الهدر وسوء الإدارة والإشكاليات الكبيرة آفات الإنفاق العام في المملكة المتحدة

ت + ت - الحجم الطبيعي

توليت لأكثر من عقد مهمة مراقبة كيفية إنفاق الحكومة لأموال دافعي الضرائب، إلى جانب فحص واستجواب المسؤولين عن مشاريع تبلغ قيمتها مليارات الجنيهات. وسبق أن شاهدت أمثلة عدة لمشاريع انتهت بالإخفاق، وتأجيل للمواعيد النهائية، وإهدار للأموال.

وهناك العديد من المعدات المكلفة في قطاع الدفاع التي تجاوزت التكلفة والجدول الزمني، ويبلغ حجم الإنفاق الحالي على معدات الدفاع للسنوات الـ10 المقبلة ما لا يقل عن 17 مليار أسترليني. وثمّة مشروعات أخرى مثيرة للسخرية، مثل مطار سانت هيلينا، الذي بُني في موقع عاصف بحيث لا يمكن للطائرات الهبوط فيه، ونظرت الحكومة في تفجير قمة جبل على الجزيرة لبناء ممر هبوط أكثر أماناً.

وإضافة إلى المشاريع الفاشلة الكثيرة، ثمّة العديد من «الإشكاليات الكبيرة» التي لا يزال يتعين علينا مواجهتها ـ مثل المشاريع المرجأة أو المؤجلة، حيث يعرّض استمرار التقاعس البلاد للخطر. ويشمل ذلك المباني المدرسية غير الصالحة ويستخدمها 700 ألف طالب، والمستشفيات السبع المبنية بالكامل تقريباً من الخرسانة الخلوية المسلحة، والتي يجب إعادة بنائها بحلول عام 2030، وتراكم أعمال صيانة المستشفيات لتبلغ قيمتها 10.2 مليارات جنيه إسترليني.

إن المملكة المتحدة لم تقم بتفكيك أي غواصات نووية حتى الآن رغم تقاعد 20 غواصة قديمة في عام 1980. وهناك حاجة إلى توفير 2.8 مليار جنيه إسترليني على مدى الـ15 عاماً المقبلة لمركز الصحة الحيوانية بمنطقة وايبريدج، وهو حاسم الأهمية للوقاية من الأمراض التي تنتقل من الحيوانات إلى البشر ومكافحتها. وتكلفة تأخير هذه الإجراءات باهظ سواء من الناحية الإنسانية والمالية.

وبصفتي وزيرة سابقة في الحكومة، أصبحت عضواً في هيئة مراقبة الإنفاق العام في البرلمان، ولديّ معرفة بكيفية عمل وايتهول، وكيفية تنفيذ السياسات، وكيفية إبقاء الأمور على المسار الصحيح. لكنني لاحظت فيما بعد مدى تكرار ارتكاب الأخطاء نفسها، ويبدو أن النظام غير قادر على تنمية التعلم المؤسسي والذاكرة. وفي كثير من الأحيان، شهدنا إساءة لاستخدام الأموال أو إهدارها، ولم يكن ذلك بسبب الفساد، ولكن بسبب التفكير الجماعي. وهذا يعزز الانحياز إلى التفاؤل والعناد والتقاعس والثقافة التي لا تشجع على الكشف عن المخالفات.

ويبلغ إنفاق الحكومة البريطانية أكثر من تريليون جنيه إسترليني سنوياً، ولكن يتعين ألا يعيق حجم الإنفاق الحاجة إلى التدقيق في إنفاق كل بنس. كما نحتاج إلى آليات أفضل لضمان تخصيص الأموال إلى حيث تحدث فرقاً كبيراً. ومن الأمثلة على ذلك الإنفاق على الصحة العامة لتوفير المال في خدمات الرعاية الصحية الخطرة. وبصفتي عضواً في البرلمان عن منطقة لندن المحيطة بمركز تكنولوجي رئيس في المملكة المتحدة، غالباً ما أقول إنه يجب أن نكون أشبه سريعي الخطى، على استعداد للتغيير عند الضرورة، وعندما لا تنجح الأمور، نعترف بذلك ونعلن الفشل السريع.

وتعني السياسة الجيدة النظر إلى المستقبل بعد 20 عاماً إضافة إلى التعامل مع أزمة اليوم وطوارئ الأسبوع المقبل. ويمكن أن تعني برامج الأحزاب خلال بحثها عن مكاسب انتخابية لحظية، إغفال التفكير على المدى الطويل. ولا يجب أن تصبح هذه التحديات مجرد مسائل خلافية سياسية، بل يجب التعامل معها على مدى عقود. وأنا أصف هذا بـ«السياسة البطيئة». وتقع أغلب مشاريع البنية التحتية والدفاع ضمن هذه الفئة. كما يتطلب التحول الرقمي في الحكومة هو الآخر إلى تمويل مستمر والحماية من خفض ميزانية الأقسام.

وتسلط لجنة الحسابات العامة الضوء على الثغرات المتعلقة ببيانات كل تقرير تقريباً: وتغيير هذا يمكن أن يحدث فارقاً كبيراً. ولنأخذ على سبيل المثال عقد صيانة أحد السجون، الذي يعتمد على بيانات حكومية قللت من عدد المراحيض والنوافذ. وتبين أن المراحيض والنوافذ أكثر عرضة للتلف مقارنة بأي مكان آخر، وكان لهذه البيانات غير الدقيقة تأثير كبير على قدرة المقاول على التسليم.

نحن بحاجة إلى التأكد من أن لدينا خططاً تخضع لاختبارات التحمل. وأنا أتفق مع تحليل البروفيسور دينيس غروب من جامعة كامبريدج بأن تنفيذ السياسات من خلال «المقومات الأساسية» - تحديد المشكلة، وتحديد الحلول السياسية، والحصول على البيانات، وسرد الرواية - أمر مهم. ولكن حتى مع توفر هذه العناصر، لا تُنفذ السياسات دائماً بشكل فعال. ويتعين على أي حكومة جديدة التعلم من الأخطاء السابقة. ودون ذلك، سيكون مصير خلفائي كرؤساء للجنة الحسابات العامة التحقيق في دوامة لا نهاية لها من الوعود الكاذبة وإهدار الأموال.

كما اقترحت لجنة الحسابات العامة المراجعة المسبقة للمشاريع الضخمة؛ بهدف تحديد أوجه القصور قبل تبديد الأموال. ولم يكن وايت هول متحمساً لذلك، لكن حزب العمال يعد بإنشاء مكتب للقيمة مقابل المال لدراسة المشاريع عن كثب قبل موافقة الخزانة على تمويلها. وأياً كان من سيقود الحكومة المقبلة، فإنه سيواجه أصعب تحدٍ مالي في بريطانيا منذ الحرب العالمية الثانية.

كلمات دالة:
  • FT
Email