من منظور المستثمر الذي يركز أنظاره على الولايات المتحدة، يبدو العالم مشرقاً في هذه المرحلة. فقد ساهم الاقتصاد الأمريكي القوي على نحو مفاجئ، وانتعاش أسعار الأسهم، واستعادة التعاملات الاقتصادية تدريجياً في إظهار وول ستريت حالة من التفاؤل إزاء أداء الأسواق المحلية.

لذلك، قال هارفي شوارتز، الرئيس التنفيذي لشركة كارلايل، خلال الملتقى السنوي لمعهد ميلكين منذ أيام: حين سألت غالبية المستثمرين، وعملائي في جميع أنحاء العالم، عن الولايات المتحدة، كانت الإجابة «قمت بتخصيص رأس مال للاستثمار في الولايات المتحدة، وأنوي تخصيص المزيد».

وشارك هارفي شوارتز المنصة مع جين فريزر، رئيسة مجموعة سيتي غروب، التي نحت جانباً المخاوف حيال التقييمات المرتفعة في سوق الأسهم، وسلطت الضوء على نظريتين دفعتا أسعار الأسهم للارتفاع خلال الأشهر الأخيرة، مشيرة إلى أنه إذا استمر صمود النمو، فلدى الأسهم دافع للارتفاع، كما أنه إذا كان ثمة مؤشرات على تباطؤ الاقتصاد وتخفيضات وشيكة في أسعار الفائدة، فإن الأسهم تبقى حينها عرضة للارتفاع أيضاً.

ومع ذلك، لم تتبدد الأجواء الضبابية بعد، لا سيما بالنسبة للمستثمرين الذين يتطلعون إلى ما وراء البحار. فالمخاطر الجيوسياسية تعد موضوعاً مطروقاً باستمرار في مناقشات المستثمرين، وكذلك تحديات التعامل مع التغيرات في الاقتصادات التي تتحرك بوتيرة مختلفة، وتجلى ذلك في أوضح صورة في عودة التحوط للوقاية من مخاطر العملات بقوة إلى جدول الأعمال لدى كثيرين.

وصرحت كارين كارنيول تامبور، كبيرة مسؤولي الاستثمار لدى صندوق التحوط «بريدج ووتر أسوشيتس» خلال مؤتمر ميلكين، قائلة: «لفترة طويلة لم يكن لدى المستثمرين ما يدعو للقلق بشأن العملات»، مشيرة على أنها تحدثت مع مستثمرين أشادوا بالاستثمارات الضخمة الأخيرة، لكنهم أعربوا عن أسفهم حيال تأثير تقلبات العملة عليهم.

ويعد الين الياباني أوضح مثال لذلك، حيث شهد الين خلال الشهر الماضي تقلبات حادة مقابل الدولار، وتحرك بمقدار 3 ينات في غضون دقائق، بسبب التدخلات المحتملة من السلطات لإبطاء تراجعه. وعلى مدار العام الماضي، انخفضت العملة اليابانية بنسبة 13 % تقريباً، مع ابتعاد صناع السياسات المحليين تدريجياً عن السياسة النقدية التوسعية، بينما استمر الدولار مدعوماً بأسعار الفائدة المرتفعة لفترة أطول مما كان متوقعاً.

وأدى ذلك إلى حصول المستثمر الذي يتعرض للدولار دون تحوط ويتتبع مؤشر توبكس القياسي، على عائد إجمالي بنسبة 17 % لمدة 12 شهراً. بينما تمكن الذين يتمتعون بالحماية الكاملة من تحقيق ما يربو على 30 %، متجاوزين المكاسب التي حققوها في مؤشر ستاندرد آند بورز 500.

ويمكن للتحوط أن يكون بمثابة وسيلة لزيادة العائدات، ولكن بالنسبة للكثيرين، كان الجدل يدور حول الحماية من خطر الصدمات غير المتوقعة.

وهنا قالت إليزابيت بيرتون، محللة استراتيجية لاستثمارات العملاء لدى غولدمان ساكس لإدارة الأصول: «المستثمرون لا يتوقعون بالضرورة انخفاض قيمة الدولار قريباً.. إنهم يستخدمونه كتحوط من المخاطر الجيوسياسية بدلاً من الرهان مقابل عملات دول أخرى». وذكرت أن نحو ثلث المستثمرين المؤسسيين يقومون بالتحوط من مخاطر العملة، وأضافت: «قد لا يحتاجون حالياً إلى التحوط من العملة نظراً لقوة الدولار، لكن تطبيق ذلك الآن يمكن أن يوفر حماية أفضل إذا حدث تراجع في المستقبل».

ويشكل ذلك توازناً صعباً بالنسبة للمستثمرين الأكثر اعتياداً على التفكير في الدولار كملاذ خلال الأوقات العصيبة والاستفادة من حجة «الاستثناء» الأمريكي التي تطورت على مدى العقد الماضي مع تفوق أسواقها على الأسواق الأخرى.

ومع ذلك، فإن التقلبات الكبيرة للدولار في أي اتجاه من الاتجاهين لها القدرة على الإخلال باستراتيجيات الاستثمار، وشدد محللو بنك أوف أمريكا على حاجة الشركات الأمريكية للنظر في تعرضها لتقلبات العملة، في حالة ارتفاع قيمة الدولار بشكل أكبر، وهو أمر من شأنه أن يقلص أرباحها عند تحويل الدخل الخارجي إلى دولارات. وقالوا للعملاء: «على الرغم من أن توقعاتنا لا تزال ترى انخفاضاً محتملاً للدولار على المدى المتوسط، إلا أن تحديد توقيت هذا التحول بات أصعب.. والدعوة للتحوط من مخاطر ارتفاع قيمة الدولار لبقية العام قد تنامت بالنسبة للشركات الأمريكية».

وتنطوي العقود الحالية لشراء الدولار في المستقبل على خصم على السعر الفوري مقابل عملات رئيسية أخرى عدة. وهذا يعني أن سعر الدولار أقل مقابل عملات مثل نظيره الكندي، بالنسبة لمعاملات تسليم شهر نوفمبر مقارنة بالسعر الحالي.

ووفقاً لحسابات فريق بنك أوف أمريكا بناءً على التسعير الأخير، ثمة احتمال بنسبة 80 % أن يكون شراء الدولار الأمريكي في غضون 6 أشهر باللوني (وهو ما يطلق على العملة الكندية في الأسواق) مربحاً. ورغم أن وسائل التحوط مكلفة، لكن كلما تحركت الاقتصادات بخطى مختلفة، كلما كان من الصعب تبرير الاستغناء عنها.