تأملات

أسباب جمع القرآن

ت + ت - الحجم الطبيعي

لما استعرت نار الحرب في عهد أبى بكر الصديق رضي الله عنه بين سيف الله المسلول خالد بن الوليد ومسيلمة الكذاب في واقعة اليمامة، مات من المسلمين خلق كثير، قيل: كان من بينهم سبعمئة من القراء.

فلما رأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه ما وقع من قتل الكثير من القراء يوم اليمامة، خشي على من بقي حياً من قراء القرآن فجاء إلى أبى بكر الصديق فقال له: إن القتل قد استحر في قراء القرآن فى اليمامة، وإني أخشى أن يستحر القتل في القراء فى المواطن كلها، وإني أرى أن تجمع القرآن. فقال أبو بكر رضي الله عنه: كيف نصنع شيئاً لم يأمرنا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمر ولم يعهد إلينا فيه عهداً؟ فقال عمر: افعل، فهو والله خير، ولم يزل عمر به حتى أرى الله أبا بكر مثل رأى عمر.

وقيل إن هناك سبباً آخر حدا بعمر رضي الله عنه إلى التمسك بضرورة جمع القرآن، وهو أنه سأل عن آية من كتاب الله تعالى، فقيل: كانت مع فلان وقد قتل يوم اليمامة، فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، ثم أشار بجمع القرآن.

فقال زيد بن ثابت: دعانى أبوبكر الصديق فقال: إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك، فقد كنت تكتب الوحى لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فاجمع القرآن واكتبه. قلت: كيف تصنعون شيئاً لم يأمركم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمر ولم يعهد إلينا فيه عهداً؟ قال فلم يزل أبوبكر يدعوني إليه حتى أرانى الله تعالى الذي رأى عمر وأبوبكر، ثم قال: والله لو كلفوني نقل جبل لكان أيسر من الذي كلفوني.

فجعلت أتتبع القرآن وأجمعه من صدر الرجال، ومن الرقاع، ومن الأضلاع ومن العسب، ومن اللجاف، ولقد فقدت آية كنت أسمعها من رسول الله ولم أجدها إلا عند رجل من الأنصار وهى: (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً). سورة الأحزاب، فألحقتها بموضعها فى سورتها، ولقد كان زيد بن ثابت رضى الله عنه مع مزيد حفظه للقرآن يأتيه الرجل بالآية فيطلب منه شاهدين عليها، وذلك لشدة مبالغته فى الاحتياط والدقة، وإدراكه للمهمة العظمى الملقاة على عاتقه.

وقد جاءه عمر بن الخطاب رضى الله عنه بآية الرجم، فلم يكتبها زيد لعدم وجود شاهدين عليها.

وبعد تمام جمع القرآن الكريم فى الصحف، حفظت الصحف عند أبى بكر حتى مات، ثم كانت عند عمر حتى مات، ثم كانت عند حفصة بنت عمر رضى الله عنهم أجمعين. أما لماذا لم يتم جمع القرآن فى الصحف فى حياة النبى؟ فلما كان يترقبه صلى الله عليه وسلم من نزول قرآن ناسخ.

فلما انقضى ذلك السبب برفعه صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى، ألهم الله تعالى الخلفاء الراشدين بجمعه وفاء بعهده سبحانه بحفظ القرآن فى قوله عز وجل: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) الحجر.

وقد كان الجمع من غير ترتيب السور، وقد تم هذا الترتيب لسور القرآن الكريم في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه.

وأغلب الظن أنه كان على ترتيب النزول، وعلى ذلك أتت بعض مصاحف السلف.

رجاء علي

Email