أوروبا تواجه معضلة تصاعد الشعبوية الزراعية

ت + ت - الحجم الطبيعي

برزت بقوة أخيراً احتجاجات مزارعي الاتحاد الأوروبي، من فرنسا إلى ألمانيا، ومن إيطاليا إلى اليونان. والاحتجاجات الزراعية قديمة قدم الاتحاد الأوروبي ذاته، فبإمكان المزارعين جلب الجرارات وأكوام السماد لإيصال رسالتهم، ليشكلوا بذلك جماعة ضغط قوية.

وتشكل الإعانات الزراعية السنوية البالغة حوالي 60 مليار يورو تقريباً ثلث ميزانية الاتحاد الأوروبي. لكننا نادراً ما شهدنا مظاهرات في العديد من البلدان في آن واحد كما هي الحال الآن. ويواجه صناع السياسات معادلة توازن صعبة: بين الرضوخ التام للقطاع، فيما يتعلق بالتدابير المناخية على سبيل المثال، أو السماح للأحزاب اليمينية المتطرفة بالاستفادة من شكاوى المزارعين في انتخابات الاتحاد الأوروبي. تعتقد بعض القطاعات الأخرى أن المزارعين كانوا دوماً ينعمون برعاية خاصة وتدليل من جانب الاتحاد الأوروبي. ومع ذلك ينطوي قطاع الزراعة في أفضل أحواله على مخاطر كبيرة وعائدات هزيلة. ويقول المزارعون إن تكاليف مستلزمات الإنتاج والاقتراض قد شهدت قفزة في السنوات الأخيرة بفعل التضخم والحرب في أوكرانيا. قلص تجار التجزئة، الذين يحاولون الحفاظ على الأسعار منخفضة، الهوامش في ظل أزمة تكلفة المعيشة. ويشكون أنهم يتعرضون لتراجع في الواردات، بما في ذلك المنتجات الأوكرانية فيما فتح الاتحاد الأوروبي أبوابه، لدعم اقتصاد كييف.

وبما أن الزراعة تمثل حوالي 10% من إجمالي انبعاثات الغازات الدفيئة المسببة للاحتباس الحراري في الاتحاد الأوروبي، فإن المزارعين أيضاً يتأثرون بسياسات المناخ و«الصفقة الخضراء» التي من المفترض أن تجعل اقتصاد الاتحاد الأوروبي محايداً للمناخ بحلول عام 2025. وتهدف استراتيجية «من المزرعة إلى الشوكة» المتعلقة بهذه السياسات إلى تقليل استخدام المبيدات الحشرية والأسمدة وإعادة تشكيل الممارسات الزراعية. ويرى المزارعون أن هذه السياسات لا تأخذ في اعتبارها الواقع الزراعي؛ فالأموال الإضافية التي يوفرها الاتحاد الأوروبي لـ«المخططات البيئية» لا تغطي التكاليف، والبيروقراطية المطلوبة للحصول على الأموال شاقة لدرجة أنها لا تستحق تكبد هذا العناء.

ومع اقتراب انتخابات البرلمان الأوروبي في يونيو، رصدت جماعات الضغط الزراعية لحظة ذات تأثير بالغ، حيث من المتوقع بالفعل تحقيق الأحزاب المناهضة للنظام، خصوصاً أحزاب اليمين المتطرفة، مكاسب كبيرة. وقد أصبح سياسيو اليمين المتطرف ماهرين في استغلال ردود الأفعال العنيف تجاه تكاليف التحول الأخضر، خصوصاً ردود فعل سكان الريف. وتتخوف أحزاب يمين الوسط من تهميشها، حيث استفادت من الأصوات التي يمكن الحصول عليها من خلال التعهد بنهج «عملي» (والذي عادة ما يعني تخفيف الأهداف). وقد اضطر الاتحاد الأوروبي بالفعل إلى تخفيف أو إلغاء بعض مبادراته الرئيسية، بما في ذلك قانون استعادة الطبيعة الذي يهدف إلى عكس مسار الخسائر في التنوع البيولوجي. كما تم تجميد اتفاقية تجارية طويلة الأجل مع دول السوق المشتركة لبلدان المخروط الجنوبي «الميركوسور». وأعلنت بروكسل أنها ستحاول معالجة قضايا المزارعين الملحة، بما في ذلك تقلبات الأسعار والأعباء البيروقراطية في اجتماع وزراء الزراعة في 26 فبراير. وتستضيف رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين «حوارات استراتيجية» مع القطاع.

وكما هي الحال مع أجزاء أخرى من التحول الأخضر، تحتاج بروكسل والدول الأعضاء إلى إيجاد طرق للتمسك بالأهداف العامة مع تعويض تأثيرات تلك الأهداف للفئات الأكثر ضعفاً، من خلال تطبيق التدابير تدريجياً، أو استثناء المزارع الصغيرة، أو تقديم الدعم المستهدف. إضافة إلى ذلك، فإنه بالنظر إلى أهمية الأمن الغذائي، هناك حاجة إلى نقاش أوسع حول المكان الذي يجب أن تقع فيه تكاليف التحول الأخضر ضمن سلسلة التوريد: على المزارعين، أو على دافعي الضرائب من خلال إعانات الدعم الأعلى، أو على المستهلكين وصناعة الأغذية والبيع بالتجزئة. ومع تناقص عدد المزارع في الاتحاد الأوروبي بسبب عمليات الدمج، حيث تبيع الأجيال الأصغر سناً مزارعها، فربما هناك حاجة لجذب المزيد من رأس المال الخاص إلى قطاع الزراعة، كما يحدث في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، والتي يمكنها الاستثمار في التكنولوجيا وتحقيق وفورات الحجم.

وقد تقلق بعض الحكومات بشأن إخلاءات المناطق الريفية، مما يزيد العبء على المدن فيما يتعلق بالخدمات والإسكان. ومع ذلك، وبالنظر إلى صعوبة كسب العيش من الزراعة اليوم، قد يساعد تحويل المزارع إلى أعمال تجارية أكثر استقراراً تمتلكها شركات قادرة على الاستثمار في إبقاء المزيد من المزارعين في أراضيهم.

كلمات دالة:
  • FT
Email