خفوت ألق مُنتقِي الأسهم

ت + ت - الحجم الطبيعي

تكبدت إحدى استراتيجيات التحوط الأقدم والأشهر، خسائر تقدر بنحو 150 مليار دولار، من عمليات سحب قام بها العملاء على مدار السنوات الخمس الماضية، حيث سئم المستثمرون من عدم قدرتهم على الاستفادة من الأسواق الصاعدة، أو حمايتهم خلال فترات الركود.

وتحاول صناديق شراء الأسهم طويل الأجل والبيع على المكشوف، كما يطلق عليها، شراء الأسهم المرجح أن تؤدي بشكل جيد، وتراهن ضد الأسماء التي يتوقع أن يكون أداؤها سيئاً. هذه الصناديق نفسها كان أداؤها سيئاً في أسواق الأسهم الأمريكية في 9 من السنوات الـ 10 الماضية، بحسب «إي فيستمنت»، وذلك بعد أن فشلت في التكيف مع الأسواق التي تهيمن عليها البنوك المركزية إلى حد كبير.

ويعد الأداء الضعيف وانسحاب أموال المستثمرين، خطيئة الاستراتيجية التي اشتهرت بنجومها الذين ينتقون الأسهم، مثل جوليان روبرتسون من «تايغر مانجمنت»، وبيير لاجرانج من «جي لي جي»، وجون أرميتاج من «إيجرتون». وقال دونالد بيبر، المدير التنفيذي المشارك لشركة تريوم لصناديق التحوط، التي تُدير نحو 1.7 مليار دولار «قبل 10 سنوات، اعتاد الناس التحدث عن منتقي الأسهم العظماء.

لكن لا يزال هناك بعض المشاهير، مثل كريس هون مدير صندوق تحوط تي سي آي، إلا أنه حالياً لم يعد لدينا الكثير مثله». وابتكر هذه الصناديق للمرة الأولى عام 1949، المستثمر ألفريد وينسلو جونز، الذي يعتبر أول مدير صندوق تحوط في العالم، وقد صممت صناديق الاستثمار في شراء الأسهم طويلة الأجل والبيع على المكشوف «للتحوط» ضد تقلبات السوق على وجه العموم، عن طريق الرهان على الأسهم الرابحة والخاسرة.

ووفقاً لمجموعة «إتش إف آر» للبيانات، فقد حققت هذه الاستراتيجية عائدات من رقمين كل عام تقريباً في السوق الصاعدة، في تسعينيات القرن العشرين، حيث استفادت صناديق تحوط عديدة آنذاك من بيع مجموعات الدوت كوم المقيمة بأسعار مبالغ فيها.

وخلال الأزمة المالية العالمية، حققت صناديق مثل «لانسداون بارتنرز»، ملايين الدولارات من الرهان ضد المقرض البريطاني المنهار نورثرن روك. لكن منذ ذلك الحين، واجهت العديد من هذه الصناديق صعوبات، وتعثرت في الأسواق التي هيمن عليها شراء البنوك المركزية للسندات، وأسعار الفائدة المنخفضة. في الوقت نفسه، تأخرت بشكل كبير عن صناديق تتبع المؤشرات الرخيصة التي حققت مكاسب ضخمة من السوق الصاعدة.

ووفقاً لتحليل «فاينانشيال تايمز» لبيانات قدمتها «ناسداك إيفستمنت»، فالمستثمر الذي استثمر 100 دولار في صناديق تحوط للأسهم طويلة وقصيرة الأجل قبل 10 سنوات، سيكون لديه الآن في المتوسط 163 دولاراً.

ولو كان استثمر في متتبع مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» من «فانجارد»، مع إعادة استثمار الأرباح، لأصبح لديه 310 دولارات. وقال أحد مستشاري صندوق التقاعد الذي يخصص مليارات الدولارات لصناديق التحوط «أنت لا تحتاج لأن يتفوق صندوق التحوط الخاص بك على مؤشر ستاندرد آند بورز كل عام، لكنك ترغب في أن يتفوق عليه بمرور الوقت، على سبيل المثال، خلال العقد الماضي».

وعانت بعض الصناديق ذات الأسماء الكبيرة. وفي أكتوبر، سلطت صحيفة «فاينانشيال تايمز» الضوء على انسحاب مليارات الدولارات من صندوق التحوط «بيلهام كابيتال» في لندن، ويديره روس تورنر المدير السابق لمحفظة «لانسداون». وفي عام 2022، كشفت «فاينانشيال تايمز» أن صندوق تحوط «أديلفي كابيتال»، بقيادة رودريك جاك ومارسيل يونججين، ستعيد رأس المال، وتصبح مكتباً عائلياً.

وعندما أغلقت «لانسداون» صندوقها الرائد لأسهم الأسواق المتقدمة عام 2020، اعترفت أنه أصبح من الصعب العثور على أسهم للبيع على المكشوف، ما جعل كثيرين يرون في ذلك علامة على وجود خلل عميق في القطاع. ولطالما اشتكى مديرو هذه الصناديق من أن أسعار الفائدة المنخفضة جداً، سمحت للشركات الأضعف، التي كانت سابقاً أهدافاً ممتازة للبيع قصير الأجل، بالاستمرار لفترة أطول، وفي بعض الحالات، سمحت لأسعار أسهمها بالارتفاع، ما صعب عليهم تحقيق أرباح.

لكن لم ينجح أيضاً ارتفاع أسعار الفائدة الحاد في إنعاش هذه الاستراتيجية. فبعد الخسائر الكبيرة، نتيجة الانكماش الاقتصادي عام 2022، كان يتوقع أن تحقق هذه الصناديق أرباحاً العام الماضي، لأنه كان من المفترض أن يؤدي ارتفاع أسعار الفائدة إلى فرز الشركات القوية من الضعيفة.

إلا أن الصناديق حققت مكاسب 6.1 % في المتوسط، مقارنة بمكاسب مؤشر «ستاندرد آند بورز» التي بلغت 26.3 %. وقال آدم سينغلتون المدير الاستثماري للعوائد الإضافية الخارجية في شركة «مان سولوشنز»، التي تستثمر في صناديق تحوط أخرى، إن التقلبات المنخفضة والسوق الذي صعد العام الماضي، جعلا من الصعب على مديري صناديق إثبات جدارتهم.

وبدأ صبر المستثمرين في النفاد، بعد أكثر من عقد من المبررات، وقال ريتشارد بيروث الشريك الإداري في صندوق «سيز كابيتال»، إن محافظه الاستثمارية لم تستثمر في صناديق الشراء طويل الأجل والبيع على المكشوف، لما يقرب من عامين.

وأضاف «مع ارتفاع الرسوم، لم يقدم مديرو الشراء طويل الأجل والبيع على المكشوف، أداء يقترب حتى من المستوى الذي يبرر وجودهم في محفظتنا الاستثمارية. الأمر بهذه البساطة».

وفقاً لـ «ناسداك إنفستمنت»، فبعد 23 شهراً متتالياً من سحب المستثمرين أموالهم، انخفضت الأصول في صناديق الأسهم طويلة الأجل والبيع على المكشوف إلى 723 مليار دولار، أي دون مستوياتها قبل 5 سنوات.

وذهب بعض هذه التدفقات النقدية إلى صناديق التحوط متعددة المديرين، التي توزع أموال العملاء على مجموعة استراتيجيات، بما فيها استراتيجية شراء الأسهم طويل الأجل والبيع على المكشوف. وتستثمر هذه الصناديق بشكل كبير في إدارة المخاطر، وتكون أقل تأثراً بأداء منتقي الأسهم المتألقين.

لكن لا يشعر الجميع بالتشاؤم، فحسبما قال أحد المسؤولين التنفيذيين، إن ثمّة مؤشرات مُبكرة على أن البيع على المكشوف أصبح أخيراً «أكثر فائدة»، حيث ضرب ارتفاع أسعار الفائدة الشركات الرديئة. فيما يعتقد بعض المُخصصين، مثل كير بولي الرئيس المُشارك لإدارة الحلول الاستثمارية البديلة في بنك التخصيص السويسري «يو بي بي»، أن الصناديق ستُحقِق أرباحاً، مع تحوّل اهتمام السوق مرة أُخرى إلى أساسيات الشركات.

وقال ماريو أونالي مُدير محفظة في شركة «كايروس» الاستثمارية: «أنا متفائل بشأن آفاق استراتيجيات الشراء طويل الأجل والبيع على المكشوف. سنرى صناديق الاستثمار في الشراء طويل الأجل والبيع على المكشوف، تعود بقوة إلى مستويات ما قبل 2008 على الأرجح». لكن كان أحد المسؤولين التنفيذيين في أحد هذه الصناديق أقل تفاؤلاً، حيث قال إن الانخفاض المتوقع على نطاق واسع في أسعار الفائدة العالمية، سيضر بالقطاع.

وأضاف «من هو صندوق التحوط الذي قال إن العقد القادم لن يكون رائعاً (لاستراتيجيته الخاصة)؟»، (لكن) صناديق التحوط طويلة الأجل ستستمر في التضاؤل، إذا عادت أسعار الفائدة إلى الصفر.

كلمات دالة:
  • FT
Email