سرقة المتاجر والدفع الذاتي وحدود الذكاء الاصطناعي

ت + ت - الحجم الطبيعي

خاضت الولايات المتحدة غمار موجة مريعة من جرائم السرقة في محال التجزئة، أو هكذا يريد كبار تجار التجزئة أن نصدق.

بدءاً من أواخر عام 2022، ارتفعت حالات السرقة بنسبة 80% في مناقشة النتائج المالية، بحسب «ألفا سينس»، فيما حذر الاتحاد الوطني للتجزئة من مستويات «غير مسبوقة» من حالات سرقة المتاجر، ما دفع الخسائر إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق عند 112 مليار دولار. وبدأت سلاسل الصيدليات في وضع مخزوناتها وراء أبواب زجاجية، وأحضرت شركة «سي في إس» كلاب حراسة، وحذرت «تارجت» من أن السرقة تشكل «معوقاً مالياً بالغاً»، فيما ألقت شركة «رايت إيد» باللوم على «السرقات السافرة» في ضعف نتائجها المالية. أما شركة «والغرينز»، فقد أشارت إلى وجود «جريمة تجزئة منظمة» وأغلقت بعض متاجرها في سان فرانسيسكو، فيما قدمت سلاسل أخرى تبريرات مماثلة.

ورغم بعض اللقطات المثيرة لعمليات السطو والسرقة أحياناً، إلا أن الأدلة على وجود مشكلة أوسع نطاقاً كانت ضعيفة. فقد بلغت الخسائر «غير المسبوقة» لعام 2022 إلى 1.6% من إجمالي مبيعات التجزئة في الولايات المتحدة، وهو ما يمثل عودة إلى متوسط الخسائر لعام 2019 بعد تراجعها في عام 2021.

وجدت دراسة منفصلة أجراها مجلس العدالة الجنائية حول سرقة المتاجر أن عدد الحوادث التي تم إبلاغ الشرطة بها قد ارتفع في نيويورك ولوس أنجليس ودالاس وأربع مدن أمريكية أخرى بين عامي 2019 و2023، لكنه انخفض في 17 ولاية قضائية أخرى.

ثم انتهت المحنة سريعاً. فقد توقف المسؤولون التنفيذيون لمتاجر التجزئة عن استخدام لهجة التهويل وعادوا إلى الحديث عن خسائرهم في المخزونات والإشارة إليها باستخدام عبارة «انكماش»، مثلما فعلوا طيلة عقود.

وتتوقع «تارجت» حالياً ثبات خسائرها الناجمة عن حالات السرقة في 2024، فيما تراجعت معدلات الانكماش لدى «والجرينز» واعترف أحد مسؤوليها التنفيذيين في مناقشة لتقرير الأعمال في 2023 «ربما بالغنا في الشكوى» بشأن الجريمة.

وما زالت بعض سلاسل التجزئة تغلق متاجر لها، مثلما فعلوا قبل الجائحة، لكنهم يتحدثون غالباً عن تحسين الأداء لكن دون إشارة كثيراً إلى الجريمة.

يبدو حالياً أن غالبية الجلبة المُثارة إنما كانت عبارة عن ثرثرة من المسؤولين التنفيذيين لمتاجر التجزئة ممن كانوا يحتاجون إلى كبش فداء يلقون باللوم عليه في انحسار هوامش الربح، وهي الثرثرة التي فاقمتها التصريحات المحمومة والساسة التواقين إلى أن يبدو صارمين في وجه الجريمة.

لكن بقدر ما ازدادت السرقات، تُعد هذه التجربة نذيراً بحدود الأتمتة، حتى مع ترويج قطاع واسع من الشركات لإمكانية توفير الذكاء الاصطناعي للتكاليف.

تجدر الإشارة هنا إلى أن الكثير من سلاسل المتاجر التي أفصحت عن قفزات غير مُتوقعة في معدلات الانكماش كانت قد كثّفت من استخدام تقنية الدفع الذاتي «للفاتورة» والمستشعرات إبّان الجائحة، فيما قللت أعداد الموظفين عند أدراج الخزينة وعلى أرضيات متاجرها. وخفضت هذه التدابير تكاليف العمالة، وساعدت المتاجر في تجاوز نقص العمالة التالي للجائحة.

مع ذلك، فقد ثَبُت أن الممرات الخالية وأدراج الخزائن الآلية غير مفيدة في مواجهة السلب الانتهازي والعصابات الإجرامية التي لاقت سهولة في التخلص من السلع المسروقة عن طريق المتاجر عبر الإنترنت. ولطالما كان الدفع الذاتي للفواتير مرتبطاً بازدياد وقائع السرقة.

وأشارت دراسة في 2018 إلى تقديرات بارتفاع الخسائر الناجمة عن السرقة بنسبة 75% عند اتجاه المتاجر إلى إتمام نصف معاملات السداد عن طريق الدفع الذاتي. وتؤكد استطلاعات العملاء هذا الأمر، فأفصح 21% من مستخدمي الدفع الذاتي لـ «لاندينغ تري» عن فشلهم في سداد مقابل ما يريدونه عن طريق الخطأ، واعترف 15% بتعمدهم السرقة.

ويمكن حالياً للذكاء الاصطناعي المرتبط بمستشعرات وكاميرات ترقب الوضع من الأعلى أن تتعرف على قدر كبير من الغش الذي يُرتكب عند عملية الدفع، والتنبيه عن السلوك المريب في الممرات الذي ربما ينذر بحالة سرقة. لكن ستحتاج المتاجر لأناس يتعاملون مع الأشقياء، وقد تكون المواجهات غير سارة أو خطرة.

رأت بعض متاجر التجزئة حكمة في إعادة البشر إلى العملية. فأعلنت «دولار جنرال» في الشهر الماضي، التي تدير متاجر للتخفيضات، خططاً لإلغاء الدفع الذاتي من 300 متجر تعاني مشكلات كبيرة مع السرقة وزيادة أعداد الموظفين البشر عند أدراج الخزينة في منافذ أخرى.

وفرضت «تارجت» قيوداً على الدفع الذاتي بحيث لا يخدم إلا سلال التسوق التي لا تزيد فيها عدد السلع عن 10.

وبالنسبة لـ «والمارت»، فحدّت من استخدام الماكينات في بعض متاجرها. وصرح تود فاسوس، الرئيس التنفيذي لدى «دولار جنرال» لمحللين: «نعتقد في أن هذه القرارات تحمل في طياتها احتمالية أن يكون لها تأثير إيجابي وكبير على انكماش المخزونات».

وتوظّف سلاسل المتاجر حاليا مزيداً من مستقبلي العملاء ومراقبي المتاجر وحراس الأمن؛ لجماً لسوء السلوك في المقام الأول، فيما تعتمد على التكنولوجيا أيضاً لتساعدها في التعرف على ماهية السلع والصفوف التي تكون بأشد الحاجة للرقابة.

وقال جيري هيو، خبير التجزئة لدى «ماكنزي»: «تشعر متاجر التجزئة بالحاجة لتبني استراتيجية تقوم على جوانب متعددة. سيكون الذكاء الاصطناعي جانباً من كل حالة، لكن الوضع ليس واحداً في كل الحالات. ما نشهده هو تعديل وترتيب طبقي».

اكتشفت متاجر التجزئة بالتجربة الصعبة أن التعاطي مع الجمهور غالباً ما يتطلب عنصراً بشرياً. ومع مسارعة صناعات أخرى إلى الاستعانة بالذكاء الاصطناعي لخفض تكاليف العمالة، يتوجب عليهم في الوقت ذاته الاستفادة من درس متاجر التجزئة.

كلمات دالة:
  • FT
Email