ثمّة أسباب لا حصر لها تجعل بريطانيا غير قادرة على بناء عدد كافٍ من المنازل، إذ لا تمتلك ما يكفي من الحرفيين المهرة، كما تتزايد تكاليف المواد الخام، من الخرسانة إلى الصلب.
ويُلقى باللوم على المطورين في «احتكار الأراضي» عبر شرائها والاحتفاظ بها حتى ترتفع قيمتها، ومع ذلك، بعد دراسة أجريت على الممارسات في القطاع، خلصت هيئة المنافسة والأسواق منذ أيام إلى أن النقص المزمن في المعروض من المساكن في المملكة المتحدة يعود بجذوره بشكل أعمق إلى «نظام التخطيط المعقد وغير القابل للتنبؤ».
لن يكون هذا مفاجئاً لأي شخص حاول التعامل مع مجموعة القواعد والإجراءات البيزنطية اللازمة للحصول على إذن لبناء أي شيء في بريطانيا. ويضع نظامها التقديري للغاية عبئاً كبيراً بشكل غير معقول على المشاريع لإرضاء جمهور عريض من أصحاب المصلحة واللوائح قبل أن تتمكن من المُضي قدماً. ويمكن أن تكون أسباب تأخير أو إلغاء التطويرات مضحكة، فقد تم رفض الترخيص لأحد مشاريع الإسكان بسبب «احتمال ضئيل» لإلحاق الضرر بالخفافيش، رغم أن ليس ثمّة دليل على وجود أي خفافيش في الموقع.
وأشار تقرير هيئة المنافسة والأسواق إلى أن بعض بناة المنازل يحتفظون بالأراضي لفترات طويلة؛ مما قد يعني الإحجام عن تلبية احتياجات الإسكان المحلية، لكن التقرير يوضح أن نظام التخطيط غير المؤكد شجع على ذلك.
إن امتلاك مخزون من المواقع التي حصلت بالفعل على تصريح من التخطيط يعتبر بالنسبة لشركات البناء طريقة عقلانية لمنع تعطل الموظفين والمعدات عن العمل، عندما يكون هناك عدم وضوح محدود بشأن ما إذا كان سيتم منح تصاريح أخرى أو متى سيتم منحها.
المملكة المتحدة ليست الدولة الوحيدة التي تعاني من مشاكل في التخطيط، فهناك قضايا مماثلة تعيق أعمال البناء في الولايات المتحدة وأجزاء من أوروبا وأستراليا، وهي تساهم في ارتفاع أسعار المساكن وانخفاض القدرة على تحمل التكاليف، لكن المشاكل التي تواجهها بريطانيا صارخة بشكل خاص؛ لذلك يوجد لدى بريطانيا عدد أقل من المنازل للفرد الواحد مقارنة بالعديد من الاقتصادات المتقدمة.
وقد وجد تحليل أجرته صحيفة فاينانشيال تايمز الأسبوع الماضي أن إنجلترا قد تحتاج إلى نصف مليون منزل جديد سنوياً لمواكبة النمو السكاني والهجرة، فيما تم بناء نحو 250 ألف منزل فقط في جميع أنحاء المملكة المتحدة العام الماضي، ويجعل نظام التخطيط أيضاً تكاليف البنية التحتية أعلى بدرجة كبيرة والتأخير فيها أسوأ بكثير.
وتميل تكلفة حارات الطرق الجديدة وجسور الطرق السريعة وكهربة خطوط السكك الحديدية الحالية إلى الارتفاع أكثر من مثيلاتها في الدول المماثلة، فوفقاً لمجلة «بريتيش ريميد»، فإن تطوير إحدى مزارع الرياح قبالة الساحل الشرقي لبريطانيا تطلب تقييماً للأثر البيئي يحتوي على صفحات أكثر من جميع أعمال تولستوي مجتمعة.
وبلغت تكلفة عملية التخطيط والاستشارات وحدها لجسر «لووار تيمز كروسينج»، وهو معبر جديد مقترح من كينت إلى إسيكس، نحو 800 مليون جنيه إسترليني. وإذا تعذر بناء البنية التحتية الأساسية، فإن ذلك غالباً ما يجعل مشاريع الإسكان أقل جدوى.
كذلك فإن معالجة النقص في المهارات وتحديات سلسلة التوريد والمنافسة في قطاع البناء، أمور بالغة الأهمية، لذلك، فإن هيئة المنافسة والأسواق على حق في إجراء المزيد من التحقيقات في الادعاءات المتعلقة بمشاركة المعلومات التجارية الحساسة بين شركات بناء المنازل.
لكن ما لم يتم إصلاح نظام التخطيط في المملكة المتحدة، فإن هذه الجهود قد تكون بلا جدوى. وتتمثل الخطوة الأولى في تبسيط تقييمات الأثر ومتطلبات الاستشارات، ولذلك، فإن اتجاهاً أوضح من الحكومة بشأن ما هو كافٍ في هذه المرحلة أمر حاسم، وإلا فإن النظام يفتح الباب أمام المراجعات القضائية وتكتيكات التأخير من قبل المعارضين المحليين ونشطاء البيئة.
ويمكن أن تلعب «ويستمنستر» أيضاً دوراً أكبر في السماح بمناطق التطوير، فعلى سبيل المثال، سيؤدي استخدام المناطق التي تحدد المواقع المسموح بها إلى خفض الوقت المستغرق في دراسات الجدوى. كما أن توصية هيئة المنافسة والأسواق بالتأكيد على تحديث الخطط المحلية التي تخصص الأراضي لتلبية أهداف الإسكان وتحقيقها معقولة أيضاً.
إن بريطانيا تحتاج بشدة إلى بناء المزيد من المنازل وإلى بنية تحتية أفضل إذا أرادت جعل الإسكان ميسور التكلفة وقلب اتجاه نمو إنتاجيتها المتراجع، ولكن سيتعين عليها أولاً محاربة البيروقراطية التي تسد الطريق.