قوة الدولار الأمريكي تنطوي على أخطار على الاقتصاد العالمي

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا يشبه الدولار الأمريكي المد الذي يرفع جميع القوارب، ولقد رأينا ذلك بوضوح في وقت سابق من شهر أبريل.

حيث كشف ارتفاع الدولار إلى أعلى مستوياته في 6 أشهر مقابل سلة من العملات الأخرى؛ بفضل إعادة تقييم أسعار الفائدة الأمريكية، موجة من الضغوط على العملات في آسيا، كما انخفض الين الياباني والوون الكوري إلى مستويات قياسية، وتراجعت عملات أخرى، بدءاً من اليورو إلى الرنمينبي، منذ ذلك الحين.

ولم يكن ذلك أعلى مستوى وصل إليه الدولار، فقد بلغ ذروته في شهر سبتمبر من سنة 2022، حينما أدت قفزة مفاجئة في معدل سعر الفائدة والحرب الأوكرانية إلى زيادة الطلب على الدولار، ولكن على خلاف سنة 2022، إذ تكالب المستثمرون على الدولار في دورة تشديد السياسة النقدية العالمية، فإن استمرار الاقتصاد الأمريكي المزدهر يتناقض مع خلفية تراجع الانكماش العالمي.

ومع توقعات الأسواق الحالية أن معدلات الفائدة الأمريكية ستظل مرتفعة بينما ستتراجع في مناطق أخرى، فإن المستثمرين سيميلون لتفضيل الدولار للاستفادة من تحقيق عوائد أعلى والنمو الأمريكي الفائق، وهذا يهدد بخلق المزيد من الضغوط المستمرة على قيمة الدولار، ما يشكل أخطاراً على الاقتصاد العالمي.

أولاً، تؤثر قوة الدولار في التدفقات التجارية، مع احتمال إطلاق العنان مجدداً للتضخم العالمي، فهو يرفع القوة الشرائية لأمريكا، ما يتيح للمستهلكين والشركات الأمريكية الاستيلاء على السلع من الاقتصادات الأخرى.

وقد يسفر ذلك عن تصدير التضخم إلى الدول التي بدأت سلفاً كبح ارتفاع الأسعار، إذ يتعين على المستهلكين والشركات المحلية دفع مبالغ أكبر مقابل السلع المسعرة بالدولار، كما تحركت أسعار السلع متماشية مع الدولار منذ سنة 2020، وفقاً لبنك التسويات الدولية.

ويمكن أن تؤدي التغييرات التجارية إلى زعزعة استقرار الولايات المتحدة بشكل خاص، فقوة الدولار تجعل الواردات أكثر استقطاباً، بينما الصادرات أقل قدرة على المنافسة في الأسواق الخارجية، وهذا قد يقوض جهود الرئيس جو بايدن لتحفيز التصنيع ومعركته مع العجز التجاري الأمريكي المستمر.

كما يمكن أن يقوض الجهود المبذولة للحد من أخطار سلاسل التوريد من الصين، وقد يسفر ذلك عن زيادة الرسوم الجمركية والمزيد من التوترات، ومن الممكن أن يسمح ارتفاع قيمة الدولار، إلى جانب انكماش الاقتصاد الصيني، بتمكين السلع الصينية من إغراق السوق، ولا سيما في القطاعات الحيوية، حيث تتمتع الصين بميزة سعرية تنافسية.

إضافة إلى ذلك، يمكن أن يسهم ارتفاع قيمة الدولار في تفاقم التوترات الحالية بالنظام المالي، وخاصة بزيادة مدفوعات الديون التي تواجه الاقتصادات الناشئة، وحذرت مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجييفا من أن ارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية قد يتسبب في موجة من التعثر عن السداد، مع احتمال حدوث تداعيات إقليمية أو عالمية.

وتكاد تكون الحلول المحتملة قليلة ومتباعدة. ولدى العديد من الدول احتياطات هائلة ويمكنها تصفية الدولار، ولكن حال استمرار انحراف أسعار الفائدة في الولايات المتحدة عن المألوف، فإن أي تدخل سيكون لحظياً وعلى حساب السيولة.

وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة نظرياً قادرة على تنسيق الجهود لبيع الدولار، فإن معظم المحللين يرون أن هذا غير محتم، وقد تختار الدول رفع أسعار الفائدة، كما فعلت إندونيسيا الأسبوع الماضي، للحيلولة من دون تأثير الدولار، ولكن هذا يهدد بتراجع النمو الاقتصادي.

وقد يتوقف المسار الأطول أجلاً للدولار في نهاية المطاف على الانتخابات الرئاسية في نوفمبر، ولم يعلق بايدن على قوة العملة الأمريكية، على الرغم من أن جانيت يلين أعربت عن قلقها في اجتماع مع نظيريها الياباني والكوري.

ووصف دونالد ترامب مكاسب الدولار بأنها «كارثة»، وقد طرح بعض مرشحيه المحتملين لمناصب اقتصادية، مثل الممثل التجاري السابق روبرت لايتهايزر، تدابير جذرية للتعامل مع قوة الدولار وارتفاع الدين الأمريكي، ومن ذلك خفض قيمة الدولار. وعلى الرغم من أن هذه الإجراءات قد تحقق أهدافها المباشرة، فإنها قد تحد الثقة العالمية، وتخلق مجموعة من المشكلات الجديدة.

كلمات دالة:
  • FT
Email