الحمائية تعيث فساداً في الولايات المتحدة

ت + ت - الحجم الطبيعي

يخاطر الرئيس بايدن بتقويض سياسة اقتصادية سليمة ودعم حليف مهم إذا أفشل صفقة «نيبون ستيل»

 

توصلت «نيبون ستيل» و«يو إس ستيل» إلى صفقة في ديسمبر، تستحوذ بموجبها مصنعة الصلب اليابانية على منافستها الأمريكية. عملية الاستحواذ هذه ليست عدائية، إذ تقضي الصفقة البالغة قيمتها 14.1 مليار دولار، بأن تدفع «نيبون» 55 دولاراً للسهم الواحد، وهي علاوة تقدر بنسبة 40% على سعر سهم الشركة الأمريكية في جلسة التداول باليوم السابق للتوصل للاتفاق. ورحب المستثمرون بأنباء التوصل إلى الصفقة، فارتفعت أسهم الشركة الأمريكية 26.1% في يوم إعلانها.

ويعارض اتحاد عمال الصلب هذه الصفقة، وأعلن الرئيس الأمريكي، جو بايدن، الخميس الماضي، انحيازه إلى صف الاتحاد، فأعلن أن بقاء الشركة «مملوكة ومشغلة محلياً» يظل أمراً «حيوياً».

وتعد معارضة رئيس أمريكي لاستثمار يضخه حليف وفي، في شركة صناعية داخل الولايات المتحدة، علامة على الحمائية التي تعيث فساداً بالمشهد. والأمر الذي يجب على بايدن أن يركز عليه بدلاً من ذلك هو تحقيق رخاء الشعب الأمريكي على المدى الطويل.

ومن شأن استحواذ «نيبون» على «يو إس ستيل» أن يكون مفيداً للاقتصاد على نطاق واسع، والطبقة العاملة على وجه الخصوص، حيث تهدف نيبون إلى ضخ تكنولوجيا ورأسمال في «يو إس ستيل» تحتاج إليهما الأخيرة. وسيعزز هذا إنتاجية عمال الشركة، وقد يزيد فرص العمل وإنتاج الصلب.

وقد تعود الصفقة بالنفع على مرحلة ما بعد الإنتاج أيضاً. فمع زيادة الإنتاج وتراجع أسعار الصلب الأمريكي محلياً، سيتراجع السبب الذي يدفع لاستيراد الصلب من الخارج. وسيسمح هذا للمصنعين المحليين بخفض تكاليفهم وأن يصبحوا أكثر قدرة على المنافسة. وفي الولايات المتحدة، ثمّة نحو 14 وظيفة في الصناعات التي تستخدم الصلب بشكل مكثف.

ومع ذلك، فالعائق الأبرز أمام إتمام هذه الصفقة هي مراجعة للأمن القومي بقيادة وزارة الخزانة الأمريكية. وأعرب بعض المسؤولين المنتخبين عن مخاوف متعلقة بالأمن. لكن هذا محض سخف، فاليابان حليفة وفية للولايات المتحدة، علاوة على أن «يو إس ستيل» ستظل أمريكية بموجب شروط الصفقة.

ولم يصل الرئيس إلى حد التعهد بمنع الصفقة، ولم يشر بيانه للأمن القومي. لكن إذا أوقف هذه الصفقة لاعتبارات الأمن القومي، فإنه لن يفعل سوى أن يكرر انتهاكات سلفه دونالد ترامب، الذي فرض تعريفات جمركية لاعتبارات الأمن القومي بموجب المادة 323 على حلفاء أمريكيين، من بينهم كندا ودول أوروبية.

وليس من المفاجئ أن يتعهد ترامب علناً في يناير بوقف الصفقة «على الفور» إذا فاز بالانتخابات الرئاسية في 2024. وليس ذلك إذاً غير دليل إضافي على اجتماع بايدن وترامب على عدم اتباع سياسة اقتصادية سليمة.

وهناك أربع قضايا أوسع نطاقاً على المحك في هذه المسألة. أولاً، تلقي هذه الواقعة ظلالاً من الشك على الدرجة التي يرتكز بها الحديث عن «المرونة» والحاجة إلى «حشد الأصدقاء» لمخاوف مشروعة بشأن الأمن القومي. فاليابان صديقة لأمريكا، لذا فإن معارضة بايدن للاتفاق تشير إلى أن خطاب «المرونة» لا يزيد في كثير من الأحيان عن مجرد ورقة لإخفاء نزعة الحمائية المطلقة.

ثانياً، قد يكون لهذا تأثير مخيف على استعداد الشركات الأجنبية الأخرى للاستثمار في الولايات المتحدة. ولأن الاستثمار الأجنبي مؤشر على قوة الاقتصاد الأمريكي، يجب على بايدن بذل ما في وسعه للترحيب بالمزيد منه. وتعزز الاستثمارات الأجنبية المباشرة، التي تزيد على 5 تريليونات دولار في الولايات المتحدة، إنتاجية العمال، وتسهم في بناء القاعدة الصناعية واقتصاد الخدمات في أمريكا.

ثالثاً، اليابان حليف مهم على نحو متزايد في منطقة المحيط الهادئ في الوقت الذي يتصاعد في العداء بين أمريكا والصين. ويجب على بايدن استخدام السياسة الاقتصادية في تعزيز هذه الشراكة لا إضعافها، بمعاملة الشركة اليابانية وكأنها تهديد أمني.

وأخيراً، يشكل التدخل غير المعتاد للرئيس في صفقة ما تهديداً في حد ذاته للحرية الاقتصادية. ففي المجتمع الحر، لا يجب على الحكومة نسف المعاملات الطوعية بين الأطراف الخاصة. ويتوقف ازدهار أمريكا على المدى الطويل في استخدام الحكومة للسلطة بمسؤولية، بما في ذلك منبر الرئيس. ولأنه من الواضح أن هذه الصفقة لا تهدد الأمن القومي، فإن عرقلتها من شأنه إضعاف سيادة القانون. وبذلك، يواصل بايدن تقويض الأعراف التأسيسية التي أنهكها ترامب بالفعل.

إن «يو إس ستيل» رمز أمريكي، قام «جيه بي مورجان» بتمويل إنشائها، وساعد آندرو كارنيجي في تأسيسها. وكانت ذات يوم الأكبر على مستوى العالم، وكانت مصانعها تصطف على ضفاف نهر مونونجاهيلا بولاية بنسلفانيا، وهي على قدر من الأهمية إلى حد دعا بروس سبرينجستين إلى رثائها في أغنية عند إغلاقها.

ومع ذلك، فالأكثر أهمية من «يو إس ستيل» هي الالتزامات التي سيقوّضها بايدن إذا منع الصفقة، وهي السياسة الاقتصادية السليمة التي تدعم الرخاء على المدى الطويل، وقيمة الاستثمار الأجنبي، ودعم حلفاء أمريكا، وكذلك سيادة القانون والحرية الاقتصادية.

* مدير دراسات السياسة الاقتصادية لدى معهد المشروع الأمريكي لأبحاث السياسة العامة

كلمات دالة:
  • FT
Email