«نيورالينك» تثير غضب منافسي إيلون ماسك لكنها تسلّط الضوء على زراعات الدماغ

ت + ت - الحجم الطبيعي

عادة ما يثير إيلون ماسك استياء منافسيه، بسبب أسلوب ترويجه للتكنولوجيا الجديدة، حتى عندما لا يكون رائداً في المجال. وقد ظهر ذلك جلياً منذ أيام، عندما كتب ماسك على منصة «إكس»، أن إحدى شركاته؛ «نيورالينك»، نجحت في زراعة شريحة إلكترونية في دماغ بشري للمرة الأولى.

هذا الإجراء هو خطوة صغيرة نحو وعد ماسك بالقدرة على ربط الأدمغة مباشرة بالحواسيب، لتعزيز قدراتها العقلية، وتمكين البشر يوماً ما من مضاهاة قدرات الذكاء الاصطناعي المتقدم. لكن الزراعات المماثلة، كانت عنصراً أساسياً في مختبرات العلوم منذ سنوات، وقد نجحت على الأقل ثلاث شركات ناشئة منافسة في إدخال أقطاب كهربية، واستخدامها لجمع وتفسير إشارات الدماغ البشري.

وبينما تثير ادعاءات ماسك استهجان المنافسين، فإنها تنتزع منهم أيضاً اعترافاً على مضض بأن قدرته على جذب الانتباه قد ساعدت في دفع هذا المجال إلى أرض الواقع، في لحظة تشهد نقطة تحول مهمة. وقال توم أكسلي الرئيس التنفيذي لشركة سينكرون، التي أجرت أولى تجاربها البشرية في عام 2019، وجمعت 130 مليون دولار، إن ماسك «سلّط الضوء حقاً على هذا المجال، وهو ما يجذب رأس المال الاستثماري».

وقالت آن فانهوستنبيرغ أستاذة الأجهزة الطبية النشطة القابلة للزرع في كلية كينغز لندن «إن إثارة عاصفة من الدعاية حول جهوده، حتى عندما يكون هناك القليل من التفاصيل لدعم ادعاءاته، هو ما يجيده إيلون ماسك أكثر من أي شخص آخر».

وأضافت: «هل «نيورالينك» في المقدمة؟ لا. هل تقنيتهم فريدة؟ لا. لم أرَ شيئاً جديداً»، ومع ذلك، أشادت بشركة ماسك بأنها «متقدمة جداً» و«متطورة للغاية» في هذا المجال.

ولطالما استخدم ماسك كثرة متابعيه على منصة «إكس»، وفي وسائل الإعلام، كسلاح استراتيجي لجذب رأس المال والمواهب إلى مشروعاته. إنها ميزة استغلها في محاولاته لتحويل شركته الجديدة للذكاء الاصطناعي، إكس إيه آي، إلى منافس لشركة أوبن إيه آي، على الرغم من دخولها المجال متأخراً بضع سنوات.

وقد جمعت «نيورالينك» ما يقرب من 700 مليون دولار، معظمها من ماسك، وضمت بعضاً من أبرز العقول في هذا المجال بين مؤسسيها المشتركين، على الرغم من أن معظم الفريق المؤسس غادر الشركة منذ ذلك الحين، وبعضهم أسسوا شركات منافسة.

ومع ذلك، فإن ادعاءات ماسك الطموحة، لها أيضاً جانب سلبي، حيث يقول يوري فلاسوف الأستاذ في كلية غرينجر للهندسة بجامعة إلينوي أوربانا شامبين، إنها «أدّت إلى رفع سقف التوقعات بشكل مبالغ فيه»، فقد سلطت تغريدات ماسك الضوء على تقنية يراها الكثيرون بعيدة المنال، لكنها بدأت أخيراً في تحقيق نتائج واعدة.

لقد بدأ العمل على واجهات الحاسوب الدماغية، المعروفة باسم «بي سي آي»، بشكل جدي، قبل عقدين من الزمان، ولكنها كانت تتقدم ببط، وبعد مشاركته في تأسيس شركة «نيورالينك» في عام 2016، وعد ماسك بإجراء تجارب بشرية في وقت مبكر من عام 2020، لكنه واجه صعوبة في الحصول على موافقة إدارة الغذاء والدواء الأمريكية. وأدّى التقدم في المواد والتصنيع، إلى توفير مصفوفات أقطاب كهربية أدق وأصغر، باستخدام التقنيات المطورة في تصنيع الرقائق الإلكترونية.

وكان المجال الثاني من التطور السريع في الإلكترونيات المصغرة اللازمة لتضخيم وتوجيه إشارات الدماغ.

وكانت الإنجازات الأخيرة، والأكثر حداثة، في برمجيات التعلم الآلي اللازمة لفك رموز إشارات الدماغ، واستخدامها لتشغيل مؤشر الحاسوب، أو أحد الأطراف الاصطناعية.

وتتضمن طريقة «نيورالينك» إدخال خيوط رفيعة للغاية من الأقطاب الكهربائية بأنسجة المخ، بهدف جمع إشارات كهربائية من الخلايا العصبية الفردية، أو مجموعات صغيرة منها. ويتطلب الإجراء إزالة جزء من الجمجمة للسماح لجراح آلي، أطلق عليه ماسك اسم «آلة الحياكة»، بربط الخيوط.

وعرضت «نيورالينك» مقاطع فيديو لقرود تستخدم غرساتها للعب لعبة كرة الطاولة على الحاسوب، ومع ذلك، فإن تأثيرات تركيب أقطابها الكهربائية بجوار أنسجة المخ لفترات طويلة من الزمن، ليست واضحة بعد.

وأجرى علماء آخرون وخبراء أكاديميون تجارب على البشر باستخدام تقنيات أخرى، وحققوا إنجازات مهمة في تفسير إشارات الدماغ، وفقاً لتوماس هارتونج، الأستاذ في جامعة جونز هوبكينز في الولايات المتحدة الأمريكية، والذي يقود مشروعاً دولياً للحوسبة الحيوية.

واستشهد بفريق من جامعة ستانفورد، أبلغوا في عام 2021 عن كيفية تحويلهم لإشارات دماغ رجل مشلول، من تخيل الكتابة اليدوية إلى نص على جهاز حاسوب. وتتضمن التقنيات الأخرى، المفاضلة بين غزو الزراعات ومخاطرها، وجودة الإشارة المجمعة.

تستخدم شركة بريسيجن نيوروسينس، التي شارك بتأسيسها جراح الأعصاب بنجامين رابوبورت، أحد مؤسسي نيورالينك، شقوقاً صغيرة في الجمجمة لإدخال شبكة من الأقطاب الكهربائية الدقيقة التي تطوق الدماغ. وعلى الرغم من جمع بيانات أقل من أقطاب «نيورالينك» الكهربائية، إلا أن هذه التقنية الأقل تدخلاً، يجب أن تنتج بيانات كافية للتحكم في الطرف الاصطناعي. وأوضح رابوبورت قائلاً: «ليست الخلايا العصبية الفردية هي التي تتحكم في حركات العضلات».

وفي الوقت نفسه، تقوم شركة سينكرون بزرع أجهزة الاستشعار الخاصة بها في الجمجمة عبر وريد، بطريقة مشابهة تماماً لزراعة الدعامة التاجية - وهي طريقة تأمل في أن تسمح لزراعة الدماغ بأن تصبح إجراء روتينياً.

وعلى الرغم من كون إشارة الدماغ التي تجمعها أقل تفصيلاً، إلا أنها تبقى قوية بما يكفي لتحقيق ما يسميه أوكسلي «ملاءمة المنتج/ السوق» - وهو الهدف الذي تسعى إليه جميع شركات التكنولوجيا الناشئة، حيث تكون التكنولوجيا جيدة بما يكفي لإنتاج منتج مفيد.

وتهدف شركة سينكرون إلى توجيه إشارات الدماغ للتحكم في هاتف ذكي أو جهاز لوحي، ما يمنح المرضى الذين يعانون من شلل جزئي، المزيد من الطرق للتواصل والتحكم في بيئتهم. وقال أليكس مورجان الشريك في شركة خوسلا فنتشرز، التي استثمرت في التكنولوجيا العصبية، بما في ذلك سينكرون، إن هذه التقنيات المختلفة، يمكن أن تؤدي إلى مجموعة واسعة من المنتجات. وأضاف: «ليست هذه تكنولوجيا يأخذ فيها الفائز كل شيء».

ومع ذلك، وعلى الرغم من الإنجازات العلمية الكبيرة، فإن القليل من المتخصصين في هذا المجال، على استعداد للتنبؤ بموعد تقديم هذه التكنولوجيا لمنتجات مفيدة. وقال فلاسوف إن أحد التحديات الرئيسة، يتمثل في تفسير الإشارات التي يتم جمعها من الدماغ، ما يجعل من الصعب تحديد متى ستتمكن هذه التكنولوجيا من فعل أكثر من مجرد تحريك مؤشر الحاسوب، أو تنشيط حركات بسيطة للأطراف الاصطناعية.

وقال رابوبورت إنه بالتشاور مع إدارة الغذاء والدواء الأمريكية، اتفقت الشركات الناشئة التي تعمل على واجهات حاسوب الدماغ، على هدف متقارب: تطوير عمليات زرع للمرضى الذين يعانون من أشد أشكال الشلل خطورة. ويمثل ذلك ابتعاداً كبيراً عن تقنية تعزيز العقل التي يحلم بها ماسك. ولكن بينما يرى رابوبورت أن هذا الأمر هو في المستقبل البعيد، يوضح قائلاً: «لا أعتقد أنه أمر لا يمكن تصوره».

كلمات دالة:
  • FT
Email