«إس أند بي»: توقعات بتراجع إصدارات الصكوك عالمياً في 2022

ت + ت - الحجم الطبيعي

توقعت وكالة ستاندرد أند بورز «إس أند بي» العالمية المتخصصة في خدمات التصنيف الائتماني أن تشهد حركة إصدار الصكوك على مستوى العالم خلال العام الجاري، بحسب تقرير أصدرته الوكالة اليوم.

وذكرت «إس أند بي» في تقريرها بأنها تعتقد أن حجم إصدارات الصكوك سينخفض في عام 2022، لأن انخفاض السيولة العالمية والإقليمية وزيادة تكلفتها، والتعقيدات الإضافية في عملية الإصدار، وتراجع احتياجات التمويل للمُصْدرين في بعض البلدان الأساسية للتمويل الإسلامي، بفضل ارتفاع أسعار النفط، سيؤدي إلى تراجع حاجة السوق للإصدار. كما أن النمو الحذر في الإنفاق الرأسمالي لدى الشركات يدعم وجهة نظرنا. 

وأوضح التقرير أن على الرغم من كون السوق قد نجحت في تجاوز التحديات ذات الصلة بتطبيق المعيار 59 لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية «أيوفي»، إلا أن تطور المعايير في المستقبل وتفضيل بعض علماء الشريعة لفرض نسبة أعلى من تقاسم الأرباح والخسائر في الصكوك يمكن أن يفرض المزيد من التحديات القانونية. علاوة على ذلك، تعتقد «إس أند بي» أنه إذا أصبحت الصكوك أداة شبيهة بالأسهم، فمن المرجح أن تتضاءل شهية المستثمرين والمُصْدرين.

وعليه، ترى «إس أند بي» أن توحيد هياكل الصكوك وتلبية متطلبات جميع أصحاب المصلحة يمكن أن يكون وسيلة معقولة لكي يحافظ السوق على جاذبيته.

يتم دعم السوق أيضاً من خلال تحول الطاقة وزيادة الوعي باعتبارات الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات بين المُصْدرين الإقليميين في الدول الأساسية للتمويل الإسلامي. علاوة على ذلك، من المرجح أيضاً أن يؤدي انتشار الأتمتة باستخدام حلول التكنولوجيا المالية إلى تعزيز نمو سوق الصكوك في المستقبل.

حجم الإصدارات هذا العام لن يصل إلى مستويات العام الماضي:

أفاد تقرير «إس أند بي» بأن إجمالي إصدارات الصكوك بلغ 74.5 مليار دولار أمريكي في النصف الأول من عام 2022، بالمقارنة مع 93.3 مليار دولار أمريكي للفترة نفسها من العام الماضي.

شهدت معظم الدول الأساسية للتمويل الإسلامي تراجعاً في الإصدارات، مع استثناءات قليلة فقط - مثل تركيا والبحرين والإمارات العربية المتحدة - حيث شهدت ارتفاعاً طفيفاً في الإصدارات. كما انخفضت الإصدارات بالعملة الأجنبية أيضاً. 

وأضاف التقرير أن «إس أند بي» خفضت توقعاتها لإصدار الصكوك لعام 2022 إلى نحو 130 مليار دولار أمريكي، بعد أن توقعنا سابقاً أن يتراوح حجم الإصدارات ما بين 145-150 مليار دولار أمريكي، ونرى مزيداً من التحديات فيما يتعلق بحجم الإصدارات. وساق التقرير ثلاثة عوامل تفسر هذا التوجه السلبي، وهي:

انخفاض وارتفاع تكلفة السيولة العالمية.

دفعت المستويات المرتفعة للتضخم تاريخياً البنوك المركزية الرئيسية إلى تغيير سياستها وتسريع زيادة أسعار الفائدة، مما أدى إلى انخفاض السيولة العالمية وزيادة تكلفتها.

كما زاد ذلك من إحجام المستثمرين عن المخاطرة، حيث شهدت قطاعات رئيسية من أسواق رأس المال «على سبيل المثال المُصْدرون الحاصلون على تصنيف من فئة المضاربة» تراجعاً ملحوظاً في نشاطها في النصف الأول من عام 2022 مقارنةً بعام 2021. إن سوق الصكوك، باعتبارها إحدى مكونات سوق رأس المال العالمي، ليست محصنة من التوجهات العالمية.

انخفاض الاحتياجات التمويلية للمُصْدرين.

أدى ارتفاع أسعار النفط منذ عام 2021 إلى تعزيز الميزانيات العمومية لدى العديد من المُصْدرين في الدول الأساسية للتمويل الإسلامي. لذلك لم يكن مفاجئاً بالنسبة لنا انخفاض الإصدارات في النصف الأول من عام 2022. ومع ذلك، نلاحظ زيادة حجم الإصدارات بالعملة المحلية في المملكة العربية السعودية لأن الحكومة تسعى إلى تطوير سوق رأس المال المحلي.

كما نلاحظ الحذر المستمر من جانب الشركات فيما يتعلق بخطط الإنفاق الرأسمالي. دفعت تداعيات الجائحة وعدم اليقين فيما يتعلق بالبيئة التمويلية العديد من الشركات إلى الحد من استثمارات النمو، أو اللجوء إلى البنوك للحصول على تمويل، أو البدء في تقليص المديونية.

تعقيدات الإصدار ما تزال تشكل عقبة.

يدرك المُصْدرون بشكل متزايد أن إجراءات إصدار الصكوك أكثر تعقيداً وتستغرق وقتاً أطول من السندات التقليدية. ورغم ذلك يلجأ بعض المُصْدرين للصكوك لأنهم يتوقعون تنويع قاعدة المستثمرين لديهم. والخبر السار هو أن السوق يبدو أنه قد تغلب على التحديات المتعلقة بتطبيق المعيار 59 الصادر عن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية.

مع ذلك، وفي حال دفع علماء الشريعة باتجاه تخفيف التوثيق القانوني، وفقدت الصكوك خصائص أدوات الدخل الثابت مع إضافة مخاطر كبيرة مقارنة بالسندات التقليدية، فإن جاذبية الصكوك وآفاق السوق سوف تتراجع على الأرجح.

حل المخاطر المتعلقة بالمعيار 59 من «أيوفي» كان عاملاً مساعداً:

تجري هيكلة العديد من الصكوك الهجينة من خلال مزيج من الأصول والسلع الملموسة. عدل المعيار 59 المتطلبات الخاصة بميزة ضرورية للامتثال للشريعة في المعاملة، وهي نسبة الأصول الملموسة. قبل اعتماد المعيار، كان مطلوباً من المُصْدرين أن يكون لديهم نسبة لا تقل عن 51% من الأصول الملموسة و49% كحد أقصى من السلع عند بداية المعاملة.

كان الحفاظ على هذه النسبة خلال عمر المعاملة على أساس بذل أفضل جهد، واتخاذ إجراءات تصحيحية في حال وقع خرق غير واضح. مع اعتماد المعيار 59، أصبح الحفاظ على نسبة أصول ملموسة بنسبة 51% مطلباً قانونياً طوال عمر المعاملة وجرى توضيح إجراءات معالجة الخرق.

من منظور الجدارة الائتمانية، سبب المعيار 59 ثلاثة مخاطر رئيسية: الانكشاف على مخاطر الأصول المتبقية، واحتمال تغير ترتيب المستثمرين في سيناريو التصفية، ومخاطر سيولة أعلى للمُصْدرين والمستثمرين. 

لحل المشكلات التي تنشأ عن هذا المعيار، قام المحامون بالتغييرات التالية:

تعريف متحفظ لحدث الخسارة الجزئية يجعل من غير المرجح وقوع مثل هذا الحدث (حتى إذا كان أحد الأصول عرضة لشكل من أشكال الانخفاض في القيمة)، والذي يعالج الانكشاف على مخاطر الأصول المتبقية. بالنسبة لبعض الهياكل، تتزايد مخاطر الأصول المتبقية حيث يصبح وقوع خسارة جزئية «بالإضافة إلى وقوع خسارة كلية» خطراً متزايداً.

وفي واقع الأمر، إذا كان هناك معاملة تضم عدة أصول، وتعرّضَ أصل أو أكثر من بينها لخسارة كلية، فإنه يمكن خرق نسبة الأصول الملموسة، وقد لا يتم تعويض المستثمرين بالكامل دون الرجوع إلى الجهة الراعية. يمكن للمُصْدرين الذين يعانون من ضائقة في السيولة استخدام جزء من التعريف الجديد لحدث الخسارة الجزئية لإدارة التزامات الدفع الخاصة بهم إذا لزم الأمر.

الجهة الراعية ملزمة في المحافظة على سيطرتها على الأصول، وبالتالي تقليل مخاطر تغيير ترتيب المستثمرين في سيناريو التصفية. يؤثر المعيار 59 على اللغة المتعلقة بالتعويض الذي تقدمه عادةً الجهة الراعية للصكوك ككيان مستقل، في حال إخلاله في أي من التزاماته التعاقدية.

وهذا قد يجعل دائني الصكوك أقرب إلى دائنين ثانويين لأنه قد لا يُنظر إلى الالتزامات التعاقدية على أنها تحمل نفس ترتيب الالتزامات المالية. لحل هذه المشكلة، فرض المحامون التزاماً على الجهة الراعية للحفاظ على ملكية أو سيطرة بناءة أو فعلية على الأصول.

وبهذا، يمكن للجهة الراعية تعويض المستثمرين لأن التزام الصكوك لم يعد يُنظر إليه على أنه دين لوجود أصول ملموسة. ومع ذلك، يمكن أن يُنظر إلى هذا الالتزام على أنه يتعارض إلى حد ما مع بيع الأصول إلى الكيان ذي الأغراض الخاصة الذي يُصْدِر الصكوك في البداية.

مخاطر زيادة السيولة للمُصْدرين والمستثمرين ما تزال دون حل، ولكن حالات التصفية نادرة. يخلق المعيار 59 سيناريوهات جديدة محتملة للتصفية المبكرة للصكوك.

في حال كان لدى المُصْدر أصول غير مرهونة غير كافية في ميزانيته العمومية، فهناك مخاطر دفع مسبق للأصول الأساسية أو - في حال وقوع خسارة جزئية - قد يكون هناك حاجة لسداد الصكوك قبل استحقاقها.

قد يشكل ذلك مشكلة بالنسبة لبعض المُصْدرين، لأنه يتطلب تخطيطاً للسيولة. ما يزال هذا الخطر بدون حل، ولكن من المتوقع حدوث تصفية مبكرة في حالات نادرة. لدى المُصْدرين أو الجهات الراعية حافز للحفاظ على استمرار تجديد المعاملات لتجنب وقوع هذا الخطر.

في مرحلة ما، إن الأصوات المتناقضة من علماء الشريعة الذين يدعون إلى زيادة الخصائص الشبيهة بالأسهم وأصوات المستثمرين الذين يفضلون زيادة الخصائص الشبيهة بالديون يمكن أن تعطل السوق.

يمكن أن يتحقق ذلك إذا ما ناقش العلماء آليات تقييم الأصول الأساسية، أو تحديد سعر الشراء عند الإصدار، أو دفع الإيجار غير المرتبط بقيمة الأصول الأساسية. في حال أصبحت الصكوك أدوات شبيهة بالأسهم، فقد يفقد المستثمرون والمُصْدرون اهتمامهم بالسوق، من وجهة نظرنا.

لذلك، فإن توحيد وتلبية متطلبات جميع أصحاب المصلحة يمكن أن يساعد القطاع في الحفاظ على جاذبيته. نلاحظ بأن هناك هياكل صكوك تشبه مجموعة كاملة من الأدوات المالية، من أدوات الدخل الثابت إلى الأدوات الشبيهة بحقوق الملكية.

أصبحت صكوك الاستدامة أكثر انتشاراً 

على مدى الأشهر الستة الماضية، رصدت «إس أند بي» طُرح العديد من معاملات الصكوك التي تحمل علامة استدامة في السوق. وتتراوح هذه المعاملات من الصكوك الخضراء إلى الاجتماعية. وفي ضوء ذلك، تتوقع «إس أند بي» أن نشهد إصدارات أكبر حيث يلبي المُصْدرون طلبات المستثمرين.

وعليه، تستشف «إس أند بي» في ضوء هذه المعطيات فرصتين رئيسيتين. الأولى: تعمل العديد من دول التمويل الإسلامي على تطوير وتنفيذ استراتيجيات للتحول إلى الاقتصادات الخضراء، وقد ينطوي ذلك على إمكانات نمو مستقبلية لإصدارات الصكوك الخضراء.

نتوقع أن نرى بعض النشاط في هذا المجال حيث تسعى جهات الإصدار إلى البقاء ضمن دائرة اهتمام المستثمرين العالميين. الثانية: تظل الجوانب الاجتماعية للتمويل الإسلامي جذابة. هذا يرتبط بشكل خاص بالآثار الاقتصادية للجائحة والصراع الروسي الأوكراني المستمرة في الظهور على شكل ارتفاع في مستويات التضخم ومعدلات البطالة، لاسيما في البلدان المقيدة مالياً. 

يمكن للصكوك الرقمية أن تعزز الشمول المالي أكثر 

يمكن أن توفر الصكوك الرقمية طريقة أسرع وأقل تكلفة للمُصْدرين للاستفادة من أسواق التمويل الإسلامي بسبب العدد المحدود من الوسطاء المعنيين. قد تشمل المنافع أيضاً تعزيز الأمان وإمكانية التتبع ونزاهة المعاملة، مما قد يعزز الامتثال للشريعة.

ومع ذلك، فإن هذا يفترض توافر تكنولوجيا يمكن الاعتماد عليها وجاهزية الأطر القانونية للتكيف مع هذه الأدوات. كما تتطلب وجود مستندات قانونية موحدة يمكن استخدامها كنموذج لإصدار الصكوك. 

وفي ختام تقريرها، أكدت «إس أند بي» أن تقليل مقدار الوقت والتكلفة ومتطلبات الحد الأدنى للإصدار بهذه الطريقة يمكن أن يؤدي إلى فتح سوق الصكوك لشريحة أوسع من المُصْدرين. مع ذلك، سيواصل المستثمرون في الصكوك الرقمية تحمل المخاطر التقليدية بما في ذلك مخاطر سوق الائتمان والسيولة.

كما أنهم سيتعرضون لمخاطر تشغيلية أكبر ناجمة عن الاستقرار التكنولوجي والمخاطر الإلكترونية. بالإضافة إلى ذلك، سيحتاجون أيضاً إلى وسيلة للتعامل رقمياً، مثل عملة إسلامية مستقرة أو عملة رقمية لبنك مركزي.

Email