مشكلات بنك «مترو» تكشف إمكانية تشويه قواعد المصارف الحالية للمنافسة

ت + ت - الحجم الطبيعي

يمكن لبعض التداعيات غير المقصودة أن تستغرق عقوداً للشعور بألم وخزها كاملاً وينطبق هذا الأمر على الحزمة العالمية من إصلاحات رأس مال المصارف التي خرجت للنور في سنة 2004.

وقد ظهر أحد هذه التداعيات في الاضطرابات الأخيرة التي أصابت بنك «مترو» متوسط الحجم في المملكة المتحدة. تأسس المصرف على يد فيرنون هيل، وهو رجل أعمال اشتهر بعروضه البارعة في قطاع التجزئة لإغراء المودعين. وأسس هيل أيضاً «كوميرس بنك» الذي استحوذ عليه «تورنتو- دومينيون بنك» في سنة 2007 مقابل 8.5 مليارات دولار أمريكي، فضلاً عن مصرف «ريبابليك فيرست بانكورب» صغير الحجم الذي يتخذ من ولاية فيلادلفيا مقراً له، وعانى هو الآخر صعابه المالية الخاصة.

لقد تقدم «مترو» منذ خمسة أعوام بطلب للتحول إلى نظام رأس المال المتقدم الذي ظهر بموجب حزمة «بازل 2» ضمن الإصلاحات المصرفية العالمية. وسمح إطار العمل هذا للمصارف المتطورة باستخدام نماذجها الخاصة لتقييم مدى خطورة القروض، عوضاً عن استخدام درجات الأخطار المُوحدة التي يشتمل عليها دليل القواعد المصرفية. وأثرت تقييمات الأخطار هذه في متطلبات رأس المال للمصارف.

تكمن الفكرة وراء ذلك في أن المصارف ستتعامل على نحو أفضل مع الأخطار إذا توجب عليها وضع الخسائر المُحتملة في الحسبان ورسملتها، بدلاً من استخدام أداة غير ذات تأثير كبير شجعت الإقراض الأكثر خطورة عن طريق المساواة في المعاملة بين القرض الآمن والأعلى خطورة.

وبحلول سنة 2018، وحينما شرع «مترو» في التقدم بطلب استخدام نماذجه الداخلية، كان هذا النهج قد فقد شعبيته لدى المسؤولين التنظيميين في أنحاء العالم، بعدما كشفت الأزمة المالية أن النماذج المعقدة المطورة لم تفعل إلا القليل في تحصين المصارف من الخسائر غير المنظورة المدمرة.

ولكن «مترو» كان متحمساً للغاية للمضي قدماً في مواصلة التقدم بالطلب. وعلى الرغم من انقلاب الفضاء التنظيمي العالمي ضد النماذج الداخلية، فإن أكبر منافسي «مترو» كانوا لا يزالون قادرين على استخدامها لتخصيص مبلغ في المتوسط أقل من نصف رأس المال الذي سيكون مطلوباً من المصرف لقرض محدد.

ولكن الأمر فشل في منتصف شهر سبتمبر حينما أقر «مترو»، الذي أكد من قبل أن التحوّل إلى استخدام نماذجه الداخلية سيعزز نموه بقوة، بأن طلبه قد تم تأجيله إلى أجل غير مُسمى وقد لا يحصل على الموافقة. وفقدت أسهم المصرف أكثر من 50% في ثلاثة أسابيع، ما دفعه إلى زيادة رأس المال بمقدار 325 مليون جنيه إسترليني، وإعادة تمويل ديون بقيمة 600 مليون إسترليني في نهاية الأسبوع الماضي.

ولم يكن من المفترض أن تشوّه النماذج الداخلية المنافسة على النحو الذي حدث في سوق الرهن العقاري بالمملكة المتحدة ولكن تجربة «مترو» تشير إلى أن هذا الأمر لن ينتهي عما قريب.

وأفاد أحد المطلعين على الأمور داخل «مترو» بأن ما أحبط جهود المصرف انتظاره طويلاً كي يحصل على رد من الهيئة التنظيمية الاحترازية ببريطانيا. وأضاف المصدر إنه وحتى إن حصل المصرف على الموافقة على نماذجه الداخلية في نهاية المطاف، فستكون هناك الكثير من الاحتياطات التي سيتعين عليه زيادتها وبذلك تكون الجدوى أقل كثيراً مما كان مُتصوراً بالبداية ويعني ذلك أن أفضل سيناريو سينطوي على بقاء الفجوة مع أكبر المصارف في المملكة المتحدة. وأعلن «مترو» الإثنين الماضي أنه قد يوقف طلبه مؤقتاً.

واجه «مترو» عقبات فريدة من نوعها بسبب فضيحة سنة 2019، إذ تبيّن تطبيقه درجات الأخطار الخطأ على القروض، وهو خطأ لم يشفع له لدى الهيئة التنظيمية الاحترازية. وقد عانت مصارف أخرى إحباطات مماثلة بسبب نماذجها فقد تخلى مصرف آخر منافس سراً عن محاولاته التي دامت سنوات للتحوّل إلى استخدام نماذجه الداخلية لأن تكاليفها فاقت المنافع المُحتملة. ويقول مسؤولون تنفيذيون في مصارف أخرى إنهم قضوا وقتاً أطول وأنفقوا أموالاً أكثر على الموافقات للتحوّل إلى استخدام النماذج الداخلية مقارنة بما قضوه وأنفقوه للحصول على التراخيص المصرفية.

إن تردد الجهات التنظيمية بالمملكة المتحدة في الموافقة سريعاً على طلبات المصارف تنبع جزئياً من المخاوف في شأن عدم استطاعة المصارف الأصغر حجماً والأحدث إثبات قدرتها على التنبؤ بالخسائر من القروض على نحو أفضل من النماذج الموحدة التي طورها خبراء عالميون.

وتتمثل شكوى بعض الجهات التنظيمية بصفة عامة في أن النماذج تُستخدم في الأساس طريقة لخفض متطلبات رأس المال للمصارف، في إشارة إلى عدة أوراق بحثية، تشمل واحدة صدرت في سنة 2014، سلّطت الضوء على تلاعب المصارف.

إن الحزمة التالية من الإصلاحات العالمية لرأس المال، التي يسميها البريطانيون «بازل 3.1» والأمريكيون «بازل النهائية»، تقلل احتمالات حدوث ذلك عبر وضع حد أدنى لمدى انخفاض رأس المال الممكن استخدامه في خطوط العمل والمصارف بصفة عامة، بغض النظر عما يقوله النموذج.

وذهبت الولايات المتحدة خطوة أبعد، فاقترحت حظر استخدام حتى أكبر مصارفها نماذج داخلية لحساب أخطار قروضها بداية من منتصف سنة 2025. ويتساءل بعضهم في الدوائر التنظيمية عما إذا كان يتعين على المملكة المتحدة أن تحذو حذو الولايات المتحدة إن كانت ترغب حقاً في تعزيز المنافسة في قطاع الخدمات المصرفية للأفراد، وهو التفويض الثاني القائم منذ فترة طويلة للهيئة التنظيمية الاحترازية.

في النهاية، ثمة طريقان لحل مشكلة التنافسية التي دفعت المصارف إلى عمليات باهظة، وعادة ما تكون غير مثمرة، وهي خفض القيود أمامها جميعاً أو رفعها ولكن حينما نضع في الحسبان موجة الأزمات المصرفية الأخيرة، فإن الميل نحو الأولى ليس كبيراً.

كلمات دالة:
  • FT
Email