تحليلات غربية خاطئة للاقتصاد الصيني

ت + ت - الحجم الطبيعي

أواخر العام 2013، تم عقد جلسة لمؤتمر الحزب الشيوعي الصيني في بكين وسط دعوات لإجراء إصلاحات اقتصادية صارمة. قال العديد من المحللين والمعلقين حينها إن مشكلات منهجية تعطل مسيرة الاقتصاد الصيني، وبالتالي يجب إجراء تغييرات بنيوية جوهرية لإنقاذه من دوامة هبوط متسارع في معدل النمو. وأشار المحللون إلى أن تباطؤ النمو سيفاقم المشكلات الاجتماعية، ما قد يؤدي إلى عدم استقرار سياسي.

لقد أساء هؤلاء المحللون تقدير قوة الاقتصاد الصيني ومساره. وفي الواقع، فإن الصين يمكنها تسجيل نمو سنوي في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 8% خلال الـ10-15 سنة المقبلة أو إلى مدى أبعد من ذلك. وتم بالفعل إطلاق جدول لإصلاحات اقتصادية كاسحة خلال الجلسة التي عقدت مؤخرا للحزب الشيوعي الصيني، بهدف دفع النمو بقوة أكبر والتغطية على أي مخاطر سلبية محتملة، وليس لإنقاذ اقتصاد يواجه كارثة وشيكة.

نعم، لقد تراجعت نسبة النمو في الاقتصاد الصيني، وحدث بالفعل تباطؤ على مدى 13 ربعاً من نحو رقمين إلى 7.5% في الربع الثاني من 2013. وكانت تلك أكثر فترات الاستدامة من التباطؤ في النمو منذ بدء الإصلاحات الاقتصادية في عام 1979. غير أن أسباب هذا التباطؤ كانت على امتداد العالم ولم تكن قاصرة على الصين بشكل خاص.

وقد يساعد إجراء دراسة استقصائية للاقتصادات الناشئة على امتداد العالم على توضيح الصورة. فقد شهدت البرازيل انخفاضاً في نسبة النمو من 7.5% في 2010، إلى 2.7% في 2011، و0.9% في 2012. وخلال الفترة نفسها، هبطت نسبة النمو في الهند من 10.5% إلى 6.3% و2.2%. وفي كوريا الجنوبية من 6.3% إلى 3.7% و2.0%. وتايوان من 10.7% إلى 4.1% و1.3%. وسنغافورة من 10.8% إلى 5.0% و1.3%. ونظراً لتعرضه لضغوط قوة التراجع العالمي للاقتصاد، لم يتدهور اقتصاد الصين بالدرجة نفسها، وقد هبطت نسبة النمو من 10.4% إلى 9.3% و7.8%.

ولا تستطيع أية دولة تحمل نسبة نمو من رقمين لمدة غير محددة. لكن الصين تحملت ذلك خلال العقدين الماضيين، وهي فترة طويلة جدا بكل المعايير. وهناك أسباب قوية جدا تحملنا على الاعتقاد أن الاقتصاد الصيني، في مساره الحالي، يمكنه أن يحقق نسبة نمو عالية لكنها مؤلفة من رقم واحد، لعقد آخر.

وعلى اعتبار أنها دولة نامية، فإن الصين لديها حيز كاف لمواصلة استخدام فوائضها الاقتصادية مع الدول المتطورة لدفع نسبة نموها في المستقبل المنظور.

وكقاعدة عامة، فإن الاقتصادات النامية يمكنها أن تستغل التقدم في التكنولوجيا الناضجة والممارسات في القطاع الصناعي للدول الغنية لإيجاد نسبة نمو مرتفعة بتكاليف ومخاطر أقل بالمقارنة مع الاقتصادات المتقدمة. وفي حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، حققت هذه الاقتصادات نسبة نمو سنوية أكبر من 7% لفترة تزيد على 25 عاما، وكانت الصين دون شك هي الأكبر في هذا المجال. وقد يقول بعض المحللين إن الصين استهلكت قدراتها في هذا النمط من النمو، لكن هذا التقييم غير صحيح.

وتوفر الظروف المالية السليمة للصين مزيداً من التأكيدات. وقد أصدرت العديد من وسائل الإعلام مؤخرا تحذيرات شديدة من الإفراط في الاستدانة، وعلى الأخص في الحكومات المحلية. وبدون شك توجد مشكلات اقتصادية، لكن المخاوف غالباً ما تكون مبالغا فيها.

لقد أعلنت جلسة الحزب الشيوعي الصيني عن إطلاق مبادرات إصلاح اقتصادية قوية. وسيواصل السوق زيادة دوره في توزيع المصادر. وسيمنح القطاع الخاص مجالا أكبر للنمو والمنافسة، فيما سيتم تحرير القطاع المالي.

وسيكون النمو المستند إلى هذه الإصلاحات أعلى بصورة جوهرية من النسبة المطلوبة البالغة 6.8%، والهادفة للوصول إلى الهدف الحكومي المتمثل بمضاعفة دخل الفرد، مما يدفع الصين للانضمام إلى فئات الدول ذات الدخل المرتفع.

وفي حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، لم تنجح سوى دولتين، هما كوريا الجنوبية وتايوان، في القفز من مربع الدول ذات الدخل المنخفض إلى فئة الدخل المرتفع. وبما أن اقتصاد الصين أكبر بكثير من اقتصاد تلك الدولتين، فإن الإنجازات التي حققتها الصين قوية في هذا المجال بكل تأكيد.

 

Email