احتدام المنافسة على نشر المعلومات يشوه الأفكار حول الواقع الاقتصادي

ت + ت - الحجم الطبيعي

قد يبدو ما سأذكره الآن مفاجئاً إلى حد ما، خاصة عند صدوره من صحفي يعمل في مؤسسة إعلامية كبيرة تمتلك أنظمة تحليل متطورة، تفحص كيفية أداء كل مقالة ونشرة إخبارية وبودكاست، ومع ذلك فهو واقع وفعلي.

أولاً، من المعقول القول إن العصر الحديث لوسائل الإعلام ليس بالضرورة مفيداً بشكل كامل لفهم الجمهور للعالم.

ثانياً، كلما زادت المعلومات التي يحصل عليها الناشرون والمذيعون حول تفاعل الجمهور مع ما يقدمونه، كلما أصبح تأثير هذه المواد أكثر خطورة.

لقد كانت العلاقة الشائبة بين النشر الأمثل للجمهور وفهم الجمهور للعالم واضحة منذ فترة طويلة في مجال الجريمة. وقد أدّى تطبيق مقولة ويليام راندولف هيرست الشهيرة «إذا كانت الدماء تسيل، فستتصدر العناوين» إلى وضع مشوه يصبح فيه إدراك الفرد للجريمة مدفوعاً بالتقارير الإخبارية أكثر من تجاربه الخاصة، أو تجارب الأشخاص الذين يعرفهم.

ومن الطبيعي الآن أن يعتقد الناس بأن معدلات الجريمة آخذة في الارتفاع، بينما هي في الواقع تتناقص، كما يعتمد رضا الناس عن الحياة بدرجة أكبر على تصوراتهم للجريمة أكثر من الجريمة الفعلية نفسها.

والآن ثمّة مجموعة متزايدة من الأدلة تشير إلى أن نفس الظاهرة المثيرة للقلق ربما تؤثر الآن على التصورات العامة للاقتصاد، إذ تُظهر البيانات الصادرة عن الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي نمطاً مميزاً مشابهاً لما اعتدنا عليه مع الجريمة: يقيم الناس وضعهم المالي الشخصي على أنه جيد نسبياً، ولا يتغير هذا الأمر كثيراً على مر السنين، ولكن تقييمهم للاقتصاد الوطني قد تدهور بشكل كبير، مما أدى إلى فجوة واسعة. ويبدو على نحو متزايد أن التغطيات الإخبارية تتحمل جزءاً من اللوم.

وتشير دراسة أجريت هذا العام إلى أنه حتى مع تراجع حالات الركود الاقتصادي وتباعدها على مدى القرن الماضي، إلا أن المقالات الإخبارية المكتوبة حول الاقتصاد كانت أكثر تشاؤماً، وأظهرت دراسة أخرى أن نبرة الأخبار الاقتصادية قد انفصلت أكثر عن الأساسيات الاقتصادية الحقيقية في السنوات الأخيرة، ابتداءً من عام 2018، مما يعني أن الأمر لا يقتصر فقط على جائحة كوفيد 19 أو موجة التضخم الأخيرة.

وأحدث دليل على ذلك، يأتي من رايان كامينغز، وجياكومو فراكارولي، ونيل ماهوني، وهم مجموعة من الاقتصاديين الذين يكتبون لمجلة «بريفينج بوك» الأمريكية المتخصصة في الشؤون الاقتصادية، والذين أظهر تحليلهم لمليون نص من ست محطات إذاعية أمريكية تحيزاً سلبياً كبيراً عندما يتعلق الأمر بالإبلاغ عن أسعار البنزين، وهذا مهم بشكل خاص بالنظر إلى الدور الرئيسي الذي تلعبه هذه الأسعار في معنويات المستهلك على نطاق أوسع.

ويظهر هذا البحث التحليلي عدة أمور، أولاً، هناك تغطية إعلامية أكبر بكثير للأسعار عندما تكون مرتفعة مقارنة بالأسعار المنخفضة، وهكذا يمكنك أن تقول: «إذا زادت الأسعار، فإنها تتصدر العناوين».

ثانياً، السعر الذي تبدأ فيه هذا التغطية السلبية ينخفض بشكل مستمر من حيث القيمة الحقيقية، مما يجعل العناوين الرئيسية السلبية أكثر احتمالاً حتى بالنسبة لنفس المستوى من القدرة الشرائية. والنقطة الثالثة والحاسمة هنا هي أن التحول إلى بث الأخبار السيئة حول الأسعار يحدث بشكل أكثر حدة في القنوات الإخبارية التي تعتمد على الاشتراكات، حيث تكون الحوافز لجذب المشاهد للشاشة أقوى مقارنة بالقنوات التليفزيونية الأرضية.

التأثير الأقوى لكل ذلك يظهر بصفة خاصة في قناة فوكس نيوز، حيث أدّى الارتفاع القياسي في أسعار الوقود في يونيو 2022 إلى ذكر السعر فيما يقرب من 80 % من البرامج، مقارنة بنحو 50 % على قناتي «سي إن إن» و«إم إس إن بي سي» وأقل من 20 % على قنوات الشبكات الأخرى.

في ضوء ذلك، ليس من المستغرب على البيانات الصادرة عن استطلاع ثقة المستهلك الذي أجرته جامعة ميشيغان، إظهار أن الجمهوريين أكثر ميلاً بمرتين تقريباً من الديمقراطيين للقول إنهم سمعوا مؤخراً أخباراً سيئة حول ارتفاع الأسعار.

كل ذلك يجعل من غير المرجح أن يحصل الرئيس جو بايدن على الكثير من الدعم المفترض من التوسع الاقتصادي المستمر الذي تشهده الولايات المتحدة.

إن الرسوم البيانية التي تظهر ارتفاع دخل الأمريكيين وثروتهم، وانخفاض عدم المساواة واستمرار انخفاض معدل البطالة لا يمكن أن تتنافس مع الادعاءات التي يسهل دحضها، ولكنها جذابة للغاية بأن معظم الأسر ليس لديها القدرة على تحمل نفقات المعيشة.

وللأسف، لن يتغير أي من هذا، فقد وجدت ورقة بحثية حديثة في مجلة نيتشر أن كلما كان عنوان الخبر أكثر سلبية، كلما زاد عدد الأشخاص الذين سينقرون عليه، وسيعرف أي شخص قضى وقتاً على وسائل التواصل الاجتماعي ـ وهي الآن المصدر الأساسي للأخبار لنسبة متزايدة من الناس ـ أن نفس التوجهات تنطبق هناك.

ومن المؤسسات الإخبارية إلى مستخدمي تيك توك، الجميع يعمل الآن على زيادة التفاعل، وهذا يعني أننا نسمع السلبيات أكثر من الإيجابيات.

كلمات دالة:
  • FT
Email