القيروان درة التراث السياحي في تونس ورمـز حضارتها الإسلامية

تعد القيروان احدى درر التراث التونسي وهي تلك المدينة الاخاذة الودودة التي تخفي كثيرا من الاسرار.

كما انها عاصمة الاغالبة الكامنة بعيدا عن السواحل في منطقة سباسب. غنية بالذكريات التاريخية والمعالم المتميزة وهي مدينة الجمال الباقي على حاله حيث الاصالة تحاكي حفاوة الاستقبال.

المدينة العتيقة الهمت العديد من الفنانين فهي تملك سحرا خاصا بفعل ازقتها الملتوية والممرات والقباب ذات اللون الابيض التي تحوم كلها حول مسجد عقبة بن نافع ذلك القائد الاسلامي الكبير الذي خطط واسس تلك المدينة لتكون منطلقا لجيوشه الفاتحة للشمال الافريقي. والمسجد بمئذنته الرائعة وساحته الفسيحة يمثل احد صور الابداع لحضارة رسخت مكانتها هناك فها هي الاسواق والازقة المعدة للتجارة كلها شواهد على عظمة تلك الحضارة والاسواق تعج بالحركة بالقرب من المسجد الكبير ونقصد به مسجد عقبة.

وحول هذه الاحياء تحوم الاسوار بقلاعها التي تعطي جميعها لهذه المدينة صورة من خارج الزمن الحاضر.

اما مسجد عقبة بن نافع فهو احد اعرق المساجد في العالم واقدمها ومن اهم المعالم في منطقة المغرب العربي. هذا المسجد صار بحق رمز مدينة القيروان سواء بماضيه الديني او بمعماره الجميل الفريد. منذ الدخول تشدك المئذنة بشكلها المتميز ويشد الزائر ايضا كبر الفناء الذي تحيط به اقواس مزركشة وكذلك الباب الخشبي المنقوش الذي يفتح على قاعة الصلاة حيث تتوالى الاقواس على اعمدة رومانية.

هذا المعلم اسسه الصحابي الجليل عقبة بن نافع سنة 670 ميلادي وهو اول مسجد ببلاد المغرب العربي وصار على صورته الراهنة سنة 836 تحت حكم الاغالبة وقد صارت على شكله العديد من المساجد الاخرى في المنطقة ويقدم صورة عن المعمار الاسلامي في القرون الاولى التي تلت الفتح الاسلامي.

مدينة 300 مسجد

شكلت المدينة على مدى قرنين احدى اهم الحواضر في المتوسط فقد بلغ تأثيرها حدود صقلية المسلمة وجزءا كبيرا من المغرب العربي. وقد حافظت المدينة على معالم كثيرة تعود الى هذا العصر الذهبي. الاغالبة الذي حكموا بدءا من العام 800 باسم الخليفة العباسي جعلوا من هذه المدينة عاصمة ملكهم على افريقية التي تمتعت باستقلال واسع. وترك الاغالبة للمدينة الفسقيات التي كانت لجمع الماء واهمها تقع خارج المدينة ويبلغ قطرها 128 مترا. وتحت حكم الاغالبة تم اعادة بناء مسجد عقبة بن نافع ومسجد الابواب الثلاثة المتميز بواجهته المزركشة بالخط العربي.

ورغم فقدانها لدور العاصمة حافظت مدينة القيروان على معالمها ويمكن مشاهدة عديد الدلائل ضمن متحف رقادة الذي يحتوي على كمية من القطع المتنوعة من السيراميك والبرونز والبلور والخشب المحفور.

وتسمى هذه المدينة العريقة ايضا مدينة 300 مسجد فحين ينظر اليها من الجو تبدو القباب التي تشير الى المساجد وضرائح الاولياء والزوايا متناثرة هنا وهناك ما يجعل هذه المدينة احد اهم الاقطاب الدينية في بلاد المغرب العربي ولا تزال محافظة على مكانتها الدينية حتى يومنا الحاضر.

احدى القباب التي تحوي تحتها اشهر الابار وهي بئر بروطة الذي يقع بالطابق الاول ولا يزال جمل دوار يقوم باخراج الماء. ويمكن زيارة زاوية سيدي عبيد الغرياني بفنائه الجميل وسقفه الخشبي المزركش بدقة بالغة وهناك ايضا زاوية عمر عبادة المغطاة بالقباب. لكن الزيارة الاهم هي لمقام سيدي الصحبي ذو الساحات العديدة والاروقة المزينة بالجليز والجص المنقوش ضمن تداخل للمعمارين العثماني والاندلسي.

تملك القيروان سحر المدينة العتيقة وسحر مدينة يتداخل فيها التاريخ والورع حريصة على تراثها حيث تعبق الاحياء العتيقة بسحر خاص. وعلى مدى الاسواق يكتشف اكثر من كنز فهذا الدكان يعرض المرقوم بالوانه العديدة واشكاله المتعددة او طبقا من النحاس المنقوش ودكاكين اخرى مختصة في صناعة الاحذية التقليدية او السروج المطرزة. ويمكن الاطلاع ايضا على تشكيلة واسعة من الخبز حيث تختلف التركيبة والمذاق.

 ولا يمكن زيارة القيروان دون تذوق حلوياتها الشهيرة واشهرها المقروض المحشو بالتمر او اللوز. وفي ارجاء المدينة تنتشر الصناعات التقليدية حيث يمكن مشاهدة الحرفيين وهم يباشرون اعمالهم وخصوصا الزرابي القيروانية المشهورة بالوانها واشكالها وجودة صناعاتها من الصوف.

هناك تنوع كبير وثراء في الصناعات القيروانية التراثية او التقليدية ومنها الزرابي والخزف والادوات النحاسية المنقوشة والحلي البربرية.

بيت الحكمة

أنشئت في القيروان المكتبات العامة والمكتبات الملحقة بالجوامع والمدارس والزوايا وكانت مفتوحة للدارسين وتضم نفائس أمهات الكتب. ومن أشهر مكتبات القيروان بيت الحكمة الذي أنشأه الأمير إبراهيم الثاني الأغلبي 261 - 289هـ / 875 - 902م. في رقادة بالقيروان محاكاة لبيت الحكمة التي أسسها هارون الرشيد في بغداد حيث كانت هذه البيت نواة لمدرسة الطب القيروانية التي أثرت في الحركة العلمية في المغرب لزمن طويل.

وقد استقدم الأمير إبراهيم بن أحمد الأغلبي أعدادا كبيرة من علماء الفلك والطب والنبات والهندسة والرياضيات من المشرق والمغرب وزوده بالآلات الفلكية. وكان الأمير إبراهيم بن أحمد يبعث كل عام (وأحيانا كل ستة أشهر) بعثة إلى بغداد هدفها تجديد ولائه للخلافة العباسية واقتناء نفائس الكتب المشرقية في الحكمة والفلك مما لا نظير له في المغرب واستقدام مشاهير العلماء في العراق ومصر.

وعلى هذا النحو أمكنه في أمد قصير أن يقيم في رقادة نموذجا مصغرا من بيت الحكمة في بغداد، ولم يلبث هذا البيت أن وقع في أيدي العبيديين ـ الفاطميين ـ بعد سنوات معدودة من وفاته.

ولقد كان بيت الحكمة معهدا علميا للدرس والبحث العلمي والترجمة من اللاتينية، ومركزا لنسخ المصنفات، وكان يتولى الإشراف عليه حفظة مهمتهم السهر على حراسة ما يحتويه من كتب، وتزويد الباحثين والمترددين عليه من طلاب العلم بما يلزمهم من هذه الكتب حسب تخصصاتهم، ويرأس هؤلاء الحفظة ناظر كان يعرف بصاحب بيت الحكمة.

وأول من تولى هذا المنصب عالم الرياضيات أبو اليسر إبراهيم بن محمد الشيباني الكاتب المعروف بأبي اليسر الرياضي، وهو بغدادي النشأة، حيث أتيح له أن يلتقي بالعديد من المحدثين والفقهاء والأدباء واللغويين. وكان قد تنقل في أقطار المشرق قبل انتقاله إلى الأندلس وأخيرا استقر بالقيروان.

وكان الأمير إبراهيم بن أحمد يعقد المجالس العلمية للمناظرة في بيت الحكمة، وكان يحضر هذه المجالس العلماء البارزون من فقهاء المالكية والحنفية.

المساجد

يعد مسجد القيروان الذي بناه عقبة بن نافع عند إنشاء المدنية من أهم معالمها عبر التاريخ. ولقد بدأ المسجد صغير المساحة، بسيط البناء، ولكن لم يمض على بنائه عشرون عاما حتى هدمه حسان بن نعمان الغساني وأقام مكانه مسجدا جديدا أكبر من الأول. وفي عهد الخليفة هشام بن عبد الملك أمر بزيادة مساحته، وأضاف إليه حديقة كبيرة في شماله، وجعل له صهريجا للمياه، وشيد مآذنه.

وفي عام 155هـ / 724 م أعيد بناؤه على يد يزيد بن حاتم، وظل على حاله هذه إلى أن تولى زيادة الله بن إبراهيم بن الأغلب إمارة إفريقية عام 201هـ / 817 م فزاد فيه. ولقد سارت التوسعات في العصور المختلفة حتى أصبح يشغل اليوم مساحة مستطيلة تتراوح أضلاعها ما بين (70و122) مترا.

ويعتبر جامع القيروان من أقدم مساجد المغرب الإسلامي والمصدر الأول الذي اقتبست منه العمارة المغربية والأندلسية عناصرها الزخرفية والمعمارية. كما كان هذا المسجد ميدانا للحلقات الدينية والعلمية واللغوية التي ضمت نخبة من أكبر علماء ذلك العصر.

مدينة وتاريخ عريق

 

تعتبر القيروان من أقدم وأهم المدن الإسلامية، بل هى المدينة الإسلامية الأولى في منطقة المغرب ويعتبر إنشاء مدينة القيروان بداية تاريخ الحضارة العربية الإسلامية في المغرب العربي، فلقد كانت مدينة القيروان تلعب دورين مهمين في آن واحد، هما: الجهاد والدعوة، فبينما كانت الجيوش تخرج منها للغزو والفتح، كان الفقهاء يخرجون منها لينتشروا بين البلاد يعلِّمون العربية وينشرون الإسلام.

فهي بذلك تحمل في كلّ شبر من أرضها عطر مجد شامخ وإرثا عريقا يؤكده تاريخها الزّاهر ومعالمها الباقية التي تمثل مراحل مهمة من التاريخ العربي الإسلامي.

لقد بقيت القيروان حوالي أربعة قرون عاصمة الإسلام الأولى لإفريقية والأندلس ومركزا حربيّا للجيوش الإسلامية ونقطة ارتكاز رئيسية لإشاعة اللغة العربية.

وعندما تذكر القيروان يذكر القائد العربي الكبير عقبة بن نافع وقولته المشهورة عندما بلغ في فتوحاته المحيط الاطلسي وهو يرفع يده الى السماء ويصرخ بأعلى صوته: "اللهم اشهد أني بلّغت المجهود ولولا هذا البحر لمضيت في البلاد أقاتل من كفر بك حتى لا يعبد أحد من دونك".

تقع القيروان في تونس على بُعد 156 كم من العاصمة تونس. وكلمة القيروان كلمة فارسية دخلت إلى العربية، وتعني مكان السلاح ومحط الجيش أو استراحة القافلة وموضع اجتماع الناس في الحرب.

 

اختيار موقع القيروان

يعود تاريخ القيروان إلى عام 50هـ / 670 م، عندما قام بإنشائها عقبة بن نافع. وكان هدفه من هذا البناء أن يستقر بها المسلمون، إذ كان يخشى إن رجع المسلمون عن أهل إفريقية أن يعودوا إلى دينهم.

وقد جمع عقبة بن نافع بعد انتهائه من بناء مدينة القيروان وجوه أصحابه وأهل العسكر فدار بهم حول مدينة القيروان، وأقبل يدعو لها ويقول في دعائه: اللهم املأها علما وفقها، واعمرها بالمطيعين والعابدين، واجعلها عزا لدينك وذلا لمن كفر بك، وأعز بها الإسلام.

الأكثر مشاركة