سباق البقاء بين شركات النفط الكبرى

ت + ت - الحجم الطبيعي

من يملك الرؤية الصائبة بشأن مستقبل النفط؟ لقد توقعت وكالة الطاقة الدولية وصول الطلب العالمي على النفط، إلى جانب الغاز الطبيعي والفحم، إلى ذروته خلال العقد الجاري، وذلك في نقطة تحول تاريخية، ولكن الشركات الكبرى في الولايات المتحدة لها رأي آخر، حيث إن شراء «إكسون موبيل» لشركة «بايونير ناتشورال ريسورسز» المنتجة للزيت الصخري هذا الشهر، وصفقة «شيفرون» هذا الأسبوع، للاستحواذ على شركة هيس، يمثلان أكبر عمليتي اندماج في عالم شركات النفط الكبرى، على مدى عقدين من الزمن.

وتمثل هذه الاندماجات رهاناً على خطأ رؤية وكالة الطاقة الدولية لتقلص الطلب، أو أنها على الأقل محاولة لوضع هذه الشركات الأمريكية العملاقة بين آخر المنتجين القادرين على تلبية الطلب، الذي يعتقدون أنه سيظل موجوداً بحلول منتصف القرن. وبقيام الشركات الأمريكية أيضاً، عبر مضاعفة جهودها في مجال النفط، فإنها توسع الفجوة مع نظيراتها الأوروبية، التي بدأت، مبدئياً، في تبني مفهوم الطاقة النظيفة، وقد نشرت وكالة الطاقة الدولية لأول مرة في عام 2021 مساراً للوصول إلى صافي الانبعاثات الصفرية، بحلول عام 2050، والحد من ارتفاع درجة الحرارة العالمية إلى 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل عصر الصناعة.

وبموجب هذا من المتوقع أن ينخفض استهلاك النفط بنسبة 75 % من المستوى الحالي إلى أقل من 25 مليون برميل يومياً، كما يتوقع أحدث سيناريو محوري للوكالة، والذي يفترض أن تفي الحكومات بالتعهدات الحالية بشأن المناخ فحسب، أن يصل الطلب إلى ذروته قبل عام 2030، ثم ينخفض إلى نحو 55 مليون برميل يومياً في عام 2050، في حين يرى السيناريو الأكثر تشاؤماً للوكالة أن «السياسات المعلنة» ستترك الطلب على النفط عند مستوى 97 مليون برميل يومياً، بحلول منتصف القرن، وهو ما سيؤدي إلى ارتفاع كارثي بمقدار 2.4 درجة مئوية بحلول عام 2100.

وبافتراض أن منتجي أوبك منخفضي التكلفة فضلاً عن روسيا سيحافظون على الإنتاج عند مستويات مماثلة لأوضاع اليوم، فإنهم سيتمكنون من تلبية جزء كبير من الطلب في عام 2050 في حالة صافي الانبعاثات الصفرية، بينما سيقاتل المنتجون في أماكن أخرى من أجل الحصول على الفتات، ولكن إذا كان الاستهلاك أقرب إلى السيناريو المحوري لوكالة الطاقة الدولية، والذي يبدو، للأسف، أنه الأرجح في الوقت الحالي بالنسبة للكوكب، فإن هذا من شأنه أن يترك حصة أكبر قليلاً حتى للمنتجين الأمريكيين ذوي التكلفة الأعلى.

ومن الناحية التجارية الصرفة فقد تكون الاستراتيجية المعتمدة بالنسبة لهم هي خفض التكاليف عن طريق زيادة حجم الإنتاج، والتأكد من أن لديهم احتياطات مناسبة، مع المرونة في زيادة الإنتاج أو خفضه حسب الطلب، في حين ستكون الشركات الأصغر حجماً، والأقل كفاءة أكثر عرضة لخطر التعامل مع أصول محدودة للغاية.

إن التركيز على أمن الطاقة على خلفية الحربين في أوكرانيا وإسرائيل يعني أن الحكومات الغربية قد تفضل بهدوء وجود الشركات المحلية، لتوفر لها الاحتياجات النفطية المتبقية مع مرور الوقت، بدلاً من الاضطرار إلى الاعتماد على أرامكو السعودية أو روسنفت الروسية، على سبيل المثال، وبما أن مستثمري النفط التقليديين يفضلون النموذج عالي المخاطر- مرتفع العوائد للمشاريع النفطية على النموذج الأكثر استقراراً، ولكن منخفض العوائد من الطاقة المتجددة، فقد ظهرت فجوة في تقييم الشركات الأمريكية والمنافسين الأوروبيين الذين بدأوا، بدرجات متفاوتة، في التحول إلى الاستثمار في الطاقة النظيفة. وبطبيعة الحال سوف ينظر الناشطون في مجال المناخ بارتياب إلى زيادة حجم شركتي إكسون وشيفرون، ولا شك في أنهم سيكثفون الجهود لإقناعهما بتغيير المسار.

ومن المؤكد أن شركات النفط والغاز العملاقة، التي تتمتع بقدر كبير من السيولة النقدية، وبكل ما تملكه من تقنيات هندسية، يمكنها أن تلعب دوراً في تحول الطاقة، حتى ولو شكك المنتقدون في قدرتها واستعدادها للقيام بذلك، لكن عمليات الدمج في الولايات المتحدة من شأنها أن تزيد من ضغوط السوق على شركات مثل بريتيش بتروليوم، التي خسرت مؤخراً برنارد لوني، الرئيس التنفيذي، الذي وضع أهدافها للتحول، وشركة شل وتوتال إنيرجييز، لإثبات أن استراتيجياتها الهجينة سليمة، وقد تراجعت شركة شل بالفعل إلى حد ما.

والنموذج البديل هو أن تقوم شركات النفط بضخ الأموال النقدية إلى المستثمرين، الذين يقومون بعد ذلك بتوجيهها إلى المتخصصين في الطاقة النظيفة، وتقول شركة شيفرون إنها سترفع توزيعات الأرباح وعمليات إعادة الشراء بمجرد إغلاق صفقة هيس. كذلك هناك احتياج إلى رأس مال هائل، وتتوقع وكالة الطاقة الدولية أن يصل إجمالي الاستثمار السنوي في الطاقة النظيفة إلى 2 تريليون دولار، بحلول عام 2030 حتى في ظل السيناريو المتشائم، لكنه يجب أن يتضاعف إلى 4 تريليونات دولار، لتحقيق هدف صافي الانبعاثات الصفرية، وإذا لم تكن شركات النفط مستعدة لاستغلال عائداتها في الطاقة الخضراء بنفسها، فمن أجل مصلحة الكوكب، سيكون الأمر متروكاً للأسواق للقيام بذلك بدلاً منها.

كلمات دالة:
  • FT
Email