سوق سندات الشركات الأمريكية تنتعش بسلسلة من الإصدارات

ت + ت - الحجم الطبيعي

هرعت الأعمال إلى استغلال المقرضين في سوق سندات الشركات الأمريكية، البالغة قيمتها 10 تريليونات دولار، للاستفادة من طلب المستثمرين المحموم، وانخفاض علاوات الاقتراض، عبر طرح كميات كبيرة من الديون الجديدة.

وأصدرت الشركات ذات السندات عالية العائد أو المُصنّفة خردة، ديوناً مُقوّمة بالعملة الخضراء تزيد قيمتها عن 14 مليار دولار خلال الأيام الماضية من خلال أكثر من 20 صفقة، بحسب البيانات المُستقاة من مجموعة بورصات لندن وحسابات «فايننشال تايمز»، وهو أكبر إجمالي منذ أواخر 2021.

أما المقترضون أصحاب السندات من الدرجة الاستثمارية، الذين عادة ما يتمتعون بوصول أكثر اتساقاً إلى أسواق رأس المال بفضل جودتهم الائتمانية الأفضل، فباعوا سندات جديدة بقيمة 56.7 مليار دولار من خلال 45 عملية طرح، وهي أعلى قيمة أسبوعية بالدولار تم جمعها منذ نهاية فبراير وأكبر عدد لعمليات الطرح منذ عامين ونصف.

وسلّط مصرفيون ومستثمرون الضوء على زيادة قناعة الأسواق بأن أسعار الفائدة الأمريكية من المُستبعد أن تنخفض على نحو حاد هذا العام، مما يحفز الشركات على تلبية متطلباتها للتمويل في الوقت الراهن بدل من المخاطرة بتكبّد تكاليف اقتراض أعلى بينما يتحيّنون فرصة أخرى. كما تشكّل انتخابات نوفمبر تهديداً من شأنه زعزعة استقرار الأسواق في وقت لاحق من العام.

وأشاروا إلى ازدياد جاذبية التسعير، منذ استبعاد جيروم باول، رئيس الاحتياطي الفيدرالي، مؤخراً أن يكون التحرك التالي فيما يتعلق بالفائدة نحو الرفع. وأسهمت بيانات سوق العمل التي جاءت دون التوقعات مؤخراً في تحفيز تقديرات بخفض أو اثنين للفائدة، بقيمة ربع نقطة مئوية في المرة الواحدة، قبل نهاية هذا العام.

تأتي الموجة الأخيرة من الاستثمارات في السندات الاستثمارية ومرتفعة العائد مع اقتراب فروقات الائتمان من أدنى مستوياتها منذ قرابة عقدين. ويُقصد بفروقات الائتمان، العلاوات التي تدفعها الشركات المقترضة لإصدار ديون مقابل سندات الخزانة الأمريكية. وتضاءلت الفروقات، مع تدافع كبار المستثمرين إلى السوق للاستئثار بالعوائد الجذابة.

ووصف دان ميد، رئيس قسم السندات من الدرجة الاستثمارية لدى «بنك أوف أمريكا سيكيوريتيز»، الأمر بقوله: «من الواضح أنه كان أسبوعاً حافلاً واستثنائياً لسوق السندات الاستثمارية، خاصة جلسات التداول الثلاث الأولى من هذا الأسبوع».

وتابع: «أعتقد أن ما رأيناه ربما يكون استسلاماً من المصدرين لبقاء الفائدة مرتفعة لمدة أطول، بجانب قليل من التوقعات بأننا قد نشهد انخفاضاً كبيراً للفائدة عما قريب».

وقالت لاله باشيراد، المديرة الإدارية لقسم مبيعات الديون لدى «بي إن بي باريبا»: «أعتقد أن تفاؤل المستثمرين صار وجهة نظر مرحبة بازدياد الطروحات وإمكانية التحكم بها».

كانت مجموعة أورغانون للرعاية الصحية التي باعت سندات بقيمة مليار دولار لتساعدها في سداد قرض لأجل محدد بين المقترضين ذوي التصنيف عالي الائتمان الذين دخلوا السوق، وباعت منتجة النفط والغاز هيلكورب ديوناً بقيمة 500 مليون دولار، وستخصص جزءاً من الإيرادات لسداد قروض أخرى. أما شركة يلوك للمدفوعات، فطرحت سندات بقيمة ملياري دولار في صفقة ضخمة.

ورفعت شركة بريزيديو لتكنولوجيا المعلومات من حجم طرحها إلى 750 مليون دولار من 500 مليون دولار، بعد تحويل 250 مليون دولار من قرض متزامن بلغ إجماليه 1.85 مليار دولار في نهاية الأمر. وخُصصت إيرادات الطرح لتمويل استحواذ شركة سي دي آند آر للأسهم الخاصة على حصة أغلبية في «بريزيديو» من «بي سي بارتنرز».

وعلى صعيد الصفقات بسوق السندات من الدرجة الاستثمارية التي شهدت بداية قوية للعام فيما يتعلق بالاقتراض على وجه الخصوص، فقد شهدت عرضاً بقيمة 5 مليارات دولار من عملاقة الأدوية سي في إس، وعملية بيع بقيمة 3 مليارات دولار من «كوكا كولا»، إلى جانب طرح بقيمة 2.25 مليار دولار من شركة إيني الإيطالية للطاقة.

وباعت شركة تشارتر كوميونيكيشنز للإنترنت والكابلات سندات بقيمة 3 مليارات دولار، على أن يُخصص جزء من الإيرادات لغرض الدفع المُسبق لقرض بأجل مُحدد وتمويل إعادة شراء مُحتملة للأسهم.

ومع ذلك، يرى مشاركون في السوق أن وتيرة الإصدارات قد تبدأ في التباطؤ. وقال دان ميد من «بنك أوف أمريكا سيكيوريتيز»: «شهدنا معدلات قياسية لأحجام الطروحات خلال الربع الأول، ثم رأينا بالطبع هذه الفورة على مدى الأسبوع الماضي»، وأسهب: «ما زلنا نتوقع أن الأمر كان مجرد تقديم إلى حد كبير للإصدارات، ما يعني أن الربع الثاني من 2024 سيكون أكثر هدوءاً».

أما عن السندات ذات التصنيف الأقل، فذكرت باشيراد من «بي إن بي» أن «المصدرين أصبحوا أكثر ذكاءً» في الاستفادة من الفرص، مضيفة: «عليك استغلال الفرصة طالما كان هناك مجال لذلك».

ولقي الكثير من الإصدارات الأخرى طلباً شديداً من المستثمرين، مما كبح الفروقات، وقلل من تكلفة الاقتراض مقارنة بتكاليف سندات الخزانة.

أشارت بيانات «إي سي إي» الصادرة عن «بنك أوف أمريكا» إلى انكماش متوسط فروقات السندات مرتفعة العائد إلى أدنى مستوياته منذ 2007، لتلامس مستوى 3.03 نقاط مئوية، قبل اتساعها مع انتعاش الطروحات. وتضاءل متوسط فروقات السندات من الدرجة الاستثمارية إلى ما لا يقل عن 0.88 نقطة مئوية، وهو أدنى مستوى منذ أواخر 2021، ويبتعد رويداً عن أدنى المستويات المُسجلة منذ 2005.

ولفت آدم عباس، رئيس قسم الدخل الثابت لدى «هاريس أسوسييتس»، إلى أن تضاؤل الفروقات يعكس مزيجاً من «العوامل الفنية القوية»، إلى جانب «ازدياد القناعة لدى الأشخاص بأن الفيدرالي بإمكانه تخطي هذا، أي خفض التضخم من دون تغيير المشهد الاقتصادي بصورة جوهرية».

كلمات دالة:
  • FT
Email