الطهاة الآليون على وشك تحضير طعامك بالكامل

ت + ت - الحجم الطبيعي

قال ماو تسي تونغ ضمن مقولاته الشهيرة «الثورة ليست حفل عشاء»، وعلى الرغم من أن هذا قد يكون صحيحاً، فإنه لا يعني أن الطعام لن يكون طرفاً في المسألة عند قيام الثورة، ففي طوكيو، وأمام حشد كبير من المهتمين بصناعة الأغذية في آسيا، بدا واضحاً أن في الذكاء الاصطناعي والروبوتات لديهم خططهم لبسط نفوذهم في الصناعة، فكما يؤكد مؤيدو الروبوتات، فإن التقدم التكنولوجي الكبير الذي تحقق في السنوات القليلة الماضية قد منحهم شيئاً كانوا يفتقرون إليه دائماً: الأيدي الذكية والبارعة والمدركة للمساحة، وتم تصميم هذه الأيدي العاملة للقيام بمهام عدة ومنها تعبئة سباغيتي المطهية والزلابية المطبوخة على البخار، إلى جانب الدجاج المقلي ورقائق البسكويت المقرمشة وكرات أرز أونيغيري بالسلمون المشوي، وهكذا، فلا مجال لإخفاء الطموحات الكبيرة للروبوتات، وضرورة تقبل فكرة الاستغناء الوشيك عن المورد البشري، فصفوف روبوتات تصنيع الطعام، ومن ذلك «فودلي» و«ديليبوت» و«نانتسون سكوربيون»، لا تهدد بالغزو عبر المكر والاستنزاف، وإنما تقدم بياناً صريحاً بضرورة الاستعاضة عن البشر.

«اشتروا أجهزتنا اليوم للاستغناء عن البشر غداً» هكذا حثّ موظفو المبيعات في المعرض التجاري من العديد من الشركات المصنعة الحاضرين، وقد صورت الكتيبات التي تستعرض تنامي قدرات الروبوتات البشر كظلال رمادية على خطوط الإنتاج المستقبلية، فتمثل أطياف أولئك الذين لن يحتاج المشتري المحتمل إلى توظيفهم بعد الآن.

لقد جاء الحضور الحاشد في معرض فوما الياباني، وأغلبهم من اليابانيين والصينيين والكوريين والتايوانيين، لهذا السبب على وجه التحديد (وليس من قبيل المصادفة أنهم يمثلون الدول الأكثر انحرافاً ديموغرافياً في المنطقة)، كما أن صناعة الأغذية تعمل بهوامش ربح متواضعة، وغالباً ما يكون هناك إشكال لتحقيق مكاسب إنتاجية، وتحتاج الشركات إلى الذكاء الاصطناعي والروبوتات، بخلاف القطاعات الأخرى، التي تشهد الكثير من الجدل حول الإنتاج والتكلفة، وقد شجع انخفاض عدد سكان اليابان وسنوات من الركود على احتضان الأتمتة التي يقودها الذكاء الاصطناعي، وتدرك الدول الأخرى أنها ستحتاج قريباً إلى أن تحذو حذوها.

وفي هذا السياق، يرمز معرض فوما إلى الجمع بين ثورات مختلفة بعضها مرحب به، وبعضها ضرورة، والأبرز بينها هو الإنتاج، إذ تكشف أحدث البيانات الحكومية في صناعة الأغذية اليابانية انخفاضاً ملحوظاً في الإنتاج مقارنة بقطاع التصنيع العام، وأكد تقرير لبنك اليابان في سنة 2022 الاستياء من التباطؤ المستمر في نمو الإنتاج وبطء وتيرة انتقال الموارد من القطاعات ذات الإنتاجية المنخفضة إلى القطاعات ذات الإنتاجية العالية.

وأشار التقرير إلى أن التحسن سيحل عبر انتفاضة مزدوجة في تخصيص الموارد، والأهم من ذلك عبر المزيد من السيولة في سوق العمل، فيسعى العمال إلى اكتساب المهارات المطلوبة للقطاعات ذات الإنتاج الأعلى، وتحتاج اليابان إلى الروبوتات المدعومة بالذكاء الاصطناعي لتعبئة علب الغذاء وتشكيل كرات أرز، وبعبارة أخرى، حتى تتمكن مواردها البشرية الناضبة من التفرغ للقيام بمهام أخرى.

ووفقاً للحاضرين من ذوي الخبرات الكبيرة، فإن الثورة الأبرز التي برزت في معرض طوكيو ما زالت قيد التطوير، فقد تبنت الصناعة دائماً الأتمتة، ولكنها عانت كذلك فجوات في عملياتها، مثل مراقبة الجودة التي لا تلائم سوى البشر في الوقت الراهن، وتدرك اليابان التي تطالب متاجر الوجبات السريعة ومحال السوبر ماركت بإنتاج ضخم من الوجبات الجاهزة للأكل يومياً، بشكل خاص هذا التحدي.

وتبرز بعض البحوث الحديثة عن التعامل مع الأغذية بوساطة الروبوتات هذه المشكلة، ولا سيما حينما يكون للطعام نسيج مسامي أو زلق أو لزج أو هش، فعادة ما تكون الأيدي البشرية الخيار الوحيد في أجزاء معينة من هذه العملية، ولكن الآن، وعبر الجمع بين أجهزة الاستشعار الأكثر تعقيداً، وأدوات الذكاء الاصطناعي للتعامل مع المواد الغذائية المتداخلة وغير المتساوية، وآليات الإمساك عالية الحساسية، هذه التحديات بدأت تتلاشى، فيمكن لأيدي الروبوتات الإمساك بدقة بجزء محدد من المعكرونة في داخل الوعاء، أو اختيار 3 قطع من الدجاج المقلي من وعاء يضم آلاف القطع، وعلى الرغم من اعتراف موظفي المبيعات بأن الروبوتات تعمل بوتيرة أبطأ قليلاً من البشر، فإنهم يؤكدون أنها لن تنام أبداً على سبيل المثال.

وأصبحت شركة «فوجيسكي» واحدة من بين عدة شركات قادرة على تقديم عمليات مؤتمتة بالكامل، من البداية وحتى النهاية، لمهمة كانت معتمدة على كثافة اليد العاملة، مثل تعبئة علب غداء (بينتو) وأونيغيري وغيرهما من الأطعمة الجاهزة الأخرى.

والسمة الأبرز لهذا الجيل الجديد من الروبوتات ذات الأيدي الماهرة، الكيفية التي يزعم بها مشغلوها أنها ستحل محل البشر، فستبدأ على نطاق محدود على المستوى الفردي للشركات، ولكن ستمتد إلى عشرات الآلاف عبر الصناعة بأكملها.

وسواء كان موظفو المبيعات يقدمون تفصيلات عن وفور التكاليف المتاحة، أو الكتيبات التي تصور العمال الذين على وشك استبدال الأشباح بهم، فإن هذه الروبوتات الثورية ستستولي على الوظائف - أو تحرر البشر منها، حسب وجهة نظرك - تدريجياً بمعدل وظيفتين أو ثلاث في كل مرة.

كلمات دالة:
  • FT
Email