«كوفاكس».. بين الوعود والواقع والمرتجى

ت + ت - الحجم الطبيعي

في مرحلة مبكرة من الوباء، ومع تبيان أنه في سبيل إنهاء الجائحة، هناك حاجة ليس فقط إلى لقاحات لمكافحة كورونا، بل أيضاً إلى ضمان إمكانية حصول غالبية سكان العالم عليها، دعا قادة العالم إلى حل من شأنه تسريع تطوير وتصنيع اللقاحات، فضلاً عن التشخيص والعلاج، وضمان الوصول السريع والعادل والمنصف إليها في جميع البلدان.

ظهرت آلية «كوفاكس» وهي نتاج تعاون دولي، وإحدى الركائز الثلاث لخطة «مسرع الوصول إلى أدوات كورونا» الذي أطلقت في أبريل 2020 من قبل منظمة الصحة العالمية، والمفوضية الأوروبية وفرنسا استجابة للوباء، بالتركيز على توفير إمكانية وصول مبتكرة وعادلة للقاحات كوفيد 19.

ووفقاً لموقع «غافي»، فإن «كوفاكس» ستحقق تلك المهمة عن طريق العمل كمنصة تدعم البحث والتطوير والتصنيع لمجموعة واسعة من اللقاحات وتفاوض على تسعيرها، وذلك بالتنسيق مع «تحالف غافي للقاحات»، و«تحالف ابتكارات التأهب للأوبئة» و«منظمة الصحة العالمية»، وستكون لجميع البلدان المشاركة بغض النظر عن مستويات الدخل مع فرص متساوية للحصول على اللقاحات بمجرد تطويرها. وقد اختارت كوفاكس العمل على تنوع من تسعة لقاحات مرشحة قيد التطوير بالفعل، وتسعة أخرى قيد التقييم. والهدف الأولي هو توفير ملياري جرعة بحلول نهاية 2021، وهو ما ينبغي أن يكون كافياً لحماية الأشخاص المعرضين لمخاطر عالية والضعفاء، فضلاً عن العاملين في مجال الرعاية الصحية على الخطوط الأمامية.

القدرة على الدفع
بالنسبة إلى دول الدخل المنخفض التي تتلقى تمويلاً، والتي لولاه لما كانت قادرة على تحمل تكاليف هذه اللقاحات، فضلاً عن عدد من البلدان ذاتية التمويل الأعلى دخلاً والتي ليست لديها صفقات ثنائية مع مصنعي اللقاحات، ينظر البعض إلى كوفاكس باعتبارها وسيلة قابلة للتطبيق تمكّن مواطني تلك البلدان الحصول على اللقاحات، وضمانة ألا تصبح القدرة على الدفع عائقاً أمام الوصول للقاحات. وعن طريق الانضمام إلى كوفاكس، تحصل الدول ذاتية التمويل على جرعات كافية لحماية نسبة معينة من سكانها (10 إلى 50%) رهناً بحجم الشراء، وتتلقى البلدان التي تتلقى تمويلاً، رهناً بتوافر التمويل، جرعات كافية لتطعيم ما يصل إلى 20% من سكانها على المدى الأبعد.

ولترجمة ذلك إلى واقع، شكل تحالف «غافي» آلية «كوفاكس» التي يمكن للاقتصادات ذاتية التمويل والاقتصادات التي تتلقى تمويلاً المشاركة فيها. وفي هذا الإطار، توجد أيضاً آلية تمويل منفصلة تماماً هي «آلية التزام السوق المسبق لكوفاكس» التي تدعم وصول اللقاحات إلى الاقتصادات منخفضة الدخل.

مرفق كوفاكس
ويتمثل الدور الرئيسي لـ «مرفق كوفاكس» في رصد مشهد لقاح كورونا لتحديد اللقاحات المرشحة الأنسب والعمل مع المصنّعين لتحفيزهم على توسيع قدرتهم الإنتاجية قبل الحصول على الموافقة التنظيمية، ولتوفير الاستثمارات والحوافز لضمان استعداد المصنعين لإنتاج الجرعات بمجرد الموافقة على اللقاح. ويفيد المرفق بأنه يستخدم القوة الشرائية الجماعية التي تأتي من مشاركة عدد كبير من البلدان من أجل التفاوض على أسعار تنافسية من المصنعين.

وحتى كتابة هذه السطور، هناك 78 دولة واقتصاداً بدخل مرتفع أكدت اهتمامها بالمشاركة في مرفق «كوفاكس»، ويتعين عليها أن تلتزم حتى 18 سبتمبر باتفاقات ملزمة قانوناً للمشاركة وتسديد مدفوعاتها مقدماً، وهناك طريقتان للشراء، أولاً عبر «ترتيب شراء ملزم» يتطلب تقديم دفعة مقدمة قدرها 1.60 دولار للجرعة الواحدة أو 15% من التكلفة الإجمالية للجرعة الواحدة، وبمجرد توافرها ستوزع بشكل عادل ومنصف بين المشاركين، مع إمكانية الانسحاب إذا كان سعر اللقاح ضعف أو أكثر السعر المتوقع. وثانياً عبر «ترتيب شراء اختياري»، وهؤلاء سيطلب منهم دفع نسبة أعلى من التكلفة الإجمالية للجرعة مقدماً، 3.10 دولارات للجرعة الواحدة وضمانة لتقاسم المخاطر قدرها 0.40 دولار للجرعة. وسيدفع المشاركون مبلغ الجرعات التي تفاوض عليها المرفق، بالإضافة إلى علاوة تسريع التصنيع فضلاً عن رمز زهيد مقابل عمل المرفق. بعض المصنعين سيقدمون اللقاحات بأسعار ثابتة، فيما يقوم آخرون بالتدرج في الأسعار على أساس مستويات الدخل.

التزام مسبق
من جهة أخرى، فإن التركيز الرئيسي لـ «آلية التزام السوق لغافي كوفاكس» هو ضمان حصول 92 دولة متوسطة ومنخفضة الدخل، والتي لا يمكنها تحمل الدفع مقابل اللقاحات بنفسها، على إمكانية وصول متساو للقاحات كما الدول الغنية ذاتية التمويل، وفي الوقت نفسه، وفقاً لموقع «غافي». وتلك الآلية منفصلة كلياً عن مرفق «كوفاكس» ما يعني أن أموال البلدان ذاتية التمويل لا تدعمها بأي حال من الأحوال، بدلاً من ذلك سيتم تمويلها بشكل رئيسي من خلال «المساعدة الإنمائية الرسمية»، فضلاً عن مساهمات القطاع الخاص والأعمال الخيرية. وبالتالي، يفيد موقع «غافي» أن المانحين السياديين سيحتاجون إلى تقرير إلى أي حد يريدون المساهمة أو تخصيص مساعدة إنمائية رسمية نحو هذا الهدف والقيام بذلك في الوقت المناسب.

ووفقاً لموقع «غافي» فإنه بمجرد أن ينجح أي من لقاحات «كوفاكس» في التجارب السريرية ويثبت أنه آمن وفعّال، ويحصل على موافقة من الجهات التنظيمية، سيتم تخصص الجرعات المتاحة لجميع البلدان المشاركة بنفس المعدل، بما يتناسب مع إجمالي عدد سكانها. وسيتم الاحتفاظ بمخزون مؤقت صغير يبلغ 5% من إجمالي عدد الجرعات لبناء مخزون للمساعدة، على سبيل المثال تطعيم اللاجئين.

وعلى الرغم من أنه يمكن للمشاركين أصحاب التمويل الذاتي طلب جرعات كافية لتطعيم ما بين 10 إلى 50% من سكانها، فلن تتلقى أي دولة جرعات كافية لتطعيم أكثر من 20 من سكانها حتى يتم تقديم هذه الكمية لجميع البلدان في مجموعة التمويل. الاستثناء الوحيد هي البلدان التي اختارت أقل من 20%.

ويقوم «تحالف ابتكارات التأهب للأوبئة» بقيادة عمل البحث والتطوير لـ«كوفاكس» مع تسع لقاحات مرشحة أصلاً للدعم، منها ثمانية في مرحلة التجارب السريرية.

عقبات وانتقادات
وعلى مدى شهور، واجهت «كوفاكس» العديد من العقبات وُوجهت بانتقادات كثيرة بشأن قدرتها على تلبية أهدافها في ظل نقص التمويل، فيما كانت الحكومات تحصل فردياً على جرعات عبر اتفاقات ثنائية وتقلص عرض اللقاحات عالمياً، كما تم انتقادها باعتبارها مشروع مساعدات بدلاً من مبادرة تعاون عالمية يجب أن تدعمها الحكومات لإبقاء الوباء تحت السيطرة.

ومن أهم الانتقادات الموجهة إليها غياب الشفافية في عقودها مع شركات اللقاحات، بالإضافة إلى عدم قيامها بتجهيز البلدان بالمعرفة والبنية التحتية لإنتاج اللقاحات بأنفسها. ويعتقد البعض أن يجب أن تكون أكثر حزماً مع مطوري اللقاحات وأكثر التزاما بالشفافية خاصة عندما يتعلق الأمر بضمان مشاركة الشركات المصنعة البيانات والتكنولوجيا مع البلدان ذات الدخل المنخفض.

لكن المبادرة طموحة، ويرى البعض أنها ساعدت في وضع معايير ومبادئ الحوار العالمي بشان التطعيم، لاسيما أولوية حصول الفئات المعرضة للخطر مثل العاملين في الرعاية الصحية على اللقاح، والدفع باتجاه التعددية، ولعب دور رئيسي في الحصول على اللقاح من قبل الدول منخفضة الدخل. وبالإجمالي، وزّعت «كوفاكس» حتى تاريخ 9 يونيو 2021 أكثر من 81 مليون لقاح كورونا إلى 129 مشاركاً، وفقاً لموقع «غافي».

Email