قد يبدأ البنك المركزي الأوروبي دورة لخفض معدلات الفائدة في وقت أبكر من نظيره الأمريكي، حسب ما أشارت أحدث تصريحات كريستين لاغارد. وقالت رئيسة البنك المركزي الأوروبي مؤخراً إنه إذا لم يكن هناك «تطورات صادمة» في الوضع الاقتصادي، فإن البنك المركزي يتجه نحو لحظة يتعين عليه فيها تخفيف سياسته النقدية. وشددت لاغارد على أن البنك لا يعتمد على تحركات الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي عندما يقرر اتخاذ هذه الخطوة.

وتتابع الأسواق المالية العالمية باهتمام بالغ هذه التطورات، حيث يتوقع المستثمرون إلى حد كبير خفضاً في سعر الفائدة الرئيسي على الودائع من أعلى مستوى له على الإطلاق عند 4 % في وقت مبكر الشهر المقبل، مع احتمال إجراء تخفيضين آخرين هذا العام. وفي المقابل، تتوقع الأسواق أن يبدأ الفيدرالي الأمريكي خفض أسعار الفائدة في سبتمبر أو نوفمبر، إضافة إلى خفض آخر محتمل آخر العام. وقال رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول: «من المرجح أن يستغرق الأمر وقتاً أطول حتى نكتسب الثقة بأننا نسير على طريق مستدام نحو خفض معدلات التضخم إلى 2 %».

ويبرر نهج البنك المركزي الأوروبي ضعف نمو الناتج المحلي الإجمالي في منطقة اليورو، الذي أدى إلى عملية انكماش تتوافق مع توقعات البنك المركزي، لكن إذا انحرف البنك المركزي الأوروبي كثيراً عن الاحتياطي الفيدرالي، الذي عادة ما يقود السياسة النقدية، فإن ذلك ينطوي على مخاطر على النمو والتضخم، وقد تأتي هذه الخطوة بنتائج عكسية.

وسبق للبنك المركزي الأوروبي تخفيض أسعار الفائدة قبل الاحتياطي الفيدرالي، في أبريل 1999 ونوفمبر 2011، لكن الظروف تختلف تماماً الآن لثلاثة أسباب:

أولاً: انخفاض قيمة اليورو المحتمل بعد خفض أسعار الفائدة قد يزيد التضخم المستورد، حيث يتم تحويل السلع والخدمات المقومة بالدولار إلى عملة منطقة اليورو الأضعف، كما أن سياق أسعار الطاقة غير مواتٍ بشكل خاص في هذا الصدد، نظراً لاعتماد الاتحاد الأوروبي على الطاقة المستوردة، إذ يتم تلبية نحو ثلثي احتياجات الاتحاد الأوروبي من الطاقة من الواردات، بينما تبلغ هذه النسبة 21% فقط في الصين، أما الولايات المتحدة فتنتج من الطاقة أكثر مما تستهلك. ومن شأن ارتفاع آخر في أسعار الطاقة أن يؤثر سلباً في استثمارات الأعمال على المدى القصير، ما يعوض الأثر الإيجابي المتوقع لخفض أسعار الفائدة على الاستثمار الخاص.

ثانياً: قد يؤدي خفض أسعار الفائدة قبل الاحتياطي الفيدرالي إلى تعزيز الانطباع في الأسواق بأن البنك المركزي الأوروبي يتوقع أداءً اقتصادياً ضعيفاً. والأداء الاقتصادي لمنطقة اليورو هو بالفعل من بين الأسوأ في العالم المتقدم؛ حيث بلغ النمو الاقتصادي في منطقة اليورو في الربع الأول 0.3% مقارنة بـ0.4% في الولايات المتحدة. وقد يزداد تشاؤم القطاع الخاص حيال المستقبل إذا أشار البنك المركزي الأوروبي إلى أنه يتوقع مزيداً من الضعف، وهذا بدوره سيؤثر في استثمارات الأسر والشركات.

أخيراً وليس آخراً، ثمة خطر يتمثل في احتمال تدهور مصداقية البنك المركزي الأوروبي، التي هي بالفعل أقل من مصداقية بنك الاحتياطي الفيدرالي، إذا خفض أسعار الفائدة قبل الأوان. وإذا أخّر الاحتياطي الفيدرالي بدء دورة التخفيض التدريجي، فلا شك أن المركزي الأوروبي سيكون تحت ضغط، وقد يضطر إلى التوقف مؤقتاً، ما يوجه ضربة طويلة الأجل إلى الثقة في أحكام البنك المركزي بشأن تحديد أسعار الفائدة في منطقة اليورو، وقد يؤدي ذلك إلى توقع بتقلبات أكبر في التضخم ونمو الناتج المحلي الإجمالي.

وتظهر النماذج الاقتصادية القياسية أن مصداقية البنوك المركزية تعتمد بشكل أكبر على قراراتها المتعلقة بالسياسة النقدية أكثر من اعتمادها على أخطاء التنبؤ بالناتج المحلي الإجمالي والتضخم، وهذا هو السبب في أنه من الخطورة بمكان أن يغير البنك المركزي الأوروبي تسلسل بدء القرارات بين البنوك المركزية حتى إن توفرت كل الشروط للبدء في خفض أسعار الفائدة قبل الاحتياطي الفيدرالي.

ويجب أن تكون هناك استجابة أفضل للاتجاهات الاقتصادية الأضعف من الجانب المالي. ويمكن أن يكون أحد مصادر الدعم المالي المحتمل هو الأموال الأوروبية غير المستخدمة حتى الآن والمخصصة بموجب برامج التعافي الرئيسية بعد الوباء بقيمة 800 مليار يورو للجيل القادم من الاتحاد الأوروبي.

ومن الواضح أن الإنفاق يجب أن يتم بعناية؛ لتجنب الهدر والفساد، لكن استخدام الأموال يمكن أن يكون أكثر فعالية من خفض سعر الفائدة. وحتى بداية العام، لم يتم صرف سوى ثلث القروض والمنح المتاحة، والأفضل من ذلك أن المفتاح لتعزيز إنتاجية رأس المال المنخفض سيكون الائتمان الضريبي للاستثمار. وبالتأكيد، فإن استخدام السياسة النقدية كأداة للتعويض عن فجوة النمو الهيكلي مع العالم المتقدم ينطوي على خطر إضعاف اليورو لفترة أطول، كما أظهرت السابقة اليابانية.