عملية التحوّل الرقمي العالمي من بوابة البنوك الرقمية، التي تعتبر مؤسسات مالية تسعى إلى توفير حلول جديدة للمتعاملين والمعاملات، من خلال تقديم جميع خدماتها عبر الإنترنت والهواتف الذكية، في حين أن البنوك الكبرى القائمة، ليس لديها خيار سوى التحوّل إلى صورة رمزية رقمية جديدة.

وكانت سلطة تنظيم الخدمات المالية في سوق أبوظبي العالمي، قد كشفت في يوليو 2019، عن البدء باستقبال الطلبات المحلية والعالمية لترخيص وإنشاء البنوك الرقمية، أو فروع لها، بالإضافة إلى طلبات من شركات الابتكار في المركز المالي الدولي بأبوظبي، بحيث تتضمن شروطاً لترخيص تلك البنوك متطلبات رأس المال الأساسية، بقيمة 10 ملايين دولار، إضافة إلى توفير هياكل حكومة قوية، وسياسات الامتثال، وإدارة المخاطر، وتدابير أمنية لتكنولوجيا المعلومات، كما تفرض السلطة بعض التعيينات الإلزامية في فريق الإدارة العليا. فسوق أبوظبي العالمي، يوفر سلطة قضائية وبيئية مواتية لنموذج البنوك الرقمية، التي يتوقع أن تكون إحدى أدوات النمو في البلاد، خلال السنوات القادمة.

إن رقمنة الخدمات المصرفية، ليست جديدة على بنوك الإمارات، بيد أن الجديد هو ضخامة الاستثمارات الموجهة لها في الوقت الراهن، كما أشارت الخبير المصرفي، عارفة الفلاحي، التي تقول عند التحدث عن المصارف في الآونة الأخيرة: «نلاحظ التغيير الكبير والجذري في المعاملات، وخاصة منذ بداية جائحة «كورونا»، بعدما كانت تأخذ وقتاً طويلاً وجهداً كبيراً، وزيارة لأفرع البنوك في السابق، أصبحت اليوم تنجز بـ «كبسة زر»، وأصبح طلب وتصديق المعاملة يتم في ثوانٍ أو دقائق، دون زيارة شخصية للبنوك، هذا التحول الكبير، جاء بعد توجهات العالم إلى الابتكار وتسريع وتيرة الخدمات في المؤسسات، فكان للبنوك النصيب الأكبر في الاستثمار في التحول الرقمي، لما فيه منفعة وفائدة من تقليل المصاريف والجهد، وتوفير الخدمات الممتازة في أسرع وقت، وبالأخير، جني أرباح تُرضي المستثمرين في هذه المؤسسات، وبالتالي، المسؤولين العاملين فيها».

وتوقعت عارفة أنه خلال العشرة أعوام المقبلة، سوف تتحول 80 % من الخدمات المصرفية، إلى منصات إلكترونية ورقمية لجميع البنوك، مع ملاحظة التنافسية الكبيرة في المجال، يتضمن ذلك تقليص عدد الموظفين إلى 60 % من العدد الحالي، وتقليص عدد أفرع المصارف بواقع 40 إلى 50 %، لتوفر الخدمات خلال المنصات الإلكترونية والرقمية، وتوجهات الجيل الجديد إلى استخدام الأنظمة الرقمية، وتغيّر الثقافات والاهتمامات، واستخدام البدائل الذكية، كما سوف يكون هناك بعض الاندماجات والاستحواذات للبنوك لوجود هذا التحوّل، لتفادي الخسارة لهذه التحولات الجذرية في المجال.

وتعد بيئة الإمارات المالية والتكنولوجية، بيئة جاذبة بقوة، بفعل السياسات والقرارات التنظيمية والقانونية الداعمة، فقد استطاعت أن تضع نفسها في مصاف الدول الرائدة في مجال التكنولوجيا المالية المتطورة، إذ تتصدر الدولة على مستوى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، قائمة الدول التي تضم أكبر عدد من الشركات العاملة في مجال التكنولوجيا المالية، وفقاً لتقرير نشرته (Bloomberg Intelligence)، حيث تستحوذ الإمارات على 67 شركة، تليها تركيا بواقع 44 شركة، ثم الأردن ولبنان، يضم كل واحد منهما 30 شركة. ووفقاً لصندوق النقد الدولي، تستحوذ الدولة على 30 % من أنشطة التكنولوجيا المالية في المنطقة، كما تتمتع الإمارات بكونها وجهة مفضلة للعمليات التكنولوجية، نظراً لارتفاع درجة الاتصال بين البيانات لديها، ما يجعلها بيئة خصبة للشركات الناشئة في هذا النطاق.

كما تعد الدولة من أهم المقرات التجارية والمالية والتكنولوجية في المنطقة، وأكثرها تطوراً، ما يساعد على توفير البيئة المثالية لإطلاق بنك رقمي رائد في الإمارات وخارجها، كما جاء على لسان محمد العبار مؤسس شركة «إعمار» العقارية، فور إعلانه «زاند» أول بنك رقمي مستقل تماماً، يحظى بترخيص بنكي كامل في الدولة، كما سوف يوفر البنك الرقمي الجديد -على حد وصف العبار- حلولاً مالية مبتكرة وفعّالة، تساعد على تسهيل الأعمال والحياة بشكل عام، من خلال تلبية احتياجات المتعاملين، أفراداً كانوا أم شركات.

ولا يزال هناك بعض الأشخاص يتشككون من سلامة الخدمات المصرفية الرقمية، ويتخوفون من انحسار فروع البنوك الفعلية، ورقمنة خدماتها المالية المهمة، هذا ما سلطت الضوء عليه اختصاصي الشؤون المصرفية، عزيزة جمعة، غير أنها أوضحت أن البنوك الرقمية تضع الأمن أحد أولوياتها الرئيسة، فقد اعتمدت بروتوكولات أكثر ابتكاراً وأماناً من الناحية التكنولوجية، مقارنةً بالعديد من البنوك التقليدية، والبحث عن أكثر الطرق عالية التقنية للمصادقة داخل التطبيق والدفع، كالتحقق من الهوية بالتعرّف إلى الوجه، ومسح بصمات الأصابع، التعرف إلى الصوت عندما يتعلق الأمر بالهيئات المصرفية التنظيمية، فعادة ما يتم تغطية معظم البنوك الرقمية من قبل هيئة السلوك المالي، أو مخطط تعويض الخدمات المالية، ما يضيف مستوى آخر من الأمان، ويخلق مستوى رضا عالياً عند المتعاملين.

ووضعت عزيزة تصوراً عن مستقبل العمل المصرفي، الذي سيزدهر مع استمرار تطور القوانين المصرفية، والقرارات التي يتبناها المصرف المركزي، واستمرار ارتفاع ثقة المستهلك في الخدمات المصرفية الرقمية، ما سوف يجعل سوق الخدمات المصرفية الرقمية أكثر تخصصية، وتشبعاً ونموذجاً فريداً، كما سوف تظهر المزيد من البنوك المنافسة، وسوف تحوّل المؤسسات المالية القديمة تركيزها لتقديم المزيد من المرونة والرشاقة، لا سيما إذا ما علمنا بأن 77 % من البنوك تخطّط لاستخدام الذكاء الاصطناعي لأتمتة المهام في الأعوام الثلاثة المقبلة، ما يعني ذلك بأننا مقبلون على ثورة رقمية جديدة.​

 

Email