جنوب شرق آسيا على طريق الحرير

ت + ت - الحجم الطبيعي

في الوديان العميقة لشمال لاوس، على نهر نام خان، جرى بناء سدين للطاقة من قبل الصينيين، بتكلفة 314 مليون دولار تمت تغطيتها بقروض ميسرة من جانب بنك التصدير والاستيراد التابع للصين بمعدل فائدة 2% سنوياً. هذان المشروعان جزء من خطة لحكومة لاوس تقضي بتصدير الطاقة إلى تايلاند وفيتنام عبر 72 سداً مقترحاً، وأن تصبح بطارية طاقة «جنوب شرق آسيا».

مشروع الطاقة المائية «نام خان 3» الذي افتتح منذ عام، حول وادياً بمساحة تبلغ 9 كيلومترات مربعة، كان موطناً لآلاف المزارعين والصيادين إلى خزان واسع، وحصل معظمهم على حزم إعادة توطين ونُقلوا إلى قرية من منازل خرسانية جديدة. وفيما تحوي المنطقة وسائل الراحة الحديثة.

وهذا النوع من الأخذ والعطاء يشكل رؤية السياسة الخارجية للرئيس الصيني شي جينبينغ لـ«حزام واحد طريق واحد»، والتي هي ربما «القضية الأهم للمنطقة» وفقا لأحد الاقتصاديين. فقد توفرت لحكومات دول تمتد من لاوس إلى ليتوانيا إمكانية الوصول إلى رؤوس أموال ضخمة لمشاريع جديدة وتجديد للبنى التحتية، فيما يدفع شي بخططه لبناء «طريق حرير جديد»، لكن بناء على شروط الصين.

وباعتبارها أكثر دول «آسيان» فقرا، أصبحت لاوس أكثر اعتمادا على المساعدات والاستثمارات ومشاريع البناء الصينية. وخلال السنوات الماضية، بنت بكين أيضا طرقا سريعة ومناجم وفنادق لتغذية صناعة السياحة المتنامية.

وحفر عمال بناء صينيين خط سكك حديد سريع يمتد لمسافة 420 كم إلى عاصمة لاوس، وهو جزء من مشروع مترامي الأطراف سيربط يوما ما الركاب والبضائع عبر 8 دول آسيوية. وبكلفة تقدر بمليارات الدولارات، وعبر قروض ميسرة توفرها بكين، فإن السكك الحديدية ستكون مملوكة بنسبة 70% لسكك الحديد الصينية، و30% لحكومة لاوس.

وهناك مئات المشاريع الصينية الأخرى في أنحاء المعمورة على طول طريق الحرير، الذي يربط الصين مع أوروبا الغربية عبر شبكة من السكك الحديدية والطرقات والموانئ تمر عبر الشرق الأوسط وآسيا وأفريقيا وأوروبا الشرقية.

ولن يوفر طريق الحرير فقط أسواقاً لطاقة الصين الصناعية المفرطة، بل سيسهل أيضاً التجارة ويعزز الروابط الدبلوماسية الإقليمية والعالمية، ويجد موطنا أكثر ربحية للاحتياطات الهائلة من النقد الأجنبي في الصين، ويؤمن حصولها على كفاءة في استخدام الطاقة.

وهذا التطور الهائل في المسبوق الاقتصادي الجيوسياسي من قبل دولة واحدة سيمتد إلى أكثر من 60 دولة، ويرى السلع والتكنولوجيا الصينية تصل إلى أوروبا عبر الطرق البحرية الجديدة إلى ميناء في اليونان تملكه الصين.

وليس مستغرباً أن يجري النظر إليه بحماس في منطقة جنوب شرق آسيا، وهي منطقة في الغالب بحاجة ماسة لتبقى تنافسية، لكن ينقصها التمويل لتحقيق ذلك. فطريق الحرير يعد بلداناً مثل لاوس وكمبوديا وميانمار ليس فقط بالبنى التحتية، وإنما أيضا بالتجارة والتكنولوجيا والسياحة وتحسين الصناعة.

ويقول أستاذ اقتصاديات جنوب شرق آسيا في الجامعة الوطنية الأسترالية هال هيل: «القوة الناعمة مهمة، والوضع عبارة عن نتيجة مفيدة لكل الأطراف: الفائض الصيني رغم تراجعه، يبقى هائلاً إذ يبلغ 3 تريليونات دولار، وبحاجة إلى تدوير، فيما البنى التحتية هي من الأشياء التي تحتاجها أي دولة».

ويقود «البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية» المشاريع، ورغم أنه مؤسسة متعددة الأطراف، إلا أن الصين التي أسست أيضاً «صندوق طريق الحرير» بقيمة 40 مليار دولار هي التي تسيره. كذلك من المتوقع أن تستثمر مصارف صينية 1.3 تريليون دولار في طرق الحرير في العقود المقبلة. كما حولت الصين 82 مليار دولار إلى 3 بنوك حكومية لمشاريع طريق الحرير.

لكن عندما يأتي الأمر إلى الاقتصادات الناشئة، فإن السؤال هو من سيدفع ثمن البنى التحتية، التي منها على سبيل المثال القطار في لاوس. يقول هيل: «من المؤكد أنه سيكون عبارة عن قروض ميسرة وليس منحاً، وهذا يعني ديونا، وهناك مخاطر من تمويل مشاريع غير أساسية للأسباب الخاطئة. فلدى الصين منظورها الاستراتيجي الخاص بها».

اعتبار آخر، يضيف هيل، هي التقلبات في أسعار الصرف، وهناك مستوى من القلق بشأن الاعتماد على الصين والدوافع السياسية التي يمكن أن تؤدي إلى «مأزق الديون». كما قد يكون للاحتكاك في بحر الصين الجنوبي تأثير سلبي على رؤية الصين لكن المنافع تفوق المخاطر من منظور سياسيي جنوب شرق آسيا.

وكانت الصين المقرض الخارجي الأكبر لكمبوديا منذ عام 2010. ووفقاً لرئيس المؤسسة الكمبودية للدراسات الاستراتيجية، شيينغ فاناريث، والأهم هو أن الحكومة الكمبودية ربطت مشاريع طريق الحرير باستراتيجياتها وأهدافها الوطنية: «لكن رئيس الوزراء الكمبودي هون سين ليس لديه خطة عمل واضحة».

ويقول إن الصين سعت إلى التشاور، بدلاً من المجيء بسياستها الخاصة وطلب تنفيذها، كما يفعل البنك الدولي والولايات المتحدة. وبينما هناك مشاريع لم تستكمل دراسات التأثير الاجتماعي والبيئي وحصلت احتجاجات ضدها، إلا أن الصين في الغالب لم تواجه مشكلات كبيرة في الانطلاق بمشاريع كبيرة في تنمية بلدان جنوب شرق آسيا.

من جانبها، فإن بلداناً آسيوية ببنية تحتية أكثر قوة مثل سنغافورة وماليزيا وحتى تايلاند لديها حوافز أخرى لتبني رؤية جينبينغ: البقاء في مدار الصين. يقول هيل: «كانت الصين القاطرة الأهم للمنطقة».

لكن هل يمكن أن يضعف موقع سنغافورة كالمركز التجاري والمالي الأول بين المحيط الهندي وبحر الصين الجنوبي؟ يقول ديفيد ويجرتن الخبير في شركة «بي دبوليو سي» الاستشارية إن التجارة الحرة لسنغافورة، وأنظمة الضرائب المنخفضة، وغياب التقييدات على الصرف الأجنبي، والمواهب المتنوعة والأنظمة القانونية السلمية، يضعها في موقع الميسر المثالي للاستثمار إلى بلدان طريق الحرير الأقل ودية تجاه الأعمال.

 

Email