تبددت خلال الأسبوع الماضي الآمال القوية للسوق بإجراء أول خفض لأسعار الفائدة الأمريكية في مارس بسبب البيانات الاقتصادية القوية والرسائل الحازمة من جيروم باول، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي.

ومع ذلك، فبعد الشهر المقبل، سيكون لدى المتداولين نظرة مختلفة إلى السياسة النقدية لمجلس الاحتياطي الفيدرالي، مقارنة بالمسؤولين داخل البنك المركزي الأمريكي، ويمهد هذا الاختلاف الطريق للتقلبات والخسائر المحتملة إذا التزم الاحتياطي الفيدرالي بخططه.

وظلت أسعار الفائدة الأمريكية عند أعلى مستوى لها في 23 عاماً منذ أن أطلق الاحتياطي الفيدرالي العنان لحملة قوية لكبح جماح التضخم، ويسيطر على المستثمرين في الأسواق المالية هاجس حول متى وكيف سيبدأ خفضها بسرعة، من مستواها الحالي الذي يتراوح بين 5.25 و5.5 %.

وأكد باول في برنامج تلفزيوني خلال عطلة نهاية الأسبوع أن مسؤولي المركزي يرون ثلاثة تخفيضات كسيناريو أساسي لهم هذا العام، وهي الرسالة نفسها التي تم نقلها في توقعات «المخطط النقطي» الذي يتابعه بنك الاحتياطي الفيدرالي عن كثب والتي صدرت في ديسمبر.

لكن منذ ديسمبر، لم يعدل المتداولون في سوق العقود الآجلة توقعاتهم إلا قليلاً، حيث رجحوا حدوث خمسة تخفيضات على مدار اجتماعات مجلس الاحتياطي الفيدرالي السبعة المتبقية هذا العام، بدلاً من ترجيحات أكثر تفاؤلاً بستة تخفيضات.

وكان من الصعب للغاية زعزعة الرهانات على التخفيضات التي حدثت في وقت مبكر. وحتى الأسبوع الماضي، كان المتداولون يضعون احتمالات أفضل لخفض أسعار الفائدة في مارس. وتطلب الأمر تصريحاً قاطعاً من باول في المؤتمر الصحفي بعد اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة الأسبوع الماضي بأنه لم يكن مارس «السيناريو الأساسي» لمجلس الاحتياطي الفيدرالي. وتلى ذلك تقرير قوي للغاية عن الوظائف الأمريكية يوم الجمعة وتصريحات باولفي البرنامج الإخباري 60 دقيقة لتقل الاحتمالات إلى 20 % اليوم.

وقالت سونال ديساي، كبيرة مسؤولي الاستثمار في شركة فرانكلين تيمبلتون للدخل الثابت: «نحن نتفق إلى حد ما مع رؤية الاحتياطي الفيدرالي. وكان هناك شعور في ديسمبر بأن السوق يمكن أن تدفع مجلس الاحتياطي الفيدرالي إلى خفض أسعار الفائدة بشكل عاجل، لكن البيانات لم تتعاون مع السوق، حيث لم تكن البيانات ضعيفة بما يكفي للضغط على مجلس الاحتياطي الفيدرالي لإجراء خفض مبكر». وأضافت ديساي: «بدأت الأسواق أخيراً في الاستماع إلى باول بعد صدور تقرير الوظائف يوم الجمعة الماضي».

وشهدت أسواق السندات تقلبات كبيرة في أيام التداول الأربعة الماضية، مسجلة أكبر تحركاتها اليومية في شهور، حيث أدرك المستثمرون أنه من المحتمل أن يبدأ شهر مارس وينتهي دون خفض أسعار الفائدة. وارتفع العائد على سندات الخزانة لأجل عامين، والذي يتحرك مع توقعات أسعار الفائدة، يوم الجمعة الماضي بمقدار 0.16 نقطة مئوية بعد تقرير الرواتب، الذي أظهر أن أصحاب العمل أضافوا 353 ألف وظيفة في يناير، وارتفع العائد مرة أخرى يوم الاثنين إلى 4.48 %، وهو أعلى مستوى له في شهر.

وقد تكون ثمّة المزيد من التقلبات من هذا القبيل إذا اضطرت السوق إلى التكيف مع وجهة نظر بنك الاحتياطي الفيدرالي. وبعد أن وصل إلى أدنى مستوى له خلال أربعة أشهر في يناير، ارتفع مؤشر «أي سي إي بنك أوف اميركا موف» الذي يحدد توقعات التقلبات في سوق سندات الخزانة، في فبراير مع تغير توقعات أسعار الفائدة.

وفي الوقت نفسه، ارتفعت الأسهم الأمريكية إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق الجمعة الماضي بعد تقرير الوظائف القوي، قبل أن تنخفض يوم الاثنين، لكن توقع المزيد من التخفيضات عما يتوقعه بنك الاحتياطي الفيدرالي يمكن أن يعزز الأسعار أيضاً.

وقالت أماندا أجاتي، كبيرة مسؤولي الاستثمار في شركة بي إن سي للخدمات المالية: «السوق تتوق إلى التأثير الإيجابي الناجم عن مزيد من السياسات النقدية التحفيزية، لكن هذا لا يعني أنها ستحصل عليه. وهذا يمهد الطريق لنصف عام أول متقلب».

إن التوتر المستمر بين ما يقوم السوق بتوقعه وما يشير إليه الاحتياطي الفيدرالي بشأن سياسة أسعار الفائدة، يجعل من الصعب أيضاً على المقترضين من الشركات وضع خطط تمويلهم مقدماً، ما يفضي إلى موجة من الاقتراض الانتهازي. وشهدت الأسواق المالية ارتفاعاً حاداً في نهاية العام الماضي، ما خلق بيئة إيجابية نسبياً للشركات في الأسابيع القليلة الأولى من عام 2024، وأدى إلى إصدار قياسي لسندات الشركات الأمريكية ذات التصنيف الاستثماري في يناير، إلى جانب كميات كبيرة من السندات «الخردة» منخفضة التصنيف.

وأشار متعاملون في السوق إلى أن الشركات كانت تختار إصدار السندات بينما كانت الأمور تسير بشكل جيد، مع ارتفاع الطلب بسبب حرمان العديد من المستثمرين من إمدادات جديدة لشهور عدة وتوافر الأموال لديهم. وقال تورستن سلوك، كبير الاقتصاديين في شركة أبوللو الاستثمارية: «أعتقد أن الشركات، أمام القروض ذات التصنيف الاستثماري أو مرتفعة العائد في يناير، كانت تتطلع إلى اغتنام الفرصة بينما هي متاحة، وفي يناير أُثبتت صحة هذا القرار». ومع ذلك، أكد سلوك على التحديات المتزايدة المتمثلة في تحديد توقيت إصدار الديون من هذا القبيل، مضيفاً أن «السؤال بعد بيانات سوق العمل يوم الجمعة هو ما إذا كانت تلك النافذة ستغلق».

من جانبه، قال كالفن تسي، رئيس الاستراتيجية الكلية للأمريكيتين في بنك بي إن بي باريبا، إنه لا يعتقد أن الفجوة الحالية كبيرة بين مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي وتوقعات السوق بشأن تخفيضات أسعار الفائدة

ويراهن المتداولون في سوق العقود الآجلة على مجموعة من النتائج المحتملة، في حين يقدم مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي توقعات أكثر دقة.

لكن وجهة نظر تسي تختلف بشكل كبير عن توقعات مجلس الاحتياطي الفيدرالي، إذ يعتقد تسي أن مجلس الاحتياطي الفيدرالي سيبدأ في خفض أسعار الفائدة في مايو وسيستمر في خفضها بمقدار 0.25 نقطة مئوية في كل من اجتماعاته الخمسة اللاحقة هذا العام، وذلك لأنه يتوقع أن يتباطأ التضخم بشكل كبير هذا العام، وسيتعين على مجلس الاحتياطي الفيدرالي تعديل السياسة المالية وفقاً لذلك.

وقال تسي: «إذا لم يخفض الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة، وانخفض التضخم بقدر ما نعتقد، فهذا يعني أن السياسة النقدية ستصبح أكثر تشدداً، وقد صرح باول بالفعل بأن السياسة النقدية بالفعل متشددة بما فيه الكفاية».