تأصيل الشفافية

الشفافية لغة، أن تظهر ما تبطن، وعند بعض المسؤولين شعار رنان في عامهم الأول من تولي منصب ما لإظهار فضائح من سبقوهم ولكن ما يلبث بعد عام أن يتبدل الأمر وتظهر سياسة الكيل بمعيارين حتى يختفي معيار الشفافية.

أما الشفافية عند الماليين فهي إظهار كل الحقائق بالقيمة العادلة وبالشكل السليم الذي يحتاجه مستخدمو البيانات المالية للحكم على شركة وأدائها خلال السنة المالية وإظهار الإفصاحات اللازمة لهذه الأغراض. أما الشفافية عند المدققين فتظهر في إبداء الرأي الفني والمحايد في القيمة العادلة لأداء الشركة خلال العام المالي والذي يضمن لمستخدم هذه البيانات الحصول على تأكيد لتلك الشفافية من جهة مستقلة محترفة.

الشفافية لها الكثير من المنافع المجتمعية مثل محاسبة المخطئ، وعدم هدر الأموال ومنع استنزاف الشركات، وبطبيعة الحال فإن عدم وجود الشفافية يكلف الدول الكثير، عبر النزيف المالي والإداري، لهذا استحدثت الدول أجهزة مناعية عبر المدققين والمراقبين بأنواعهم مثل أجهزة الرقابة المالية والإدارية وإدارات الرقابة الداخلية ومكاتب التدقيق المالي.

كان فرانسيس مود وزير شؤون مجلس الوزراء البريطاني في زيارة للبنك الدولي أخيراً تحدث خلالها عن الشفافية في بلاده، وضمن ما قال: ثمة اختلافان استوقفاني عند النظر إلى أهمية تجربة المملكة المتحدة في مجال الشفافية بالنسبة لتجربة الشفافية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهما جانبا الطلب والعرض للمعلومات. ففي جانب العرض، بدا أنه من السهل نسبياً إقناع الحكومة البريطانية بالمضي قدماً في المبادرة،.

حيث دافع رئيس الوزراء عن إصلاح قواعد الشفافية بإصدار كتاب بالتزامات يتوجب على الحكومة الوفاء بها وقد امتثلت الحكومة لذلك. وأشعر أنه قد تكون هناك حواجز سياسية أكثر لدى حكومات المنطقة، لاسيما أن الإصلاحات الواقعية والقانونية ليست بالضرورة متسقة. ومع أن ذلك قد لا يكون سهلاً مثلما هو الحال في المملكة المتحدة، فإني أعتقد أنه بوجود النصير السياسي المناسب وتشريع شامل لحرية تداول المعلومات، يمكن تحقيق إمكانية الحصول على المعلومات.

أما في جانب الطلب، فلم يكن الوزير مود يشعر بأن منظمات المجتمع المدني ستجد أية صعوبة في الاستفادة من المعلومات المتاحة. ولعل منظمات المجتمع المدني في المنطقة تحتاج إلى بعض التدريب على كيفية استغلال البيانات التي ستكون متاحة. وقد يكون هذا مجالاً يمكن للبنك الدولي والمانحين الآخرين التركيز عليه بغية تعظيم الثمار والعوائد الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.

ان المعايير العالمية المالية والاقتصادية تهتم بتأصيل مبدأ الشفافية وتنظيمه مراعاة للمصلحة العامة، وكثير مما حدث من انهيارات اقتصادية في الشركات الكبرى العالمية وجدوا أنها نتيجة غياب الشفافية بالمقام الأول وثانياً بسبب استخدام الثغرات الإدارية والمالية في النظام العام، وقد أصبح هناك العديد من الخبراء في عمليات التحايل على الأنظمة والقوانين العامة بما يخرجها من إطار عملها السليم والصحيح على حد السواء.

بالنهاية طبعاً لا يخفى عليكم ان أعداء الشفافية عندهم معاييرهم الخاصة لخلط الأمور مثل "القوانين وضعت للمغفلين" فعندها تصرخ الشفافية قائلة "القانون لا يحمي المغفلين" وتبقى نظرية العربة والحصان بين الشفافية وبعض الناس.