عقارات دبي.. تصحيح سعري يدعم المستثمرين ويحلّق بجاذبية الإمارة

ت + ت - الحجم الطبيعي

اتفق مسؤولون ورؤساء دوائر وشركات محلية في دبي على أن الإمارة تشهد في الوقت الراهن مرحلة من التصحيح السعري في سوقي البيع والإيجار بقطاع العقارات. وأكد المسؤولون ومديرو الشركات أن لهذا التصحيح تأثيرات شديدة الإيجابية في إنعاش القطاع، وحلّق بجاذبية العيش والعمل في الإمارة إلى آفاق هي الأعلى عالمياً.

ورأوا أن ما عزز من تأثيرات هذا التصحيح السعري السياسات الحكومية الأخيرة التي تضمنت حزمة واسعة من الإجراءات التحفيزية لإنعاش الاقتصاد. وأكد آراء المسؤولين والخبراء نتائج مسح أجرته شركة «مايكل بايج» العالمية للتوظيف، خلصت إلى أن دبي تعتبر الآن هي أكثر المدن جاذبية للأجانب الباحثين عن العمل في المنطقة مقارنة بالمدن الأخرى.

وأوضح المسؤولون والخبراء أن قوانين التأشيرات الجديدة التي دخلت أخيراً حيز التنفيذ، ومن بينها تأشيرة الإقامة لمدة 10 سنوات، سوف تُسهم في ترسيخ الاستقرار بالإمارة وجاذبية إقامة الأعمال فيها، ما يسهم في تحفيز الاقتصاد الكلي، واستيعاب المعروض الحالي والمستقبلي، وتحسين استقرار أسعار العقارات.

وأضافوا أن بند الإسكان، الذي يُعدّ الأكثر تأثيراً في تكلفة المعيشة، قد شهد تراجعاً في القيمة الإيجارية تحديداً، ما أسهم في تحريك سوق بيع العقارات من جهة، وجذب المستثمرين الجدد إليه من مختلف بقاع العالم، وقالوا إن العقارات تؤدي في الوقت الراهن دوراً بارزاً في زيادة جاذبية دبي من خلال طرح سلع عقارية بأسعار تنافسية.

جاذبية

ويرى مراقبون يديرون شركات استشارات عاملة في سوق عقارات الدولة أن جاذبية العيش والعمل، لا سيما في دبي، آخذة بالتزايد على نحو واضح بفعل مجموعة من العوامل، من بينها التصحيح الذي شمل القيمة الإيجارية في أغلب مناطق المدينة خلال العام الماضي، والذي كان ثمرة لدخول مشاريع سكنية جديدة إلى السوق.

وقالوا إن المعروض الجديد من الوحدات في مدينة دبي قد أسهم في مواصلة الضغط على معدلات الإيجارات وأسعار المبيعات، وفقاً لتقارير شركات استشارية، إذ اغتنم العديد من المستأجرين الحاليين هذه الفرصة لإعادة التفاوض على شروط إيجارهم عند انتهاء العقود، أو اختاروا الانتقال إلى خيارات جديدة بشروط أكثر جاذبية.

وشهد 2017 والنصف الأول من 2018 تسليم عدد كبير من الوحدات الجديدة، وسط توقعات أن يؤدي هذا إلى استمرار الاتجاهات الحالية خلال العام الجاري الذي شهد وما زال يشهد إنجاز مشاريع جديدة وتسليمها إلى الملاك.

تراجع التكلفة

وانخفضت تكاليف المعيشة في الإمارات بفعل تراجع تكلفة النقل والإسكان والسلع الغذائية العام الجاري مقارنة بالأعوام الماضية، فقد نشرت مجلة «ماركت جورنال» الأمريكية تقريراً نقلت فيه تأكيدات خبراء تراجع تكلفة السكن، ما جعل مدينة دبي هي المدينة الأفضل حالياً للاستثمار العقاري بفعل تراجع معدل التضخم وزيادة قوة الدرهم وارتفاع القدرة الشرائية للسكان حسب أحدث المؤشرات.

وقالوا إن تراجع الإيجارات وتخفيض الحكومة للرسوم والغرامات وإلغاء بعضها على الشركات جعلت دبي أقل تكلفة في العام الجاري مقارنة بالعام الماضي، إذ تراجعت أيضاً أسعار المواد الغذائية والإيجارات على أساس سنوي.

وتشير أحدث مؤشرات تكاليف المعيشة عن مؤسسة «نمبيو»، التي تجمع بيانات المدن ودول العالم، إلى تمركز دبي في المركز 217 عالمياً في العام الجاري، مقابل 210 العام الماضي، مما يعني انخفاض التكلفة فيها.

وتعتبر دبي أقل تكلفة مقارنة بالمدن السويسرية التي تعتبر أعلى المدن تكلفة في العالم. وبالجمع بين مؤشر التكلفة والإيجارات، فإن مدينة دبي أقل تكلفة من أغلى مدن العالم بنسبة 45%، وبنسبة 33% من مدينة لندن.

اعتدال السوق

وقالت مونيكا مالك، كبيرة خبراء الاقتصاد في بنك أبوظبي التجاري، إن تراجع أسعار العقارات في دبي هي العامل الرئيس وراء اعتدال الأسواق وتراجع التضخم، إلى جانب أسباب أخرى مثل تراجع أسعار النفط.

من جهته، أرجع أحمد شيخاني، المدير العام لمجموعة «شيخاني»، ارتفاع جاذبية مدينة دبي للمستثمرين إلى تراجع الإيجارات التجارية وتخفيض الدائرة الاقتصادية لرسوم وتراجع تكلفة الواردات والسلع التي تصدرها الإمارة.

وأشار إلى انخفاض تكلفة الحصول على ترخيص استثمار في دبي من الخارج، حيث يقل عن ألف دولار، ويمكن إنشاء شركة تجارية بتكلفة ألفي دولار فقط، وإذا قارنا بين دبي ومدن مثل لندن ونيويورك نجد أن دبي تتصدر من حيث سهولة إقامة الأعمال.

الإيجارات

وعلى الرغم من فرض ضريبة القيمة المضافة، فإن دبي تمكنت من البقاء ضمن المدن الأقل تكلفة للمعيشة بالنسبة للمغتربين، وأرجع محللو السوق هذا إلى انخفاض الإيجارات، وتعزيز الدرهم المدعوم بالدولار مقابل العملات الأخرى وانخفاض أسعار النفط، لافتين إلى أن الضريبة لم يكن لها تأثير كبير في تكاليف المعيشة في الإمارات، لأن الإجراءات الحكومية الأخيرة، مثل التجميد وتخفيض بعض الرسوم في مختلف قطاعات الاقتصاد، لها تأثير إيجابي أكبر بكثير في الأوضاع المالية للمقيمين في البلاد.

المستخدم النهائي

أما المؤجرون فكانت لهم كلمة من خلال مشاركة بعضهم في استطلاع «البيان الاقتصادي» أجرته أخيراً على حساباتها في مواقع التواصل الاجتماعي توقعوا فيه مزيداً من التصحيح في قيمة الإيجارات، وهو الأمر الذي يزيد جاذبية دبي، فيما أظهر بعض المشاركين عدم قناعتهم بحدوث انخفاض أكبر مما هو عليه الآن. ويقول مراقبون إن سوق الإيجارات يمر بدورة سوقية تحتم على ملاك العقارات إعادة النظر بالقيم الإيجارية، لا سيما في ظل تطورات إيجابية يشهدها سوق التطوير العقاري.

وتسعى دبي إلى دعم دخول المزيد من المشروعات السكنية الجديدة، ما يزيد استقرار السوق وجاذبية المدينة وتنافسيتها. وشهدت الأعوام 2017 و2018 والعام الجاري 2019 دخول عدد غير قليل من الوحدات السكنية، وهو ما يزيد وتيرة التصحيح في القيمة الإيجارية.

أما المشهد لدى المشتري فتلخصه ميليسا ماكرلي، رئيسة إدارة حسابات المتعاملين لدى «دوبيزل العقارية»، بقولها إن غالبية المستثمرين في الوقت الراهن يقبلون على شراء الوحدات السكنية للعيش فيها بصفتهم مستخدمين نهائيين، لذلك ينصبّ تركيزهم على السعر في المقام الأول، إلى جانب اعتبارات أخرى. ويلاحظ أيضاً أن المستثمرين الذي اشتروا في فترات سابقة، ويودّون البيع الآن، يتعين عليهم مجاراة السوق، واتخاذ قرارات البيع وفق الأسعار السائدة.

لماذا الآن؟

وقالت «أسبين وولف» البريطانية، في تقرير عقاري أصدرته أخيراً، إنه ليس هناك وقت أفضل من الآن لشراء عقار في دبي، وطرحت الشركة أسباب عدة لشراء عقار في دبي الآن، تتمثل في: وجود طيف واسع من الخيارات العقارية، التي تتمتع ببنى تحتية ممتازة ومرافق وطرق ومدارس ومستشفيات، مع وفرة المنازل ذات الأسعار المعقولة التي من شأنها زيادة تنافسية دبي وجذب المدينة لمزيد من الأشخاص.

ورأت الشركة في تقريرها أن البيع على المخطط يُظهر بوضوح الثقة الاستثمارية العالية في دبي، وكذلك العائد المرتفع المتوقع، إذ توفر سوق دبي عوائد إيجارية جذابة، حتى لو أخذنا في الاعتبار هدوء السوق، فإن المستثمرين يتوقعون عائداً يتراوح بين 6% و10%، وذكر التقرير أن أحداثاً كبيرة مثل إكسبو 2020 ورؤية 2021 سلطت الأضواء أكثر على سوق دبي العقاري، وهذا من شأنه زيادة الطلب من شركات تتطلع إلى الاستقرار أو إعادة التمركز في المنطقة، وفي المقابل سيشكّ ل عامل جذب لمزيد من الأشخاص الراغبين في العيش أو العمل في دبي.

مردود مضاعف

وأكد كالبيش كيناريوالا، مؤسس ورئيس مجموعة «بانثيون»، أن انخفاض التكلفة وارتفاع عوائد الإيجار يجذبان المزيد من المستثمرين المحليين والأجانب إلى سوق العقارات في الإمارات منذ مطلع العام الجاري. وأشار إلى أن دبي توفر مردوداً على الإيجارات أكثر من ضعف ما تقدمه البلدان التي سبقتهما في هذا المجال في جميع أنحاء العالم. ووفقاً لتقرير لشركة «موديز» لخدمة المستثمرين، فإنه من المتوقع في الأشهر المقبلة أن يدعم الطلب على السكن في الإمارات متوسط عائدات إيجار متميّز يتراوح بين 6 و7% سنوياً.

وتفيد التقارير أيضاً بأن عائدات الإيجارات في دبي هي أكثر من الضعف مقارنة بالأسعار المعروضة في الأسواق الآسيوية المشهورة، مثل تايلاند وماليزيا، حتى الأسواق الأخرى المجاورة التي تصل النسبة فيها حالياً إلى نحو 2% إلى 3%، فيما عائدات الإيجارات في دبي تصل إلى 7%، وهي نسبة عالية جداً.

كما يزيد انخفاض التكلفة المتنامي أيضاً من الطلب على العقارات في سوق الإمارات. فعلى سبيل المثال، يشهد قطاع العقارات منخفضة التكلفة زيادة في الطلب لدى أغلبية المقيمين الذين يقل راتبهم عن عشرة آلاف درهم، فهذه الفئة تبحث باستمرار عن استئجار وحدات بأسعار معقولة، لأنها ببساطة لا يمكنها تحمل تكلفة شراء العقار.

تراجع الأسعار

وقال نايل ماكلوغلين، نائب الرئيس الأول لشركة «داماك العقارية»: «ما زالت الإمارات مركزاً جاذباً لكبار رجال الأعمال، والشركات العالمية، ورواد الأعمال الجدد في المنطقة، وبالطبع المستثمرين الأجانب في مجال العقارات. ومن حسن حظ المستثمرين المحليين، خصوصاً مشتري المنازل، أن يشهد سوق العقارات الإماراتي في الوقت الراهن تراجعاً دورياً، وهذا أمر طبيعي بعد فترة من النمو السريع وتماشياً مع التباطؤ الاقتصادي العالمي الذي نشهده حالياً، وهذا ما نطلق عليه عادة «سوق المشتري»، حيث يتمتع المستثمرون أو المشترون بفرصة الشراء بأفضل الأسعار وتحقيق استثمارات طويلة الأجل».

وأشار إلى أهمية التوجهات الإيجابية التي تواصل قيادة الإمارات اتخاذها باستمرار، والتي أكدت للعالم أن الإمارات دولة عصرية يسودها التسامح والاحترام المتبادل بين الثقافات والديانات المختلفة، وهذا ما لمسناه من قوانين الإقامة الصادرة أخيراً والتحسينات المستمرة التي نشهدها بشكل دوري للأنظمة في القطاعات كافة، فضلاً عن اعتماد أنظمة الحكومة الذكية.

ولا يشهد السوق العقاري في دبي وحده حركة تصحيح سعرية في أسعار الوحدات السكنية والتجارية، بل إن أحدث التقارير التي ترصد أداء العقارات في مختلف دول العالم تتحدث عن تراجع الأسعار العقارية في أسواق عقارية عالمية مهمة بينها عقارات دبي.

أسلوب معيشة

وأثبتت عقارات دبي أنها أداة استثمارية مجدية من جهة وحاضنة فريدة لأسلوب معيشة يتمناه القاصي والداني، ويقول المهندس مروان بن غليطة، المدير التنفيذي لمؤسسة التنظيم العقاري: «أينما تذهب في دبي، ستجد منطقة عمرانية جديدة، استبدلت المناطق القديمة وقلبتها رأساً على عقب، وجعلت منها مقصداً ومطلباً للمستثمرين الدوليين، وللسياح وللراغبين بالدراسة أو العمل والسكن. فالمناطق الجديدة التي تطورت في دبي بعد 2002، عادت على المدينة بـ 3 مكاسب، اجتماعية واقتصادية وبيئية».

وأوضح أن تلك المشاريع شكلت قيمة مضافة اقتصادياً، من خلال تطوير البنى التحتية في تلك المناطق بمستويات غير مسبوقة، وبذلك أصبحت مؤهلة لتشييد مجمعات حضرية متكاملة، ما أدى إلى تغيير جذري في هوية تلك المنطقة، ودفع بالمناطق المجاورة إلى مجاراتها في التطور.

أما اجتماعياً، فقد نوعت تلك المشاريع الشرائح الاجتماعية التي تقطن المنطقة الواحدة، فبعد أن كانت نوعية البناء تلبي ذوي الدخل المحدود، أصبحت متعددة ومتنوعة، وأضيفت إليها شريحة الدخل المتوسط والميسورة.

أما على الصعيد البيئي، فلم تعد تلك المناطق صحراء جرداء، بل حاضنة للمساحات الخضراء والبحيرات والحدائق. وضرب بن غليطة أمثلة على ما ذهب إليه بقوله: «هناك نماذج على التحولات الجبارة التي شهدتها مناطق عدة في دبي، أبرزها منطقة سيتي ووك، التي أصبحت اليوم وجهة متكاملة فيها المباني السكنية الفاخرة، والمركز التجاري المترامي، والمركز الطبي المتطور، والحدائق والنوافير، وأكبر صالة في الشرق الأوسط للفعاليات والأحداث المتنوعة، بل وفيه قبة حيوية وغابة استوائية داخلية.

تحولات

وأكد الرئيس التنفيذي لشركة «إف آي إم العقارية» فراس المسدي ضرورة المضي قدماً في تطوير المشاريع العقارية التي تضيف قيمة جديدة لدبي، وقال إنه من الضروري الاطلاع على الفجوات التي تنقص سوق العقارات والبدء بمشاريع تخلق طلب في السوق من خلال تقديم ما يخدم كل فرد في المجتمع، فالمشاريع المبتكرة والعوالم الشهيرة، مثل برج خليفة ودبي مول وبرج الخور الذي يتم بناؤه حالياً، قد أسهمت في وصول دبي إلى العالمية وجذب الناس لتجربة بناء أسلوب حياة متطور وأكثر رفاهية، ولهذا السبب القطاع العقاري يشارك بشكل كبير في دعم القطاع الاقتصادي في دبي.

وأضاف: «لم تكن القفزات الهائلة في أسعار العقارات بدبي بحدود 300% ما بين 2004 و2008 مصدراً لسعادة الإمارة ولا للسلطات المختصة التي رأت في تداعيات الأزمة المالية العالمية عام 2009 فرصة نموذجية ينبغي اقتناصها لتنظيم السوق وتحويل مساره إلى مزيد من النضج والشفافية، لضمان كبح جماح الصعود الصاروخي للقيم الرأسمالية للعقارات، والوصول إلى محركات حقيقية للأسعار، وتدعيم مناخ التنافسية والجاذبية في السوق الذي طاله الضرر بسبب تضخم الأسعار».

وأصدرت السلطات حزمة تشريعات رسخت الإطار القانوني للتعاملات العقارية، وأقصت المضاربين خارج السوق، وفتحت الباب على مصراعيه أمام حركة تصحيح سري أثلجت صدور المستثمر (المستخدم النهائي).

شعبية متزايدة

وتقول مؤسسة بحثية عالمية إن شعبية الإمارات تتزايد لدى أثرياء دول أفريقيا وآسيا الراغبين في شراء عقارات فاخرة. وأشارت، في دراسة حديثة، إلى أن تغير اتجاهات بوصلة اهتمام أثرياء العالم نحو عقارات الإمارات عموماً، ودبي على وجه الخصوص، لم تكن على ما هي عليه في تسعينيات القرن الماضي.

وأوضح تقرير مؤسسة «نايت فرانك» الدولية، التي ترصد حركة أسعار العقارات الفاخرة على مستوى العالم، أن التطور الاقتصادي والقفزات التنموية الهائلة التي شهدتها الإمارات جعلت سوقها العقاري فاكهة مغرية للأثرياء والميسورين من مختلف الجنسيات.

وطبقاً للتقرير، فقد جاءت العقارات الفاخرة في الإمارات بالمرتبة الرابعة بعد بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة في سلّم اختيارات أثرياء قارة أفريقيا وآسيا للمواقع الأكثر تفضيلاً لشراء منازل لأغراض الاستثمار أو قضاء العطلات.

اتجاهات

ويرسم كريغ بلمب، رئيس قسم الأبحاث في شركة «جونز لانغ لاسال» الشرق الأوسط، اتجاهاً آخر للاستثمار العقاري في المنطقة عموماً، والإمارات على وجه التحديد، وسماه «منازل حقيقية لأناس حقيقيين»، ويقول إن 60% من المساكن وأغلبها فاخرة كانت هدفاً للمضاربين خلال السنوات التي أعقبت الطفرة العقارية في دبي.

وأضاف أن السوق أعادت ترتيب أولوياتها وطبيعة محركات أسعارها منذ عام 2010، متوجهةً لتلبية احتياج المستخدمين النهائيين المتزايد في الفئة الوسطى من القطاع العقاري الإماراتي.

الإنفاق الحكومي

وقال إندي وايت، مدير فعاليات معرض الخمسة الكبار، في تصريحات لـ«البيان الاقتصادي»، إن مراقبة قطاع الإنشاءات تظهر على نحو صريح توجهات القطاع الخاص إلى أي نوع من العقارات سنستقبلها في الأعوام المقبلة ومن تستهدف، فضلاً عن مراقبة التوجهات الحكومية في الإنفاق على مشروعات البنية التحتية التي تساهم في زيادة قيمة تلك المشروعات العقارية.

ورأى وايت أن قطاع العقارات يرمي ثقله على تقديم منتجات وصفها بالإبداعية تخدم توجهات المنطقة لجهة تنفيذ مشاريع عقارية مستدامة. وقال إن من المتوقع أن يتجاوز الإنفاق على أنشطة البناء والتشييد 75 مليار دولار (276 مليار درهم) خلال العام الجاري في الإمارات، لافتاً إلى أن حصة دبي من تلك الكعكة الإنشائية تقترب من 40% منها، وبما يعادل نحو 110 مليارات درهم.

تراجع الإيجارات

قالت أنيتا ياداف، رئيسة أبحاث الدخل الثابت في بنك الإمارات دبي الوطني للأبحاث، إن الإيجارات العقارية تراجعت، ويمثل ذلك السبب الأكبر لانخفاض تكاليف المعيشة في الإمارات. ومن العوامل الأخرى انخفاض أسعار النفط، وتعزيز قوة الدرهم المرتبط بالدولار الذي أدى إلى واردات أرخص من المواد الغذائية وغيرها من المواد.

وأضافت: «ساعد انخفاض الإيجارات على خفض تكاليف المعيشة بنسبة تراوحت من 10% إلى 15% العام الماضي، وهذه السنة انخفضت بنسبة 5% إلى 10%، كما أن قوة الدرهم تعني انخفاض تكلفة الواردات».

الإجراءات الحكومية تُعظم تجربة ومكانة الإمارات

قال مسؤولون ومديرو ورؤساء شركات عقارية، إن حزمة الإجراءات التي أصدرها مجلس الوزراء، برئاسة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، تُعظم التجربة الحضارية للدولة وتدعم مكانتها العالمية على الصعد كافة لاسيما الاقتصادية.

وكانت دائرة الأراضي والأملاك في دبي قد منحت مؤخراً بالتنسيق والتعاون مع الإدارة العامة للإقامة وشؤون الأجانب، الإقامة الذهبية لـ20 مستثمراً عقارياً ينتمون إلى أكثر من 12 جنسية، وتبلغ قيمة استثماراتهم العقارية المباشرة أكثر من 200 مليون درهم.

وأوضح المسؤولون ومديرو ورؤساء الشركات أن الإجراءات تعكس الحرص المعهود على حماية المكتسبات الحضارية، التي حصدتها الدولة منذ قيام الاتحاد وتزيد من جاذبية العيش والعمل في ربوع البلد، إذ يتجلى ذلك بواحدة من إجراءات المجلس عندما منح امتيازات خاصة بتأشيرة للأشخاص ما فوق سن الخامسة والخمسين تسمح بالإقامة طويلة الأمد في الدولة، وتهدف التسهيلات الجديدة إلى توفير خيارات الإقامة طويلة الأمد والبيئة المناسبة للمتقاعدين والراغبين في الإقامة على أرض الدولة للرخاء والاستثمار من خلال نظام مالي وصحي مستقر وعالي الجودة.

وقال سلطان بطي بن مجرن، مدير عام دائرة الأراضي والأملاك في دبي: بفضل الرؤى الحكيمة لقيادتنا الرشيدة، تواصل الإمارات طريقها لتعزيز قدراتها وإثبات جدارتها وتميزها، حيث يتجلى ذلك بوضوح تام من خلال حزمة المبادرات والقرارات، التي أعلن عنها مجلس الوزراء. وأضاف: القرار الآخر بمنح الإقامات طويلة الأمد للمتقاعدين من المقيمين سيعود بالنفع على المناخ الاستثماري في القطاع العقاري عموماً، إضافة إلى تقوية النسيج الاجتماعي.

وقال علي راشد لوتاه، رئيس مجلس إدارة «نخيل للتطوير العقاري» إن منح الإقامات طويلة الأمد للمتقاعدين من المقيمين بضوابط محددة يجعل من مسؤوليات المطورين التفاعل معها على صعيد ترجمة احتياجات تلك الشريحة المهمة من سلع عقارية تتلاءم مع طبيعتهم، وهذا بالتأكيد سيضيف للقطاع العقاري زخماً جديداً ويرفع معنويات السوق إلى مستويات أعلى وأكبر.

فيما أكد أحمد المطروشي، العضو المنتدب لشركة «إعمار العقارية» أن جملة قرارات المجلس تعكس رؤية رؤية ثاقبة لا سيما القانون المتعلق بمنح الإقامات طويلة الأمد للمتقاعدين من المقيمين بضوابط محددة، موضحاً أن هذا القانون لاقى صدى واسعاً بقطاع الاستثمار العقاري لاسيما لدى شركات التطوير العقاري، التي باشرت خطوات فعلية للتعامل مع استحقاقات القانون.

ولفت إلى أن اعتماد مجلس الوزراء لنظام تأشيرة إقامة طويلة الأمد للمتقاعدين، أعطى جرعة من الحماسة في مختلف قطاعات الاقتصاد الوطني، وتحديداً في القطاع العقاري، لأنه المعني بشكل مباشر في الجانب التنفيذي وتلبية متطلبات الحصول على تلك الإقامة. وأشار إلى أن هذه الخطوة رسمت التفاؤل في نفوس شريحة المتقاعدين الراغبين جدّياً في التملك العقاري، كونهم يفضلون العيش في ربوع هذا البلد.

مرونة برامج الملكية العقارية تدفع حركة الأعمال

قال ماثيو غريغوري، رئيس المبيعات في «دوبيزل العقارية»، إنه من المقرر تسليم 59800 عقار في دبي عام 2019، إلا أنّ حوالي 33800 منها فقط في مرحلة الإنجاز النهائية (بحسب فام العقارية)، لذا فمن غير المحتمل أن يتم عرض جميع هذه الوحدات في السوق في موعدها، لكن رغم ذلك، يمكن لأي زيادة في المعروض التأثير بشكل مباشر على أسعار العقارات هذا العام، لذا ركزت الحكومة جهودها على تفعيل قوانين أكثر سلاسة بشأن برامج الملكية العقارية، ومنح التأشيرات المُمدّدة، والتمهيد لإطلاق رهون ثانوية مبسطة قريباً، وهي مبادرات ستؤدي دوراً مهماً في تحفيز الاستثمار ودعم حركة الأعمال والحفاظ على الزخم الناجم عن انتعاش السياحة حتى بعد انتهاء الحدث العالمي «إكسبو 2020 دبي».

قوانين

ولفت إلى أن قوانين التأشيرات الجديدة، التي دخلت مؤخراً حيز التنفيذ ومن بينها تأشيرة الإقامة لمدة 10 سنوات، ستُسهم في ترسيخ الاستقرار في الدولة وجاذبية إقامة الأعمال فيها، ما سيسهم في تحفيز الاقتصاد الكلي، واستيعاب المعروض الحالي والمستقبلي، وتحسين استقرار أسعار العقارات.

وبالإضافة إلى ذلك، تدرس دائرة الأراضي والأملاك في دبي حالياً إدخال مشروع «نهج الملكية المجزأة للعقارات»، الأمر الذي سينتج عنه طلب دولي أوسع، وبالتالي تنشيط أسعار العقارات، ونأمل في الوصول إلى سعر التوازن للسوق بحلول معرض إكسبو، خاصة وأنّ ثمة 46 ألف وحدة إضافية من المقرّر تسليمها بعد يونيو 2020.

وأضاف غريغوري أن الكثير من الخبراء الاقتصاديين تناولوا في أحاديثهم التوقعات لمستقبل السوق العقاري بدبي في الفترة اللاحقة لمعرض إكسبو. واستناداً إلى ما نعرفه عن الوضع الحالي للسوق، والمعروض المستقبلي، والخطط الموضوعة لاستغلال موقع إكسبو بعد انتهاء الحدث، يمكننا استنتاج وجود تدابير مدروسة لزيادة المردود الاقتصادي للحدث، وتقليص تقلّبات السوق، وتجنب أعراض الانحسار بمجرد انقضاء فترة الحدث وتراجع أعداد الزائرين.

إكسبو

جدير بالذكر أنّ ثمة خططاً موضوعة لإعادة تطوير موقع إكسبو ليُصبح الضاحية الجديدة لدبي الجنوب بعد انتهاء الحدث (8228 وحدة يتم إنشاؤها حالياً)، وبالتالي تجنب التعرض لفقاعة عقارية، بحيث سيوفر الموقع عدداً كبيراً من المنازل والمدارس ومراكز التسوق الجديدة. وقد بدأت «مجموعة الفطيم» بالفعل أعمال بناء موقع جديد لمتاجر «آيكيا» و«إيس» في المنطقة المجاورة.

وقال غريغوري إن الضاحية الجديدة سترتبط بباقي الإمارة عبر مشروع خط المترو الجديد، الذي يمرّ على خمسة مواقع سكنية رئيسية جديدة، حيث ستُصبح أسعارها تنافسية بطبيعة الحال، كما من شأنه أن يزيد من جاذبية فكرة الانتقال للعيش في دبي في أذهان الناس، لا سيّما بين زوار المعرض المتوقع أن يصل عددهم إلى 25 مليون نسمة.

تنبؤ صعب

وأضاف أنه قد يكون من السهل الافتراض بأنّ الأسعار سترتفع ببساطة عند انطلاق إكسبو 2020، لكن في واقع الأمر من الصعب جداً التنبؤ بما يحمله لنا المستقبل، حتى لو حاولنا بناء افتراضاتنا على الاتجاهات والبيانات التاريخية، إلا أنّ الحقيقة المؤكدة هي أنّ الاستثمارات الضخمة التي ضختها دبي في موقع إكسبو سينتج عنها فوائد ملموسة تتجاوز فترة الحدث، مثال رئيسي على ذلك هو خط المترو الذي استثمرت الإمارة 10 مليارات درهم لتوسعته.

كما ستفيد الحملة التسويقية الضخمة المرتبطة بالمعرض في وضع دبي على الخارطة العالمية، ليس فقط في الفترة السابقة للحدث وخلاله، ولكن أيضاً في السنوات التي تليه، بحيث ستظل صورة دبي الإيجابية في أذهان سكان العالم لسنوات طويلة مقبلة، وهو ما سيحمل بالتأكيد تأثيرات بعيدة المدى على مخططات الناس المتعلقة بالانتقال إلى دبي والاستقرار فيها، ما سيحقق في نهاية المطاف الاستقرار الذي يحتاج إليه السوق العقاري.

الإقامة والسياحة والاستثمار ثلاثية إماراتية ذهبية

حلت الإمارات على رأس الدول الشرق أوسطية في مؤشر شركة «فيوتشر براند» الذي يقيس قوة الدول استناداً إلى مدى جاذبيتها للاستثمار والسياحة والإقامة، وغيرها. ويتميز مؤشر الشركة لعام 2019 والذي صدر مؤخراً بأنه لا يستخدم معايير تقليدية لقياس قوة الدول مثل الناتج المحلي الإجمالي وعدد السكان والمساحة وحجم ترساناتها من الأسلحة.

وذكرت الشركة في تقرير لها أنه في ظل عالم يتغير بسرعة بسبب التقدم التكنولوجي وقضايا سياسية واجتماعية ملحة، مثل الهجرة والرعاية الصحية والتعليم والتغير المناخي، أصبحت هناك حاجة إلى معايير أخرى تعتمد على قياس رد فعل الدول وقدرتها على إحداث التوازن والازدهار في ظل هذا العالم الديناميكي.

واستخدم التصنيف أكبر 75 دولة بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي في مؤشر البنك الدولي، لكن أعاد ترتيبها وفقاً لمعايير جديدة تمتلكها الإمارات وهي نظام القيم (مثل الاهتمام بالبيئة والتسامح والحرية السياسية) وجودة الحياة (الصحة والتعليم ومستوى المعيشة والأمن والسلامة والرغبة في العيش في دولة ما) والفرص الاقتصادية (التكنولوجيا المتقدمة، وفرص إقامة مشاريع، وتوافر بنية تحتية قوية) والتراث والثقافة (الأماكن التاريخية الهامة، والتراث والفن والثقافة، والجمال الطبيعي) والسياحة (القيمة بالنسبة للمال، وأماكن الجذب السياحي والخيارات المتاحة للسياحة والرغبة في الزيارة ونوعية الطعام) والسلع والخدمات المصنوعة محلياً (المنتجات الأصلية والمنتجات عالية الجودة).

في المقابل، ذكرت الشركة أن الاستقطاب السياسي وقلة التسامح يضعف مكانة الدول في الترتيب. وقالت في شرحها للتصنيف إنه باستخدام هذه المعايير تستطيع دول ذات معدل ناتج إجمالي منخفض أن تضاهي الدول الكبرى المهيمنة على العالم.

وأكد التقرير أن الاختيارات الشخصية للأفراد وقيمهم المشتركة تؤثر على مدى تقبل الأفراد لدولة ما، الأمر الذي يؤثر على وضعها داخل التصنيف الجديد، علماً بأنه بسبب التقدم التكنولوجي، أصبح للأفراد حرية أكبر من ذي قبل في اختيار الأماكن التي يعيشون فيها والعمل ليس فقط في المراكز العالمية الكبيرة، مثل نيويورك ولندن، ولكن أيضاً في مراكز ومدن أخرى أقل حجماً.

واحتفظت اليابان بمكانها السابق في مقدمة الترتيب العالمي تلتها النرويج ثم سويسرا. وتتمتع اليابان بمكانة قوية بين السياح والطلبة الزائرين والمقيمين والمستهلكين والمستثمرين، حسب المؤشر. وأشار التقرير إلى أن اليابان، الدولة العضو في مجموعة الثماني، تمتلك المقومات التقليدية لدولة كبرى ولديها في الوقت ذاته المعايير الجديدة المذكورة سابقاً.

وعلى الرغم من أن اليابان من أكثر دول العالم في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، تعد الأفضل فيما يتعلق بالاهتمام بالبيئة. وتعهدت الحكومة بخفض انبعاثات الغازات الدفيئة إلى 26% بحلول 2030، وهناك علامات يابانية كبيرة مثل سوني وتويوتا أطلقت مبادرات لتقليل الانبعاثات. وجاءت الإمارات في المركز الـ16 عالمياً بعد أن كانت في المركز الـ19 في مؤشر الشركة السابق الذي صدر عام 2014.

Email