مساحات شاسعة من أمريكا الجنوبية تعاني من الحرائق

ت + ت - الحجم الطبيعي

تواجه دول أمريكا الجنوبية الجفاف وانتشار حرائق الغابات في مختلف المناطق، حيث تصارع القارة ضربة مزدوجة من ارتفاع درجات الحرارة، وقلة هطول الأمطار. وتظهر بيانات وكالة «ناسا» في الوقت نفسه أن ثلثي أمريكا الجنوبية يعاني جفافاً أكثر من المعتاد في التربة، حيث يتسبب الاحترار العالمي وظاهرة النينو في خسائر بالقارة.

وقالت كلير بارنز، باحثة مُشاركة في معهد جرانثام لتغير المناخ والبيئة في «إمبريال كوليدج» لندن، إن مُعدل «هطول الأمطار في جميع أنحاء القارة أقل من المُتوسط ودرجات الحرارة فيها أعلى من المتوسط». وتابعت: «وما نحصل عليه هو مزيد من الجفاف نتيجة هَذين العاملين.

بالتالي تزداد أعداد حرائق الغابات بسبب جفاف النباتات ما يجعلها أكثر عُرضة لانتشار الحرائق بمجرد اشتعالها». خلال عام 2023، وهو العام الأكثر حرارة على مستوى العالم، شهدت دول أمريكا الجنوبية أيضاً طقساً دافئاً بشكل استثنائي خلال فصلي الشتاء والربيع في نصف الكرة الجنوبي، ومرت أيام وصلت فيها درجات الحرارة إلى 20 درجة مئوية أعلى من المعتاد. وتَبِع ذلك ارتفاع مُتكرر في درجات الحرارة في الأشهر الأخيرة.

قالت بارنز: «كان الطقس جافاً مع بداية الموسم»، مشيرة إلى أنه «لم يكن هناك ما يكفي من الأمطار لتجديد مستويات المياه الطبيعية، لأن درجات الحرارة مرتفعة للغاية لدرجة أنك تفقد الرطوبة دائماً». في نهاية يناير الماضي، كان ثُلثا أمريكا الجنوبية يُعاني من رطوبة تربة سطحية أقل من 30% مُقارنة بالمُتوسط على المدى الطويل.

وحسب بيانات ناسا، ففي يناير عام 2023، كان 38 % من القارة عند نفس المستوى. وفي نهاية يناير كانت رطوبة التربة السطحية في ثلثي أمريكا الجنوبية أقل من 30 % مقارنة بالمتوسط على المدى الطويل. وتظهر بيانات «ناسا» أنها كانت عند مستوى 38 % على مستوى القارة.

وفي الوقت نفسه، تُشير بيانات نظام كوبرنيكوس العالمي لاستيعاب الحرائق إلى ارتفاعٍ كبيرٍ في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن حرائق الغابات في الجزء العلوي من أمريكا الجنوبية في يناير من العام الجاري، مُقارنة بالسنوات السابقة، وخاصةً في فنزويلا وبوليفيا. قبل عشرة أيام، أعلنت الحكومة في كولومبيا عن كارثة وطنية، وخصصت الموارد اللازمة لمكافحة حرائق الغابات التي اجتاحت البلاد.

ووفقاً لوكالة الاستجابة للكوارث، فبحلول يوم الجمعة التهم 55 حريقاً أكثر من 38 ألف هكتار من الغابات على مدار الأشهر الثلاثة الماضية. وفي العاصمة بوغوتا، أصبحت جودة الهواء سيئة للغاية بسبب الحرائق في تلال المدينة الشرقية، حتى إنهم قد نصحوا السُكان بالتزام منازلهم قدر الإمكان واستخدام أقنعة الوجه عند الخروج، بينما كانت المروحيات العسكرية تسكُب الماء فوق الحرائق.

وساعدت الأمطار التي طال انتظارها يومي الأربعاء والخميس على إخماد الحرائق. وفي كولومبيا، قالت هيئة الأرصاد الجوية إن من بين المناطق التي حطمت الأرقام القياسية كانت بلدة جيروسالين، التي وصلت درجة الحرارة فيها إلى 40.4 درجة مئوية في 23 يناير.

وفي بلدة هوندا، قالت السُلطات المحلية إن درجات الحرارة ارتفعت إلى 44 درجة مئوية وعلى المرتفعات العالية في بلدة فيلاهيرموسا، قرب بركان نيفادو ديل رويز المُغطى بالثلوج، وصلت درجة الحرارة إلى 25 درجة مئوية. وفي الأرجنتين، دمر حريق في باتاجونيا آلاف الهكتارات من حديقة لوس أليرس الوطنية تاركاً رجال الإطفاء يكافحون من أجل إبعاده عن بلدتين قريبتين.

وعادة ما تكون باردة والرياح قوية في المنطقة، لكن في يناير وصلت درجات حرارتها إلى 40 درجة مئوية. واتهم حاكم مقاطعة تشوبوت مجموعات السكان الأصليين المابوتشي بالتسبب عمداً في هذه الحرائق، وهو اتهام وصفه زعماء قبائل المابوتشي بأنه «هراء خطير». وجاءت الحرائق بينما يُناقش المشرعون الأرجنتينيون مشروع قانون إصلاحي يتضمن إضعاف حماية الأنهار الجليدية.

وقالت بارنز من معهد غرانثام، إن ظاهرة النينو قد فاقمت حالة الجفاف مع انخفاض مُعدل هطول الأمطار المُعتاد، ولكن ارتفاع درجات الحرارة الناجم عن تغيُّر المناخ كان هو العامل الأكبر.

ووجد فريق التحليل العلمي «وورلد ويذر أتريبوشن»، الذي شاركت فيه بارنز، أن الجفاف التاريخي الذي ضرب مساحات كبيرة من غابات الأمازون المطيرة طوال العام كان سببه الأساسي هو تغير المناخ.

وقال العُلماء في تقريرهم الأخير إن تأثير ظاهرة النينو، التي تُسخن المُحيط الهادئ، وكانت مُحركاً للجفاف على مدار التاريخ، «كان أقل بكثير». وقالت بارنز إن المسألة الرئيسة تكمن في كيفية تأثير درجات الحرارة على تبخر الماء في الغلاف الجوي أو من خلال النتح في النباتات والتربة، وهي العملية المعروفة باسم النتح.

وقالت بارنز، إن المستويات التاريخية لهطول الأمطار قد لا تكون كافية لمواجهة مستوى الرطوبة المفقودة بسبب التبخر والنتح، ما يجعل الدول في خطر الكفاح لتحقيق توازن مائي طبيعي.

كلمات دالة:
  • FT
Email